اعتاد المواطن الجزائري منذ سنتين على ما بات يصطلح عليه بأزمة البطاطا مع كل موعد انتخابي هام. الجزائريون معروفون باستهلاكهم الواسع لهذه السلعة، إذ قدّرت وزارة الفلاحة استهلاك الفرد الجزائري سنوياً بنحو 106 كيلوغرامات من البطاطا التي تكاد تكون حاضرة في كل الأطباق الغذائية. لكن وبصورة فجائية، في العام 2012 ظهرت أزمة غير مسبوقة، رفعت أسعارها إلى 400% نتيجة الندرة التي عرفتها عشية الانتخابات التشريعية.
خلقت هذه الوضعية الجديدة حالة من الاضطراب في الشارع الجزائري، صاحبته حملة "تنكيت" واسعة، على حال الفلاحة، والحكومة أيضاً، وقد وجدت هذه الأخيرة نفسها في حرج شديد بعدما عجزت عن توفير هذه المادة الغذائية، فلجأت إلى حل فوري زاد من سخط الشارع عليها، عن طريق استيرادها لكميات كبيرة من البطاطا الكندية ذات النوعية الرديئة، والمخصصة للاستهلاك الحيواني.
ارتفاع قياسي في الإنتاج
بعيداً عن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، وتذرّع الحكومة بافتعال أطراف معينة لهذه الأزمة، من أجل الضغط عليها عشية الانتخابات التشريعية، فإن الفلاحين رفعوا التحدي هذا العام بشكل غير مسبوق، وحققوا إنتاجاً قياسياً في مادة البطاطا فاق السبعة ملايين طن، ما حقق اكتفاءً ذاتياً، ولكنه زاد من تكديس هذه السلعة في المخازن.
ويؤكد رئيس شعبة البطاطا لولاية الوادي، بكر حامد غمام، أن إنتاج البطاطا في ولاية الواد بلغ نحو مليون و300 ألف طن هذا العام، على مساحة إجمالية تقدّر بنحو 37 ألف هكتار، بين البطاطا المتأخرة والموسمية. ويقول لـ"العربي الجديد"، إن مساهمة ولايته في الإنتاج الوطني للبطاطا، هذا العام وصل إلى 25%، مشيراً إلى أن الفلاحين يعولون على بلوغ نسبة 50% من الإنتاج الوطني للبطاطا بنوعيها المتأخرة والموسمية خلال أشهر نوفمبر/ تشرين الثاني، وديسمبر/ كانون الأول من العام الحالي، ويناير/ كانون الثاني، وفبراير/ شباط من العام المقبل، بالنظر إلى أن الإنتاج اليومي هذا العام، بلغ بين سبعة آلاف إلى ثمانية آلاف طن.
غياب التنظيم
وبحسب غمام، يواجه الفلاحون العديد من العراقيل الخاصة بعمليات تصدير إنتاجهم، أبرزها وجود أزمة تنظيم، في ظل غياب الخطط الخاصة بالاستيراد والتصدير. إذ إن الحكومة تفتقد إلى استراتيجية واضحة في هذا الإطار، كما أن ثقافة التصدير خارج قطاع المحروقات تعتبر ثقافة جديدة عليها، في ظل تداعيات الأزمة المالية الناجمة عن تراجع أسعار النفط.
يقول غمام: "إن الفلاحة في الجزائر غير منظمة، رغم الطفرة ووفرة الإنتاج التي شهدتها سلعة البطاطا مقارنة بعامي 2008-2009، إذ كان الإنتاج لا يتعدى مليوني طن سنوياً تقريباً، وكان عدد الولايات المنتجة لا يتجاوز 26 ولاية، وبفضل وعود الوزارة وتشجيعها، وإقامة العديد من البرامج، قفز عدد الولايات المنتجة للبطاطا إلى 32 ولاية".
ويستدرك غمام أن هذه الوفرة في الإنتاج كانت كارثة على الفلاحين الذين اضطروا إلى بيع محاصيلهم بسعر أقل من نصف كلفة إنتاجها، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 10 و15 سنتاً بسبب سوء التنظيم وغياب نظام الضبط. إذ كانت المؤسسة المتوسطية للتبريد في حالات وجود عرض كبير تقوم بامتصاص الفائض وتخزينه لتخرجه في حالة ندرة المنتج. ويقول غمام: "قامت المؤسسة المتوسطية بعكس ما كان يفترض بها القيام به، حيث امتنعت عن تخزين الفائض واستقبال إنتاج الفلاحين، وعملت على إخراج مخزونها إلى السوق، متجاهلة بذلك مهمتها المتمثلة في المحافظة على توازن واستقرار السوق خدمة للمنتج والمستهلك معاً". ويضيف: "أثّر هذا التصرف سلباً على المنتج بشكل غير مسبوق، كما أن دور كل من وزارة التجارة مع المصدّرين، ودور الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية، لا يرقى إلى المستوى المطلوب".
