أثارت الحرائق التي تشتعل في إسرائيل قلق عدد من صناع القرار ومراكز التقدير الاستراتيجي وكبار المعلقين في تل أبيب، ولفتت أنظارهم إلى مكامن خلل خطيرة في الاستراتيجية المعتمدة لمواجهات التحديات والتهديدات الأمنية، التي يتعرض لها الأمن "القومي" الصهيوني. ودفعت الحرائق العديد من الوزراء وقادة الأمن والأوساط الإسرائيلية إلى طرح تساؤلات مختلفة، ومفادها: ماذا لو اشتعلت الحرائق وبهذا الحجم أثناء اندلاع حرب أو مواجهة مع طرف عربي أو أكثر؟ وكيف سيكون بالإمكان مواجهتها؟ وكيف ستؤثر على قدرة "الدولة" على إدارة الجهد الحربي وفي الوقت ذاته الاهتمام بمتطلبات العمق المدني الذي يتعرض لتهديد الحرائق؟
وكان وزير المالية، موشيه كحلون، أول من دق ناقوس الخطر عندما تساءل في مقابلة مع قناة التلفزة الثانية، مساء السبت، قائلاً: "لو افترضنا أن حرباً ما نشبت وأفضى سقوط الصواريخ إلى إشعال النيران في أكثر من مكان، كما يحدث حالياً، كيف سنتصرف؟ بكل تأكيد لن يكون بوسعنا أن نطلب المساعدة من الدول الأجنبية، فليس من المعقول أن نتوقع أن تتطوع دولة ما لإرسال الإطفائيات لديها وهي تدرك مستوى المخاطر الناجمة عن الحرب"، بحسب تعبيره.
وبحسب معلق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة الثانية، روني دانئيل، فإن اهتمام الدولة بتأمين الذين سيتم إخلاؤهم من منازلهم سيؤثر بشكل كبير على قدرتها على إدارة الجهد الحربي في مواجهة "الأعداء"، بحسب تعبيره. لكن مما لا شك فيه أن التحدي الذي يثير قدراً كبيراً من القلق، يتمثل في التداعيات الناجمة عن سقوط صواريخ على مرافق حساسة، مثل مجمعات الصناعات الكيميائية في ميناء حيفا ومحيط ميناء أسدود. ومن الواضح أن الآثار البيئية لتطور كهذا ستؤثر بشكل كبير وخطير على العمق المدني خلال الحرب. وأجمعت مراكز التقدير الاستراتيجي على أن هذا السيناريو مقترن بشكل خاص بنشوب مواجهة مع حزب الله. ومصدر هذا القلق هو أن ترسانة الحزب تضم صواريخ تجمع بين ضخامة الرأس التفجيري ودقة الإصابة والمدى الطويل، بالإضافة إلى حقيقة أن مثل هذه الصواريخ يصعب جداً اعتراضها من قبل المنظومة الدفاعية المضادة للصواريخ، المعروفة باسم "القبة الحديدية".
وترى بعض الأوساط الإسرائيلية أن احتمال لجوء المقاومة الفلسطينية في المستقبل إلى عمليات إشعال النيران في الأحراش، يشكل تحدياً هائلاً للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. ونقلت الإذاعة العبرية، يوم السبت، عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إن اكتشاف الفلسطينيين نتائج عمليات الحرق يزيد من الدافعية لديهم لتنفيذها. ولفت، في هذا السياق، إلى أن التحدي الكامن في هذا النوع من العمليات يتمثل في حقيقة أنها، على غرار عمليات الطعن والدهس الفردية، يصعب الحصول على معلومات استخباراتية مسبقة عنها وإحباطها.
كذلك، رأى المصدر الأمني أن العامل الذي قد يشجع الفلسطينيين على تنفيذ عمليات الحرق، يتمثل في أن الشخص الذي يقوم بعملية كهذه لا يواجه نفس مستوى الخطر الذي يواجهه من ينفذ عمليات الطعن والدهس، إذ من الممكن لأي فلسطيني أن ينفذ عمليات الحرق دون أن يُكْتشف أمره، أو أن يتعرض للأذى، بخلاف عمليات الطعن والدهس، التي غالباً ما تنتهي إما بإعدام ميداني للفاعل، أو باعتقاله.