تنقسم الإدارة الأميركية حول دور رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، على الرغم من إجماع صنّاع السياسة الخارجية الأميركية، على تحميله، وسياساته الإقصائية قدراً كبيراً من المسؤولية، عما آلت إليه أوضاع العراق. وأصبح هذا الانقسام حاداً، في كيفية التعامل معه، بين فريق لا يرى مفراً من التعاون معه كرئيس وزراء منتخب ومفروض بحكم الواقع، وفريق آخر، ينظر إليه كسبب رئيسي لمشكلة ستقود إلى تأسيس دولة "قاعدستان" انطلاقاً من العراق.
وما بين المطالب الصريحة في واشنطن برحيل المالكي، والتلميحات الرسمية المهذبة، فإن الرسالة أصبحت واضحة، وهي وجود رغبه أميركية لسماع نبأ استقالته، باعتباره عقبة في طريق الحفاظ على العراق موحداً.
ولكن في الوقت الذي أصبح فيه العديد من رموز الحزب الجمهوري في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركي يعتبرون المالكي، جزءاً من المشكلة، فإن الرئيس، باراك أوباما، ووزير خارجيته، جون كيري، يقرّان بذلك، ولكنهما ما زالا يأملان أن يتحوّل المالكي، تحت ضغط التطورات الأخيرة إلى جزء من الحل، عن طريق تشكيل حكومة جديدة تستوعب المكونات الرئيسة للشعب العراقي. علماً أن تكرار المطالبة بتشكيل حكومة جديدة، لا يعني بالضرورة أن تكون برئاسة المالكي.
ففي تصريحات أدلى بها لشبكة "إم إس إن بي سي" الأميركية، قال أوباما إن "مشكلتنا مع المالكي، تكمن في أن الانتخابات العراقية لم يمر على إجرائها سوى القليل من الوقت، وليس من مهام إدارتي أن تختار للشعوب الأخرى قادتها".
ورأى أن "أمام قادة العراق فرصة سانحة لتشكيل حكومة جديدة، وأن الجميع، وليس المالكي وحده، أصبحوا أمام اختبار صعب. فإما أن يثبتوا قدرتهم على وضع الشكوك والانحياز الطائفي جانباً، وإما أن يتحمّلوا النتائج".
وأكد أنه "لا يعرف بالضبط كيف ستكون النتائج، ولكن الشيء الوحيد الذي يعرفه، هو أن فشل قادة العراق في التعايش فيما بينهم، سيؤدي إلى تقسيم بلادهم لا محالة، ولا يمكن لأي تدخّل أميركي عسكري، ولو بأعلى قدر من القوة، منع حدوثه".
وفي هذا الإطار، جاءت تصريحات كيري، أثناء زيارته للعراق لتؤكد رؤية أوباما، ووجّه وزير الخارجية الأميركي، نصائحه لأقطاب السياسة في العراق بـ"نسيان خلافاتهم والتآزر فيما بينهم لتشكيل حكومة جديدة"، ومواجهة ما سماه "الخطر المحدق على الجميع".
مخاوف من "قاعدستان"
أما الطرف الجمهوري من المعادلة، والذي مازال مؤثراً في صنع القرار من خلال وجوده القوي في مجلسي الشيوخ والنواب، فمن الواضح أن أكثر رموزه لم يعودوا يعولون على المالكي، بل ارتفعت أصواتهم تطالب أوباما، بتدخل عسكري مباشر لحماية مصالح الولايات المتحدة، أو على الأقل التعاون مع الأقاليم غير الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، تحديداً في كردستان العراق.
وفي هذا السياق، صرح السيناتور الجمهوري البارز، رون جونسون، أن "على الولايات المتحدة العمل على تأمين الاستقرار في الأقاليم العراقية، التي مازال للاستقرار وجود فيها". وطالب إدارة أوباما، بـ"عمل ما يمكن عمله، للدفاع عن إقليم كردستان العراق في شمال البلاد، لضمان عدم وقوعه تحت سيطرة داعش". وأعرب عن خشيته من أن "تأسيس دولة قاعدستان، سيولّد مخاطر جمة على العالم أجمع"، على حد تعبيره.
وكانت تصريحات سابقة لرموز آخرين في الحزب الجمهوري وحتى بعض قيادات الحزب الديمقراطي، طالبت المالكي، بالاستقالة من منصبه "لأن إصراره على البقاء لن يؤدي إلى ترسيخ حالة الانقسام في بلاده، بل ربما تتسع دائرة الانقسام بسببه داخل واشنطن ذاتها".