شهدت العاصمة التركية أنقرة في الأيام الماضية، اجتماعات لفصائل المعارضة السورية المسلحة للخروج باتفاق يفضي إلى تشكيل جسم عسكري موحّد، تحسباً للتطورات مع بدء انسحاب الروس من سورية، في الوقت الذي تنشغل فيه وسائل الإعلام بمتابعة مسار المفاوضات السورية الذي بدأ في مدينة جنيف السويسرية، الاثنين الماضي، بين المعارضة والنظام برعاية أممية.
وتؤكد مصادر في المعارضة السورية المسلحة لـ"العربي الجديد"، "توصّل الفصائل العسكرية إلى اتفاق يقضي بتشكيل لجنة متابعة لإنشاء قيادة عسكرية موحّدة لمناطق الشمال السوري". ويقول القيادي في "جيش التحرير" بريف حماة الشمالي، المقدّم أسامة الشيخ حامد، المشارك في الاجتماعات، إنّ "الفصائل متّفقة على تشكيل جسم عسكري واحد تكون له فعالية على الأرض"، مشيراً إلى أنّ "اجتماع يوم الثلاثاء سبقته اجتماعات أخرى للوصول إلى تشكيل هذا الجسم".
وأكّد رئيس هيئة أركان "الجيش السوري الحر"، العميد أحمد بري لـ"العربي الجديد"، أن الغاية الأساسية من هذا الاجتماع، "توحيد صفوف المعارضة السورية المسلحة، وتشكيل قيادة عسكرية عليا للوصول إلى قرار عسكري واحد، فضلاً عن غرفة عمليات مشتركة، ودعم الهيئة العليا للتفاوض".
وتشير مصادر المعارضة ذاتها، إلى أنّ "هناك أطرافاً إقليمية تدفع باتجاه تشكيل جيش وطني من الفصائل كافة، يكون رديفاً عسكرياً للهيئة العليا للمفاوضات. وتقضي مهمة هذا الجيش بمحاربة قوات النظام والمليشيات التي تساندها والمدعومة من إيران، إضافة إلى قتال تنظيم داعش الذي لا يزال يسيطر على مساحات جغرافية واسعة، خصوصاً شرقي سورية"، وفقاً للمصادر.
ويعد توحيد فصائل المعارضة السورية المسلحة مطلباً شعبياً ملحّاً، عبّر عنه السوريون في تظاهراتهم الأخيرة، إثر سريان الهدنة بين المعارضة والنظام السوري. "توحيد الفصائل تأخر كثيراً، ودفع الشعب السوري ثمناً باهظاً بسبب التشرذم في ما بينها. وتوضح الأيام، أنّه أصبح من الضرورة الملحّة توحيدها"، بحسب المحلل العسكري، العقيد الطيار مصطفى بكور. ويرى العقيد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "توحيد الفصائل بأسرع وقت يوفّر الكثير من الدم على السوريين، ويسرّع في حلّ الأزمة، ويحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب للثورة والشعب"، على حدّ تعبيره.
اقرأ أيضاً سورية: الانسحاب الروسي يخيّم على محادثات جنيف..وورقة المعارضة اليوم
من جهته، يرى أحد قادة "جيش العزة"، المقدم أبو علاء، أنّه "بات من الضروري تشكيل جسم عسكري واحد لكل فصائل المعارضة المسلحة يكون قوامه الأساسي من الضباط وصفوف الضباط المنشقين عن جيش النظام. ويضيف القيادي لـ"العربي الجديد"، أنّه "يجب أن تتبع الفصائل لجسم عسكري واحد، ولغرفة عمليات عسكرية، وقانون عسكري، ومحاكم عسكرية للجميع".
ولم تكد تمرّ الأشهر الأولى من عمر الثورة السورية إلّا وبدأت حركة انشقاق وتصدّع داخل جيش النظام الذي زجّه الرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة مباشرة مع المعارضين. ويعدّ المقدم حسين الهرموش علامة مميزة في تاريخَي الثورة والجيش السوري الذي تأسس عام 1920 على يد يوسف العظمة الذي كان أول وزير دفاع في أول حكومة سورية بعد انسحاب الأتراك من سورية. فتح الهرموش الباب واسعاً في بداية يونيو/حزيران 2011 أمام حركة انشقاقات كبيرة. تبعه مئات الضباط والعساكر إلى إعلان الانشقاق والبدء بتشكيل "الجيش السوري الحر" في يوليو/تموز من العام ذاته، بقيادة العقيد رياض الأسعد.
استطاع "الجيش الحر" الحصول على شرعية شعبية بسرعة كبيرة، إذ أخذ على عاتقه حماية المتظاهرين من بطش قوات النظام، والبدء بتحرير سورية منها. حقّق خلال فترة زمنية قصيرة نتائج مهمة على هذا الصعيد. سيطر على مدن وبلدات في شمال وجنوب ووسط سورية. كان 2012 عام انتصارات "الجيش الحر" مقابل تراجع وانتكاسات لجيش النظام الذي فقد زمام المبادرة على الرغم من امتلاكه سلاح الطيران الذي لم يكبح عزيمة المعارضة، إلّا بارتكاب المجازر وتهجير المدنيين.
إلّا أنّ عدم وجود قيادة واحدة لـ"الجيش الحرّ" وضوابط محددة للدخول في صفوفه، واتساع حركة الانشقاق عن جيش النظام، أدى إلى ظهور عشرات الفصائل التي يجمعها هدف التخلص من النظام، وتفرقها الأساليب والخطط والأهداف المستقبلية، إذ ظهرت فصائل إسلامية متعددة تحمل أجندات لا تتفق وأهداف الثورة.
في هذا السياق، يؤكد مؤسس، قائد "الجيش الحرّ"، العقيد رياض الأسعد لـ"العربي الجديد" أنّ "الجيش لا يزال موجوداً وله مكانة كبيرة عند السوريين الذين يطالبون بعودة قياداته التي أقصيت من المشهد العسكري المعارض". ويضيف أنّ "الجيش الحر انبثق من الثورة، وعمل على حمايتها، وحماية السوريين من بطش جيش النظام، وكدنا أن نُسقط هذا النظام عام 2012، قبل ظهور فصائل مرتبطة بأجندات دول متعددة"، وفقاً للعقيد.
ولا يبدو الأسعد الذي فقد قدمه اليمنى بمحاولة اغتيال فاشلة إثر تفجير في محافظة دير الزور في مارس/آذار 2013، متفائلاً بخروج اجتماعات أنقرة وغيرها التي تحاول توحيد الفصائل، بنتائج مهمة على هذا الصعيد، مذكّراً بسابقاتها التي "لم تخرج بنتائج ذات قيمة ولم يكن لها تأثير حقيقي"، على حدّ تعبيره.
اقرأ أيضاً: رائحة مجازر سورية.. لو يشتمّها العالم ويشاركنا اختناقنا