اقــرأ أيضاً
لا تقف العراقيل عند هذا الحد، وبحسب غمام، فهناك نقص شديد تعانيه الولايات الصحراوية بشأن التبريد، حيث لا تغطي مخازن التبريد سوى 5% من الفائض في الإنتاج، مع أنها تنتج سنوياً نحو 13 مليون قنطار، ولا زال الفلاحون ينتظرون اكتمال إنجاز منشأة المخازن العامة بسعة 20 ألف متر مكعب.
ويؤكد غمام أن تمتع الجزائر بوجود أربع فصول، وجودة المنتجات الزراعية الخالية من المواد الكيماوية المحسّنة، يساعدنا للخروج بمنتوجاتنا الفلاحية إلى الأسواق الخارجية، خاصة أن الطلب على هذه المنتجات بات كثيفاً في الآونة الأخيرة، خاصة في بلدان آسيا التي تطلب المنتج الجزائري بشكل لافت. ويشير إلى أن كل من الإمارات العربية المتحدة، وإسبانيا صنّفت بطاطا وادي سوف من أجود أنواع البطاطا في العالم، مرجعاً الأمر إلى جودة هذه المنتجات من حيث المذاق والنوعية والقيمة الغذائية، ما يعد بمستقبل زاهر، خاصة إذا تظافرت جهود جميع المتدخلين في العملية ما من شأنه أن يحوّل اقتصاد الجزائر إلى البترول الأخضر.
استراتيجيات خاطئة
لكن تكبّد الفلاحون خسائر كبيرة، بعدما فتحت الحكومة الباب على مصراعيه أمام المستثمرين لإقامة مستودعات التبريد، حيث يلفت غمام إلى أن غالبية الفلاحين خسروا ما يفوق نصف تكاليف الإنتاج، وهو ما يقدّر بنحو 100 مليون دولار، داعياً إلى تشجيع الفلاحين على إقامة مستودعات التبريد لكل فلاح يملك 20 هكتاراً فأكثر، مشدداً على ضرورة أن تكون هناك استراتيجية حكومية كاملة ومتكاملة للتخلص من أي إشكالات في القطاع، كون البلاد حققت الإنتاج المطلوب لكنها لم تستطع التحكم به.
أما عبد الله مزيان، رئيس شعبة البطاطا في ولاية عين الدفلى، فيؤكد أن القدرة الشرائية للمواطن الجزائري كانت ضعيفة، وبفضل الزيادات في الأجور التي اعتمدتها الحكومة منذ عام 2012 تحسنت أحواله المعيشية، ومعها بات استهلاكه أكبر مما كان عليه، وبطبيعة الحال اضطر الفلاح الجزائري إلى مضاعفة إنتاجه في ظل دعم الحكومة للقطاع الفلاحي، ليصل الإنتاج هذا العام إلى نحو سبعة ملايين طن.
ويقول بوزيان، لـ"العربي الجديد": "إن احتياجات الاستهلاك الداخلي في الجزائر من البطاطا تراوح بين 3.5 إلى 4.5 ملايين طن سنوياً، ويعتمد ذلك على متغيّر إنتاج باقي الخضروات"، مشيراً إلى أن هناك ألفا و500 نوع من البطاطا في العالم، منها ألف نوع في أوروبا، يسمح بدخول 55 نوعاً منها إلى الجزائر.
وبحسب بوزيان، فإن "إنتاج البطاطا في الجزائر يتميّز بخاصية فريدة من نوعها في العالم، وهي توافره طيلة 365 يوماً كاملة، ما من شأنه تمكيننا من غزو الأسواق الأوروبية خلال فترة أربعة أشهر التي يغيب فيها الإنتاج عن تلك الأسواق".
