بعيد فشل المفاوضات التركية الروسية حول إدلب، تصاعدت المواجهات العسكرية على الأرض، مع بدء الفصائل المسلحة هجوماً مضاداً، أمس الثلاثاء، على محاور بلدات النيرب، الطليحية، والطليحية شرقي إدلب، والتي تقع في محيط مدينة سراقب، بإسناد مدفعي تركي، في وقت كانت الأنباء لا تزال متضاربة حول سيطرة النظام السوري على كامل الطريق الدولي حلب - دمشق المعروف بـ"ام 5". في مقابل ذلك، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يهدد النظام بدفع "ثمن باهظ" في حال اعتدى مجدداً على الجنود الأتراك، مضيفاً أنه سيعلن اليوم الأربعاء عن الخطوات التي ستتخذها بلاده حيال تطورات الأوضاع في إدلب.
وتمكّنت الفصائل المقاتلة أمس من إسقاط مروحية لقوات النظام فور بدء عمليتها العسكرية، كانت تحلق في سماء مدينة النيرب، من دون تحديد نوعية السلاح الذي أُسقطت به المروحية، إلا أن الطائرة سقطت في محيط البلدة، بعد مقتل طاقمها المؤلف من أربعة عسكريين. وأشارت مصادر أخرى إلى أن الفصائل استهدفت بصاروخ موجّه طائرة حربية لقوات النظام من نوع "ميغ 23" من دون إصابتها، مما أجبرها على العودة إلى القاعدة التي انطلقت منها، قبل أن تشن غارة على الأحياء السكنية داخل مدينة إدلب، ما أوقع ضحايا بين المدنيين.
ويأتي العمل العسكري للفصائل والذي عرقل جزئياً اجتياح النظام، بعد فشل المباحثات التركية الروسية، والتي تمسك فيها الجانب الروسي بإكمال العمليات العسكرية حتى "تطهير كامل المنطقة من الإرهابيين"، بحسب ما سرب مصدر عسكري من المعارضة السورية لـ"العربي الجديد" عن الاجتماع، في مقابل إصرار تركي على انسحاب قوات النظام من كامل المناطق التي دخلتها ضمن "منطقة خفض التصعيد". وتضم تلك المنطقة محافظة إدلب كلها، وأجزاء من أرياف حماة الشمالي، وحلب الغربي والجنوبي، واللاذقية الشرقي.
وإذا ما صحّت الأنباء عن تسليم الفصائل صواريخ مضادة للطيران، فإن موازين القوى في المعارك الدائرة ستتغير تباعاً بناءً على هذ المتغير، إذ أشار موقع صحيفة "جسر" المعارض إلى أن هناك "أنباء عن تسلم المعارضة السورية صواريخ من طراز ستينغر المضاد للطائرات"، وذلك عقب إسقاط المروحية، واستهداف مقاتلة من دون إسقاطها.
ويستمرّ تقدّم قوات الفصائل المسلحة في تلك المحاور مقابل تقدّم للنظام على محاور بين ريفي حلب الغربي وإدلب الشمالي الشرقي، بدعم جوي روسي، وسط تكهنات بنيّة النظام الاستمرار في التقدم باتجاه معبر باب الهوى، ما يضع إدلب ضمن خطر الحصار. فيما أدى قصف الجوي من قوات النظام على مدينة إدلب أمس إلى سقوط 12 قتيلاً و33 مصاباً، جلهم من الأطفال والنساء. وأكد مصدر عسكري من المعارضة لـ"العربي الجديد" سيطرة قوات النظام على عدة قرى في ريف حلب الغربي المتاخم لريف إدلب، مشيراً إلى أن تقدّم النظام يزيد من خطورة الوضع في ذلك المحور ويضع إدلب تحت خطر الحصار شبه المطبق، كما يمنح النظام فرصة الوصول إلى الحدود السورية - التركية في حلب وريف إدلب. وأوضح المصدر أن قوات النظام بعد أن سيطرت على قرى البوابية، والكسيبية، وتل حدية، والزربة، والبرقوم، ومركز البحوث الزراعية "ايكاردا"، في ريف حلب الجنوبي والغربي، بسطت سيطرتها على قرية كفر حلب وتحاول السيطرة على قرية كفر نوران بعد أن هجّرت سكانها بفعل القصف، في محاولة للتقدّم على بلدة النيرب التي باتت الهدف المقبل لقوات النظام. وبحسب المصدر، فإن سيطرة قوات النظام على كفر نوران إذا ما تمت، ستضع تلك القوات على أبواب الطريق المؤدي إلى معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، والوصول في ما بعد إلى الطريق الواصل بين إدلب والمعبر، وبالتالي فصل إدلب عن حلب بالكامل. والوصول إلى المعبر سيكون هو الأول منذ خسارة النظام له عام 2012، وتدير المعبر في الوقت الحالي إدارة مدنية محسوبة على "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، والتي تستخدمها روسيا والنظام ذريعة للهجوم على إدلب بحجة "الحرب على الإرهاب".
