أجبرت اعتداءات المستوطنين المتكررة على عائلة الفلسطيني إبراهيم الربعي في خربة التوانة، شرقي مدينة يطا، إلى الجنوب من مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، على الرحيل عن منزله حفاظاً على حياة أبنائه. والربعي اضطر إلى السكن في خارج الخربة، نظراً إلى الخطر الذي يحيط به من كل الجهات، فهي تبعد بضعة أمتار عن مستوطنة حافات ماعون المُقامة على أراضي فلسطينيين هناك والتي يعيش فيها مستوطنون متطرفون ينضوون تحت لواء جمعيات استيطانية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم وسرقتها. كذلك فإنّ سلطات الاحتلال تمنعه من التوسّع العمراني أو توفير مقوّمات الحياة الأساسية، وكل ما تسمح به هو إدخال جرار زراعي إلى أرضه.
يحكي الربعي لـ"العربي الجديد"، قصة اضطراره إلى الرحيل، إذ إنّ "المستوطنين لم يتركوني بحالي". هو تعرّض وعائلته في خلال السنوات الماضية، إلى سلسلة اعتداءات متكررة كانت لتودي بحياته وحياة أبنائه الستة عشر. يقول: "تعرضنا لمحاولات قتل، واعتداءات بالضرب، ومحاولات خطف ودهس، في حين دُمّرت مزروعاتنا. ولعلّ الأكثر خطورة كان مهاجمة أيّ فرد من أفراد العائلة يكون بمفرده مع إطلاق الكلاب عليه". يضيف أنّ "المستوطنين سبق أن انفردوا بابن عمي واعتدوا عليه بالضرب المبرح وتسببوا له بكسور وجروح خطيرة".
لمّا رحل الربعي، استقرّ في مكان قريب من مساكن الخربة وبعيد بعض الشيء عن خطر المستوطنين، على الرغم من أنّه يملك أرواقاً تثبت ملكيته وكذلك قراراً من محكمة الاحتلال العليا يقضي بعدم السماح للمستوطنين بدخول أرضه البالغة مساحتها نحو 35 دونماً. ويقول إنّ ما أجبره على الرحيل هو عدم تأمين الحماية له، وتوفير ما يعزّز صموده من قبل المؤسسات الرسمية الفلسطينية على الرغم من مناشداته الكثيرة.
ويؤكد الربعي أنّ "حياة أبنائي هي الأهم، ورحيلي عن الأرض لا يعني تركها". بالنسبة إليه، فإنّ حياته مكرّسة للحفاظ على أرضه والصمود فيها، ويحاول قدر الإمكان التصدي لهجمات المستوطنين الذين يتمتعون بحماية مطلقة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، ويعتمد على المتضامنين الأجانب في موسم الزيتون، إذ إنّه يتعرّض في كلّ عام إلى السرقة أو التخريب أو قطع الأشجار. والعملية الأخيرة كانت في الأسبوع الماضي عندما دمّر المستوطنون في هجمة لهم، ثماني أشجار مثمرة وسرقوا كيس زيتون كبيراً.
تجدر الإشارة إلى أنّ الخطر يحدق بكل فلسطيني من سكان خربة التوانة يحاول الوصول إلى أرض الربعي لمساعدته في قطاف الزيتون، فهو يتعرّض فوراً إلى هجوم من قبل المستوطنين أو الضرب أو مطاردة الكلاب. وأشجار الزيتون وكذلك اللوزيات موجودة في هذه الأرض منذ ما قبل وجود مستوطنة حافات ماعون، وهي متوارثة من جيل إلى جيل. لكنّ مطامع الاحتلال والمستوطنين تلاحق الفلسطينيّ أينما كان وتهدّده بسكنه ولقمة عيشه، وقد وصل الأمر إلى حد اتّهام أصحاب الأرض بأنّهم مقيمون غير شرعيين مثلما هي حال الربعي وعائلته.
والمستوطنون يشنّون هجمات منظمة على خربة التوانة التي يسكنها نحو 400 فلسطيني، وينفذون اعتداءات متكررة على المزارعين، ويدمّرون محاصيلهم الزراعية، ويهاجمون رعاة الأغنام ويقتلون أغنامهم، في الوقت الذي يسرقون فيه بصورة متكررة محاصيل الزيتون ويدمّرون الأشجار.
في هذا الموسم، سوف يعتمد الربعي على متطوعين من هيئات شبابية ومتضامنين أجانب لقطاف الزيتون، بينما ينتظر تحقق وعود مؤسسات رسمية بتعزيز صموده وترميم بيوت قديمة في أرضه، مبنيّة في عام 1956. لكنّه يقول: "بغضّ النظر عن طبيعة الاعتداءات التي أتعرّض لها، سوف أبقى في أرضي ولن أرحل عنها". ويلفت الربعي إلى أنّ "مهمّة قوات الاحتلال الأساسية تقضي بتأمين الحماية للمستوطنين الذين يخرّبون على مرأى منها ممتلكات أهالي التوانة. وذلك يعني ضوءاً أخضر لتكثيف تلك الهجمات التي تُعرّض حياة الشبان والأطفال ورعاة الأغنام للخطر". ويمكن التأكيد أنّ صاحب الأرض يقف عقبة في وجه مخططات المستوطنين لسرقة أرضه وتوسيع مستوطنة حافات ماعون.
وخربة التوانة هي من مسافر بلدة يطا، يعيش سكانها حياة بدائية ويعتمدون على الزراعة ورعي الأغنام، في الوقت الذي تمنعهم فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من البناء أو التوسّع العمراني. كذلك تستهدف منازلهم المشيّدة من صفائح الحديد وحظائر أغنامهم وتهدمها أو تصادرها.