ومن أجل تطوير هذه الزراعة، يدعو بوزيان إلى إقامة مجلس أعلى للفلاحة، بالإضافة إلى زيادة دعم الحكومة ومرافقتها للفلاحين في العملية الإنتاجية والتصدير معاً، وكذا حمايتها لهم من الخسارة، مؤكداً أنه إذا تم هذا الدعم والمرافقة، فإن الفلاحين سيضمنون إنتاج 40 مليون طن.
يرجع المحلل الاقتصادي فرحات آيت علي، ظاهرة العراقيل التي تواجه عمليات تصدير المنتجات الفلاحية، خاصة منها البطاطا، إلى افتقاد الأقطاب المتحكمة في عمليات التصدير والاستيراد، وكذا وزارة الفلاحة التناغم في ما بينهم والتنسيق في هذه العمليات، يضاف إلى هذا، فإن هذه الطفرة الإنتاجية المسجلة في مادة البطاطا خلال هذه السنة هي طفرة ظرفية، ولم تكن نتاج عملية مدروسة مسبقاً.
بيروقراطية وعرقلة
والتصدير، وفق الخبير الاقتصادي فرحات علي، هو عملية اقتصادية تقوم بها البلدان التي تملك تهيئة مسبقة في موانئها، ولها مخطط واضح ومضبوط لدخول الأسواق العالمية، ولكن في الجزائر تطغى البيروقراطية على كل شيء، مؤكداً أنه لا ينتظر شيئاً إيجابياً ما دامت هذه البيروقراطية قائمة ومتجذرة في الاقتصاد الوطني.
أما عضو لجنة المالية والموازنة في البرلمان الجزائري لخضر بن خلاف، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أن الفلاحين رفعوا صراحة التحدي في مجال إنتاج البطاطا حتى وصل سعرها الآن إلى 30 سنتاً للكيلوغرام، بعدما كان في حدود دولار وأكثر قبل عام، إلا أن هذه الوفرة كدست الإنتاج إلى درجة أن الفلاح صار يبحث عن الأسواق الخارجية لتصدير منتجاته.
ويعرب بن خلاف عن أسفه كون الجزائر تنتج ولكن بالمقابل تفتقر إلى الإمكانات التي تسهّل عمليات التصدير، مشيراً إلى أن هناك حديثا عن عراقيل جمة اعترضت طريق الفلاحين ومنعتهم من التصدير. إذ إن أي قضية ترى النور وتكون لصالح الجزائر، تواجه من يعمل على تكسيرها، فنعود إلى نقطة الصفر. فالمشكلة، بحسب النائب بن خلاف، "تتعلق بغياب من يطبّق السياسات التي تمكّن الفلاح وغيره من المنتجين من تسويق الإنتاج، رغم أننا ننادي دائماً بضرورة تنويع الاقتصاد الوطني، خاصة ونحن نمر اليوم بأزمة اقتصادية حقيقية، لأن صندوق ضبط الإيرادات لم يبق فيه شيء. فإلى أواخر شهر شباط/ فبراير، لم يبق فيه سوى سبعة مليارات دولار، إذا أخذنا بالاعتبار أن هناك 7.40 مليارات دولار يجب أن تبقى فيه ولا تمس، إلا إذ تم صرفها خلال أشهر مارس/ أذار، وإبريل/ نيسان، ومايو/ أيار".
ويؤكد بن خلاف أن صندوق ضبط الإيرادات فارغ، وهذا ما يجعلنا نعيش مشكلة اقتصادية حقيقية في الأشهر المقبلة، سواء لضمان قوت الجزائريين، وتنويع الاقتصاد الوطني أو حتى دفع الأجور وغير ذلك، وهنا تقع المسؤولية على جميع القطاعات التي تعرف هذه المشاكل وعلى الحكومة بالدرجة الأولى، التي لا بد أن تعالج هذه العراقيل كي تمكّن المنتجين من تصدير منتوجاتهم.
