حين كانت أمّ حنان تستعدّ لترك الفندق الذي مكثت فيه نحو ستة أشهر في مدينة أربيل، لتتوجه إلى أحد مخيمات اللجوء القريبة بسبب نفاد نقودها ومدخراتها، لم تستطع السيطرة تماماً على شعور الخوف الذي انتابها. كانت تُدرك أن هذا ليس مصيرها وحدها، بل مصير مئات العائلات التي نزحت من مناطق الصراع إلى الإقليم. مع ذلك، شعرت بالخوف.
تجدر الإشارة إلى أن بيانات حكومة إقليم كردستان تشير إلى أن عدد النازحين تجاوز الـ700 ألف شخص قبل أزمة الموصل، معظمهم من محافظات الرمادي وديالى وبغداد، بالإضافة إلى سورية وإيران وتركيا. لكن بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على الموصل مطلع شهر يونيو/حزيران عام 2014، نزحت عائلات كثيرة من هناك إلى الإقليم، ليرتفع العدد إلى أكثر من مليون نازح، يتوزعون على مختلف مدن ومناطق الإقليم، سواء في المخيمات أو غيرها.
وتقول مصادر محلية وأخرى في الأمم المتحدة إن التدفق المستمر للنازحين إلى الإقليم، سيجعل من الصعب على الجهات المعنية إجراء إحصاء دقيق للسكان النازحين على نحو سريع، بما يوفر قاعدة بيانات ومعلومات يمكن الاستفادة منها في تحديد احتياجاتهم. مع ذلك، تُوزّع آلاف الأطنان من المواد الإغاثية.
فنادق
تحكي أم حنان قصتها لـ "العربي الجديد"، فتقول: "هربت وعائلتي من مدينة الموصل منذ أكثر من ستة أشهر. كنت أعمل في سجن بادوش (شمال الموصل)، وهذه المهنة كانت كفيلة بهدر دمي من قبل التنظيم، ما اضطرني إلى بيع بعض السلع في الموصل، ثم رهن سيارة زوجي الذي كان يعمل سائق سيارة أجرة في المدينة. بعدها، تركنا بيتنا وانتقلنا إلى أربيل وسكنّا في فندق يتلاءم مع حالتنا المادية. لم يتمكن زوجي من الحصول على عمل بسبب عدم إتقانه اللغة الكردية، بالإضافة إلى رفض توظيفه من قبل أهالي الإقليم، خشية أن تطول إقامتنا هنا".
تتابع: "بعدما شارفت مدخراتنا على النفاد، اضطررنا إلى مغادرة الفندق، على الرغم من صعوبة العيش في المخيمات في ظل قلة الخدمات، علماً أن أطفالي ما زالوا صغاراً ويحتاجون إلى رعاية صحية". تضيف: "أشعر بخوف من المستقبل، في ظل المصير المجهول الذي ينتظرنا في المخيمات".
بدوره، هرب أبو رامي من الموصل، بعدما هدده عناصر التنظيم بقتله وتفجير داره، بسبب بيعه السجائر. يقول إن عائلات كثيرة اضطرت إلى الهرب والسكن في فنادق، أو البحث عن شقق للإيجار في مدينة أربيل، بسبب خوفها من الإقامة في مخيمات النازحين، لافتقادها إلى كثير من الخدمات الضرورية، خاصة في فصل الشتاء.
يوضح أبو رامي أنه يسكن وعائلته في فندق تتوفر فيه جميع الخدمات اللازمة، علماً أن "تأمين بدل الإقامة في الفندق ليس بالأمر السهل. فأنا عاطل عن العمل". يقول إن تعامل أهالي أربيل وعموم الإقليم جيد مع النازحين، لافتاً إلى أن معظم العائلات النازحة حصلت على منحة المليون دينار من الحكومة. كذلك، فإن غالبية العائلات النازحة المسجلة لدى الحكومة تحصل على مبلغ 30 ألف دينار شهرياً، بالإضافة إلى منحها مواد غذائية تعادل هذا المبلغ، آملاً أن تنتهي أزمة نينوى وبقية المحافظات الواقعة تحت سيطرة داعش، وتعود العائلات النازحة إلى بيوتها ومناطقها.
