إدمان الطعام خطر مستتر

26 يونيو 2016
العلاج ليس بالحمية (جون مور/ Getty)
+ الخط -

إدمان الطعام. نوع آخر من أنواع الإدمان لا يُسلّط الضوء عليه. يعيد أهل الاختصاص هذا الإدمان، تماماً كما هي الحال مع أنواع الإدمان الأخرى، إلى اضطرابات نفسية، لا سيّما تلك الناجمة عن نمط الحياة التي نعيشها اليوم، صغاراً كنّا أم كباراً. فالضغوطات والتشنّج اليومي تزداد أكثر فأكثر، سواء في العمل أو في العائلة أو في علاقاتنا الاجتماعية والعاطفية.

ولعلّ من المهمّ دقّ ناقوس الخطر ومقاربة هذا الموضوع من زاوية علميّة وعملانيّة، إذ إنّ ما بين 10 و12 في المائة من المراهقين في البلدان العربية يعانون من هذا الإدمان.

أزمات شخصيّة

رعاية واهتمام أكبر، من شأنهما أنّ يجنّبا معاناة الأشخاص من هذا الإدمان، بحسب آراء مختصّة. وفي هذا السياق، يقول الاختصاصي في علم النفس الدكتور نبيل خوري إنّ "أسباب إدمان الطعام قد تعود مثلاً إلى خلل في الارتباط العاطفي والنفسي والاجتماعي، في حال كانت الأوضاع مضطربة داخل العائلة". يضيف لـ "العربي الجديد": "على سبيل المثال، عندما يشعر الولد بعدم أمان وبأنّ أهله تحديداً لا يؤمّنون له هذا الأمان، فإنّ من الممكن أن يفجّر كبته في سنّ المراهقة باللجوء إلى أنواع من الأغذية غنيّة بالنشويات (أو كربوهيدرات)، من شأنها أن تسدّ نقص هرمون السيروتونين في الدماغ، الأمر الذي يمنح بالتالي شعوراً بالطمأنينة والراحة". ويتابع: "لهذا نسمع بين الحين والآخر، أنّ فلاناً فشّ خلقه بالأكل". و"فشّة الخلق" هذه قد تأتي "على أثر معاناة أو أزمات من قبيل الهجرة أو الطلاق أو الإهمال".

ويوضح خوري أنّ "العلاج يكون بمحاربة أعراض الاكتئاب والقلق، من خلال تناول الأدوية المناسبة التي من شأنها التخفيف من إدمان الطعام، أو من خلال جلسات علاج نفسي. وقد يشمل هذا العلاج الأهل إذا كان المدمن صغيراً في السنّ، لتحسين التواصل بين الطرفَين وتزويدهما بإرشادات ضرورية بغية تطوير الأداء العاطفي بين الأهل وأولادهم".

ويشير خوري إلى أنّ "ما بين 10 و12 في المائة من المراهقين في المجتمعات الشرقية، يعانون من شراهة في تناول الطعام، خصوصاً في بلدان الخليج حيث نجد أعداداً كبيرة من الأطفال الذين يعانون من السمنة الزائدة والبدانة. فإدمان الطعام يُعدّ المتنفّس الوحيد للتخفيف من الضغط النفسي على النظام العصبي".




الحمية قد تكون مؤذية

من جهته، يقول الطبيب المتخصص في الغدد الصماء والسكري الدكتور شارل صعب إنّ "ثمّة علاقة ما بين البنكرياس والدماغ في ما يتعلّق بإعطاء الأوامر الخاصة بمواقيت استهلاك الطعام. وأيّ خلل في هذا الشأن، قد يؤدّي إلى إدمان الطعام". ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ "ثمّة أشخاصاً يلجأون إلى الطعام من دون الشعور بالجوع، وآخرين يأكلون فوق شبعهم. وهاتان الحالتان تعرّضانهم للبدانة. لذا، من الضروري معالجة المريض لتحديد الأسباب وراء ذلك. فإذا كانت نفسيّة، توصَف له أدوية للاكتئاب أو للقلق أو علاجات طبيّة معيّنة من دون فرض حمية عليه". ويؤكّد أنّه في حال فُرضت عليه حمية، "فقد يشعر بالحرمان. ومن الممكن أن يأتي بردّ فعل عكسيّ ولا يلتزم بتلك الحمية. وقد تبيّن لنا بالفعل، أنّ 95 في المائة من الأشخاص يرفضون فكرة فرض حمية عليهم".

ويشير صعب إلى أنّ "إدمان الطعام يعني ميلاً لا يقاوم لتكرار فعل استهلاك الطعام حتى لو كان الشخص غير جائع. والأمر يشبه تماماً إدمان التسوّق وإدمان الكحول وإدمان المخدّرات وغيرها. الأشخاص الذين يعانون من إدمان الطعام يشعرون بأنّهم عاجزون أمام حاجتهم الملحة والمفرطة للغذاء. وفي الغالب يعاني هؤلاء من السمنة المفرطة وتراكم الدهون في أجسامهم. ومهما حاولوا التخلص من الوزن الزائد، فإنّهم يفشلون بسبب ضعفهم في مقاومة الأكل".

ويتابع صعب أنّ "لا أحد يستطيع إجبار من يعاني من هذا الإدمان، على التحكّم في أكله للتخلّص من الوزن الزائد. لكن إذا كان حقاً قلقاً على صحته، وإذا كان على استعداد للسيطرة على عاداته الغذائيّة لإنقاص وزنه، فلا بدّ من أنّ يتعلم كيفية وقف استخدام الغذاء كوسيلة للتفريغ العاطفي أو كوسيلة للهروب من المشاعر المؤلمة وضغوطات الحياة". ويشدّد على أنّ "إدمان الطعام لا يعني نوعاً معيّناً من الأغذية، إنّما هو إدمان سلوكي. المدمن لا يأكل لأنه جائع جسدياً، بل غالباً ما يأكل لأنّه جائع عاطفياً بسبب الإحباط أو الغضب، أو بسبب الهروب من التوتّر والإجهاد أو من شيء آخر يسبّب له الإزعاج".