وكانت القوات التركية قد ثبتت فجر أول من أمس نقطة جديدة في موقع الفوج 46 قرب مدينة الأتارب، وذلك في ظل محاولة قوات النظام التقدّم إلى تلك النقطة التي تقع قرب الطريق المؤدي إلى معبر باب الهوى. وبحسب المصدر العسكري، فإن النظام قد يواصل تقدّمه في ذلك المحور، ومن ثم حصار النقطة الجديدة، وذلك على غرار ما حدث في سراقب وغيرها، حين ثبت الجيش التركي نقاطاً جديدة، إلا أن قوات النظام تقدّمت في محيطها وحاصرتها.
وكانت مصادر مختلفة على الأرض قد أكدت لـ"العربي الجديد" سيطرة النظام بشكل كامل على الطريق الدولي "ام 5"، بعد سيطرته على كافة المناطق في ريف حلب الجنوبي الغربي المتاخم لريف إدلب الشمالي الشرقي؛ إلا أن مصدراً عسكرياً من قوات النظام نفى لموقع "روسيا اليوم" صباح أمس الثلاثاء "الأنباء المتداولة عن فتح كامل الطريق السريع بين دمشق وحلب"، مؤكداً أن "الاشتباكات لا تزال جارية في حي الراشدين في حلب بين الجيش السوري والمسلحين".
في غضون ذلك، استمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نبرته التصعيدية، بعد مقتل خمسة من جنود بلاده أول من أمس الإثنين، إثر استهداف نقطتهم الجديدة داخل مطار تفتناز العسكري في إدلب من قبل قوات النظام. وقال أردوغان في كلمة له يوم أمس الثلاثاء: "لقد تم الرد وبقوة على قوات النظام السوري، لكن هذا لا يكفي والرد سيتواصل". وفي إشارة إلى النظام السوري، قال أردوغان: "سيدفعون ثمناً باهظاً كلما اعتدوا على جنودنا". وأعلن أن بلاده ستشرح اليوم الأربعاء "الخطوات الواجب اتخاذها بعد الهجوم في إدلب في اجتماع المجموعات". وجاء كلام أردوغان قبل اتصال مرتقب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين مساء أمس، وقبيل وصول المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري إلى أنقرة للقاء كبار المسؤولين الأتراك ومناقشة آخر المستجدات بشأن الوضع في سورية.
من جهته، قال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو إنه "يجب على روسيا وإيران ونظام الأسد وقف الهجمات على إدلب". وفي مؤتمر صحافي خلال زيارته جمهورية الجبل الأسود، أوضح أن نتائج مهمة للغاية خرج بها التعاون بين تركيا وروسيا، مستدركاً بالقول: "ولكن هجمات النظام في إدلب، وقتله المدنيين وهجومه على جنودنا، بدأ يلحق ضرراً كبيراً للغاية بهذه الشراكة". وشدد على أن الأهم يتمثل في إيقاف الهجمات بإدلب، وإعلان وقف إطلاق نار دائم، وإيجاد حل سياسي في سورية.
بالتزامن مع ذلك، دعا حلف شمال الأطلسي روسيا والنظام السوري إلى وقف الهجمات على إدلب فوراً، فيما نددت الولايات المتحدة من خلال صفحة سفارتها في دمشق بـ"الاعتداءات التي يشنها على إدلب نظام الأسد وروسيا وإيران وحزب الله"، مشيرةً إلى أن "هذه الهجمات الوحشية يجب أن تنتهي. وحتى يفعلوا ذلك، فإن الولايات المتحدة سوف تستخدم كل قوتها لمعارضة إعادة نظام الأسد ليكون عضواً طبيعياً في المجتمع الدولي".
ومع هذه التطورات، تزداد المعاناة الإنسانية، إذ دفع هجوم النظام بمئات الآلاف للفرار في أكبر موجة نزوح منذ بدء النزاع قبل نحو تسع سنوات، وفق الأمم المتحدة. وقال المتحدث الإقليمي باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ديفيد سوانسون لوكالة "فرانس برس": "خلال عشرة أسابيع فقط، ومنذ الأول من ديسمبر/ كانون الأول، نزح حوالي 690 ألف شخص من منازلهم في إدلب والمناطق المحاذية لها". وأضاف "إن هذا العدد، وبحسب تحليل أولي، يعد الأكبر لنازحين (فروا) في فترة واحدة منذ بداية النزاع في سورية قبل نحو تسع سنوات".