يتحدث الكثير من المزارعين عن وجود أيادٍ خفيّة تقوم بتدمير أي نهوض لأي قطاع إنتاجي في الجزائر. ويتكرر هذا الحديث على لسان عضو لجنة المالية والموازنة في البرلمان الجزائري لخضر بن خلاف، حيث يقول في حديث مع "العربي الجديد": "إن غياب الاستراتيجية الزراعية أمر واقع، خاصة في عمليات الإنتاج والتصدير، كما أن العراقيل مقصودة من جهات معينة تبقى أمراً وارداً وعنصراً مهمّاً، بهدف إبقاء البلاد في حالة استيراد كل المنتجات الفلاحية رغم حالة التقشف التي نعيشها والتي أعلنتها الحكومة أخيراً". ويضيف بن خلاف: "بالرغم من إعلان دعم الإنتاج، لكن يبقى استيراد مختلف الفواكه قائماً، وكذلك اللحوم وحتى الخبز والمياه المعدنية، إلى غير ذلك، ومن ثم عنصر القصد في العرقلة يمكن أن يكون من قبل البعض الذين اعتادوا استيراد كل هذه المواد بالعملة الصعبة ما يبقيهم في السوق".
ارتفاع قياسي في الإنتاج
بعيداً عن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، وتذرّع الحكومة بافتعال أطراف معينة لهذه الأزمة، من أجل الضغط عليها عشية الانتخابات التشريعية، فإن الفلاحين رفعوا التحدي هذا العام بشكل غير مسبوق، وحققوا إنتاجاً قياسياً في مادة البطاطا فاق السبعة ملايين طن، ما حقق اكتفاءً ذاتياً، ولكنه زاد من تكديس هذه السلعة في المخازن.
ويؤكد رئيس شعبة البطاطا لولاية الوادي، بكر حامد غمام، أن إنتاج البطاطا في ولاية الواد بلغ نحو مليون و300 ألف طن هذا العام، على مساحة إجمالية تقدّر بنحو 37 ألف هكتار، بين البطاطا المتأخرة والموسمية. ويقول لـ"العربي الجديد"، إن مساهمة ولايته في الإنتاج الوطني للبطاطا، هذا العام وصل إلى 25%، مشيراً إلى أن الفلاحين يعولون على بلوغ نسبة 50% من الإنتاج الوطني للبطاطا بنوعيها المتأخرة والموسمية خلال أشهر نوفمبر/ تشرين الثاني، وديسمبر/ كانون الأول من العام الحالي، ويناير/ كانون الثاني، وفبراير/ شباط من العام المقبل، بالنظر إلى أن الإنتاج اليومي هذا العام، بلغ بين سبعة آلاف إلى ثمانية آلاف طن.
غياب التنظيم
وبحسب غمام، يواجه الفلاحون العديد من العراقيل الخاصة بعمليات تصدير إنتاجهم، أبرزها وجود أزمة تنظيم، في ظل غياب الخطط الخاصة بالاستيراد والتصدير. إذ إن الحكومة تفتقد إلى استراتيجية واضحة في هذا الإطار، كما أن ثقافة التصدير خارج قطاع المحروقات تعتبر ثقافة جديدة عليها، في ظل تداعيات الأزمة المالية الناجمة عن تراجع أسعار النفط.
يقول غمام: "إن الفلاحة في الجزائر غير منظمة، رغم الطفرة ووفرة الإنتاج التي شهدتها سلعة البطاطا مقارنة بعامي 2008-2009، إذ كان الإنتاج لا يتعدى مليوني طن سنوياً تقريباً، وكان عدد الولايات المنتجة لا يتجاوز 26 ولاية، وبفضل وعود الوزارة وتشجيعها، وإقامة العديد من البرامج، قفز عدد الولايات المنتجة للبطاطا إلى 32 ولاية".
ويستدرك غمام أن هذه الوفرة في الإنتاج كانت كارثة على الفلاحين الذين اضطروا إلى بيع محاصيلهم بسعر أقل من نصف كلفة إنتاجها، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 10 و15 سنتاً بسبب سوء التنظيم وغياب نظام الضبط. إذ كانت المؤسسة المتوسطية للتبريد في حالات وجود عرض كبير تقوم بامتصاص الفائض وتخزينه لتخرجه في حالة ندرة المنتج. ويقول غمام: "قامت المؤسسة المتوسطية بعكس ما كان يفترض بها القيام به، حيث امتنعت عن تخزين الفائض واستقبال إنتاج الفلاحين، وعملت على إخراج مخزونها إلى السوق، متجاهلة بذلك مهمتها المتمثلة في المحافظة على توازن واستقرار السوق خدمة للمنتج والمستهلك معاً". ويضيف: "أثّر هذا التصرف سلباً على المنتج بشكل غير مسبوق، كما أن دور كل من وزارة التجارة مع المصدّرين، ودور الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية، لا يرقى إلى المستوى المطلوب".