الأسواق تنتعش
من جهة أخرى، ولدى دخول الإقليم، يواجه عدد من النازحين، لا سيما الشباب والرجال، بعض المشاكل بسبب الإجراءات الأمنية، ما يؤدي إلى تأخر دخولهم. إجراءات يعتبرها المسؤولون المحليون في الإقليم في غاية الأهمية، وقد أثبتت فاعليتها في حفظ الأمن.
في السياق، يقول المواطن غيث صلاح الذي قدم من مدينة الموصل إن هناك إجراءات كثيرة ترافق الدخول إلى الإقليم، وخصوصاً بحق الوافدين من المحافظات الأخرى، على غرار نينوى والرمادي وصلاح الدين وديالى. يضيف: "نعمد إلى الاتفاق مع أحد أهالي الإقليم لنضمن دخولنا إليه، أو لن يسمح لنا بالدخول. يجب أيضاً أن نحصل على بطاقة إقامة لنتمكن من التنقل في المنطقة التي نسكن فيها. وفي حال أردنا السفر إلى مدينة أخرى، علينا الالتزام بإجراءات إضافية".
يوضح صلاح أن هذه "الإجراءات تتعلق بالعرب دون غيرهم. حتى نكاد نشعر أننا في بلد أجنبي". يضيف: "كان يفترض بهم تسهيل دخولنا وتوفير جميع احتياجاتنا، على غرار ما يحصل في الدول الأوروبية. لماذا نواجه عرقلة، علماً أننا ما زلنا على أرض الوطن، وجميعنا هربنا من تنظيم داعش؟". ويطالب الجهات الحكومية في نينوى وبغداد والإقليم بإفساح المجال أمام تطوع شباب نينوى للمشاركة في تحرير محافظتهم.
من جانبها، تقول جهات حكومية في بغداد وكردستان إنها تبذل جهوداً كبيرة لتوفير احتياجات النازحين في الإقليم بحسب الإمكانات المتاحة، على الرغم من الحديث عن فساد يرافق توزيع اللجان المكلفة المال والإغاثات على النازحين، ما أدى إلى حرمان بعضهم منها.
في السياق، يوضح أحد الموظفين المكلفين بالتوزيع في مدينة أربيل، أحمد عمر، "أننا نعمل على توزيع كل ما يصلنا من مساعدات وإغاثات على النازحين، سواء كانت محلية أو عالمية، فضلاً عن منحة المليون دينار. إلا أن هذه المعونات المتاحة لا تكفي لأن عدد النازحين كبير جداً، ويزداد يوماً بعد يوم". يضيف: "يجب زيادة المخصصات المالية، وعلى المجتمع الدولي مد يد العون بشكل أكبر، وتقديم الإغاثات للنازحين، لا سيما في المخيمات التي تعاني من نقصٍ في الإمدادات والخدمات".
إلى ذلك، يرى خبراء في الاقتصاد والمال أن توافد النازحين إلى مدن إقليم كردستان، كان له جوانب إيجابية. على سبيل المثال، ازدهرت حركة السوق، ما انعكس بصورة إيجابية على الاقتصاد، على الرغم من ازدياد أعداد النازحين بشكل كبير، ما سيؤدي إلى تحميل الجهات الخدماتية أعباء إضافية.
ويقول الباحث الاقتصادي محمد جاسم: "تشهد الأسواق والفنادق والمطاعم والمقاهي في الإقليم إقبالاً كبيراً من قبل النازحين، بالمقارنة مع الفترة التي سبقت مجيئهم. فكان عملها يقتصر على الموسم السياحي فقط، الأمر الذي أنعش الحركة والعمل، وخلق فرص عمل إضافية للسكان المحليين".