لا تقف العراقيل عند هذا الحد، وبحسب غمام، فهناك نقص شديد تعانيه الولايات الصحراوية بشأن التبريد، حيث لا تغطي مخازن التبريد سوى 5% من الفائض في الإنتاج، مع أنها تنتج سنوياً نحو 13 مليون قنطار، ولا زال الفلاحون ينتظرون اكتمال إنجاز منشأة المخازن العامة بسعة 20 ألف متر مكعب.
ويؤكد غمام أن تمتع الجزائر بوجود أربع فصول، وجودة المنتجات الزراعية الخالية من المواد الكيماوية المحسّنة، يساعدنا للخروج بمنتوجاتنا الفلاحية إلى الأسواق الخارجية، خاصة أن الطلب على هذه المنتجات بات كثيفاً في الآونة الأخيرة، خاصة في بلدان آسيا التي تطلب المنتج الجزائري بشكل لافت. ويشير إلى أن كل من الإمارات العربية المتحدة، وإسبانيا صنّفت بطاطا وادي سوف من أجود أنواع البطاطا في العالم، مرجعاً الأمر إلى جودة هذه المنتجات من حيث المذاق والنوعية والقيمة الغذائية، ما يعد بمستقبل زاهر، خاصة إذا تظافرت جهود جميع المتدخلين في العملية ما من شأنه أن يحوّل اقتصاد الجزائر إلى البترول الأخضر.
استراتيجيات خاطئة
لكن تكبّد الفلاحون خسائر كبيرة، بعدما فتحت الحكومة الباب على مصراعيه أمام المستثمرين لإقامة مستودعات التبريد، حيث يلفت غمام إلى أن غالبية الفلاحين خسروا ما يفوق نصف تكاليف الإنتاج، وهو ما يقدّر بنحو 100 مليون دولار، داعياً إلى تشجيع الفلاحين على إقامة مستودعات التبريد لكل فلاح يملك 20 هكتاراً فأكثر، مشدداً على ضرورة أن تكون هناك استراتيجية حكومية كاملة ومتكاملة للتخلص من أي إشكالات في القطاع، كون البلاد حققت الإنتاج المطلوب لكنها لم تستطع التحكم به.
أما عبد الله مزيان، رئيس شعبة البطاطا في ولاية عين الدفلى، فيؤكد أن القدرة الشرائية للمواطن الجزائري كانت ضعيفة، وبفضل الزيادات في الأجور التي اعتمدتها الحكومة منذ عام 2012 تحسنت أحواله المعيشية، ومعها بات استهلاكه أكبر مما كان عليه، وبطبيعة الحال اضطر الفلاح الجزائري إلى مضاعفة إنتاجه في ظل دعم الحكومة للقطاع الفلاحي، ليصل الإنتاج هذا العام إلى نحو سبعة ملايين طن.
ويقول بوزيان، لـ"العربي الجديد": "إن احتياجات الاستهلاك الداخلي في الجزائر من البطاطا تراوح بين 3.5 إلى 4.5 ملايين طن سنوياً، ويعتمد ذلك على متغيّر إنتاج باقي الخضروات"، مشيراً إلى أن هناك ألفا و500 نوع من البطاطا في العالم، منها ألف نوع في أوروبا، يسمح بدخول 55 نوعاً منها إلى الجزائر.
وبحسب بوزيان، فإن "إنتاج البطاطا في الجزائر يتميّز بخاصية فريدة من نوعها في العالم، وهي توافره طيلة 365 يوماً كاملة، ما من شأنه تمكيننا من غزو الأسواق الأوروبية خلال فترة أربعة أشهر التي يغيب فيها الإنتاج عن تلك الأسواق".
ومن أجل تطوير هذه الزراعة، يدعو بوزيان إلى إقامة مجلس أعلى للفلاحة، بالإضافة إلى زيادة دعم الحكومة ومرافقتها للفلاحين في العملية الإنتاجية والتصدير معاً، وكذا حمايتها لهم من الخسارة، مؤكداً أنه إذا تم هذا الدعم والمرافقة، فإن الفلاحين سيضمنون إنتاج 40 مليون طن.
يرجع المحلل الاقتصادي فرحات آيت علي، ظاهرة العراقيل التي تواجه عمليات تصدير المنتجات الفلاحية، خاصة منها البطاطا، إلى افتقاد الأقطاب المتحكمة في عمليات التصدير والاستيراد، وكذا وزارة الفلاحة التناغم في ما بينهم والتنسيق في هذه العمليات، يضاف إلى هذا، فإن هذه الطفرة الإنتاجية المسجلة في مادة البطاطا خلال هذه السنة هي طفرة ظرفية، ولم تكن نتاج عملية مدروسة مسبقاً.
بيروقراطية وعرقلة
والتصدير، وفق الخبير الاقتصادي فرحات علي، هو عملية اقتصادية تقوم بها البلدان التي تملك تهيئة مسبقة في موانئها، ولها مخطط واضح ومضبوط لدخول الأسواق العالمية، ولكن في الجزائر تطغى البيروقراطية على كل شيء، مؤكداً أنه لا ينتظر شيئاً إيجابياً ما دامت هذه البيروقراطية قائمة ومتجذرة في الاقتصاد الوطني.
أما عضو لجنة المالية والموازنة في البرلمان الجزائري لخضر بن خلاف، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أن الفلاحين رفعوا صراحة التحدي في مجال إنتاج البطاطا حتى وصل سعرها الآن إلى 30 سنتاً للكيلوغرام، بعدما كان في حدود دولار وأكثر قبل عام، إلا أن هذه الوفرة كدست الإنتاج إلى درجة أن الفلاح صار يبحث عن الأسواق الخارجية لتصدير منتجاته.
ويعرب بن خلاف عن أسفه كون الجزائر تنتج ولكن بالمقابل تفتقر إلى الإمكانات التي تسهّل عمليات التصدير، مشيراً إلى أن هناك حديثا عن عراقيل جمة اعترضت طريق الفلاحين ومنعتهم من التصدير. إذ إن أي قضية ترى النور وتكون لصالح الجزائر، تواجه من يعمل على تكسيرها، فنعود إلى نقطة الصفر. فالمشكلة، بحسب النائب بن خلاف، "تتعلق بغياب من يطبّق السياسات التي تمكّن الفلاح وغيره من المنتجين من تسويق الإنتاج، رغم أننا ننادي دائماً بضرورة تنويع الاقتصاد الوطني، خاصة ونحن نمر اليوم بأزمة اقتصادية حقيقية، لأن صندوق ضبط الإيرادات لم يبق فيه شيء. فإلى أواخر شهر شباط/ فبراير، لم يبق فيه سوى سبعة مليارات دولار، إذا أخذنا بالاعتبار أن هناك 7.40 مليارات دولار يجب أن تبقى فيه ولا تمس، إلا إذ تم صرفها خلال أشهر مارس/ أذار، وإبريل/ نيسان، ومايو/ أيار".
ويؤكد بن خلاف أن صندوق ضبط الإيرادات فارغ، وهذا ما يجعلنا نعيش مشكلة اقتصادية حقيقية في الأشهر المقبلة، سواء لضمان قوت الجزائريين، وتنويع الاقتصاد الوطني أو حتى دفع الأجور وغير ذلك، وهنا تقع المسؤولية على جميع القطاعات التي تعرف هذه المشاكل وعلى الحكومة بالدرجة الأولى، التي لا بد أن تعالج هذه العراقيل كي تمكّن المنتجين من تصدير منتوجاتهم.
يتحدث الكثير من المزارعين عن وجود أيادٍ خفيّة تقوم بتدمير أي نهوض لأي قطاع إنتاجي في الجزائر. ويتكرر هذا الحديث على لسان عضو لجنة المالية والموازنة في البرلمان الجزائري لخضر بن خلاف، حيث يقول في حديث مع "العربي الجديد": "إن غياب الاستراتيجية الزراعية أمر واقع، خاصة في عمليات الإنتاج والتصدير، كما أن العراقيل مقصودة من جهات معينة تبقى أمراً وارداً وعنصراً مهمّاً، بهدف إبقاء البلاد في حالة استيراد كل المنتجات الفلاحية رغم حالة التقشف التي نعيشها والتي أعلنتها الحكومة أخيراً". ويضيف بن خلاف: "بالرغم من إعلان دعم الإنتاج، لكن يبقى استيراد مختلف الفواكه قائماً، وكذلك اللحوم وحتى الخبز والمياه المعدنية، إلى غير ذلك، ومن ثم عنصر القصد في العرقلة يمكن أن يكون من قبل البعض الذين اعتادوا استيراد كل هذه المواد بالعملة الصعبة ما يبقيهم في السوق".