لا تخاطر إسرائيل بالسماح بأية خطوة يمكن أن تُسهم في مساعدة الفلسطينيين، في مسعاهم الهادف إلى تحقيق أكبر قدر من الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهو ما دفعها إلى الإقدام على إجراء غير دبلوماسي، تمثّل في رفض طلبات المسؤولين الأجانب بزيارة السلطة الفلسطينية. فقد أقدمت إسرائيل أواخر الأسبوع الماضي على منع وزيرة الخارجية الكولومبية، ماريا أنجيلا هولغوين، من القيام بزيارة رسمية إلى رام الله.
ونقل موقع صحيفة "هآرتس"، أول من أمس، عن مصدر في الخارجية الإسرائيلية قوله إن هذه الخطوة جاءت بسبب عدم تضمن جدول أعمال الوزيرة الكولومبية زيارة مماثلة إلى إسرائيل ولقاءً مع نظيرها الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان. واتهم المصدر كلاً من السلطة الفلسطينية والأردن بممارسة ضغوط على هولغوين، لطلب القيام بزيارة إلى رام الله.
ونوّه المصدر إلى أن ليبرمان طلب من طاقم وزارته إبلاغ السفير الكولومبي في تل أبيب، أنه في حال لم تقم الوزيرة بزيارة تل أبيب فإنه لن يتم السماح لها بالوصول إلى رام الله. وهو ما رفضه السفير الكولومبي بحجة أن جدول أعمال الوزيرة لا يسمح بزيارة تل أبيب وعقد لقاء مع ليبرمان.
ونظراً لتعذر عقد اللقاء في رام الله، فقد التقت هولغوين نظيرها الفلسطيني، رياض المالكي، في عمان، قبل أن تتوجه إلى زيارة عدد من دول الخليج.
وأشارت "هآرتس" إلى أن إسرائيل تخشى أن تتحول خطوة هولغوين إلى "سابقة" تدفع المزيد من المسؤولين الأجانب إلى زيارة رام ال،له من دون القيام بزيارة مماثلة إلى إسرائيل. وحسب الصحيفة، فإن ليبرمان شدد على أنه يتوجب اتخاذ خطوات أكثر شدة في كل ما يتعلق بزيارات المسؤولين الأجانب إلى مناطق السلطة، في ظل ما تشهده القدس من مواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال.
وفي السياق نفسه، ذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية الأولى أن دولة الاحتلال تخشى أن تسهم زيارات المسؤولين الأجانب إلى السلطة الفلسطينية، والتي لا تشمل إسرائيل أيضاً، في تعزيز الاعتراف الدولي بدولة فلسطين.
ونقلت القناة عن أوساط إسرائيلية رسمية قولها إنه في حال قام المسؤولون الأجانب بزيارات مناطق السلطة، ولم يقوموا بزيارة مماثلة إلى إسرائيل، فإنه يمكن النظر إلى هذه الزيارات على أساس أنها "احتجاج" على السياسات الإسرائيلية في التعاطي مع الفلسطينيين.
وحسب هذه الأوساط، فإن المواجهات، التي تشهدها مناطق الضفة الغربية والقدس المحتلة، والتنديد الدولي بقرارات الحكومة بالبناء في مستوطنات الضفة الغربية، يمكن أن تمنح زيارات المسؤولين الأجانب إلى مناطق السلطة بعداً سياسياً "ضاراً". وأشارت هذه الأوساط إلى أن هناك مخاوف من أن تفضي هذه الزيارات إلى المسّ بمكانة إسرائيل الدولية، ولا سيما في ظل تعاظم حملة المقاطعة الدولية. وحذّرت من أن المؤشرات على اتجاه مزيد من الدول الأوروبية إلى الاعتراف بدولة فلسطين، يضفي خطورة أكبر على زيارات ممثلي الدول الأجنبية الرسمية إلى السلطة الفلسطينية، مشيرة إلى أن أنه يمكن أن يستحيل هذا السلوك إلى أن تتعاطى دول العالم مع السلطة الفلسطينية على اعتبار أنها الدولة الفلسطينية.
لكن يرى مراقبون في تل أبيب أن منع المسؤولين الأجانب من زيارة رام الله قد يفضي إلى توتر العلاقات مع الدول، التي يمثلها هؤلاء المسؤولون، ولا سيما عندما يدور الحديث عن دول تعتبر حليفة لإسرائيل. وأشار المعلق السياسي، باراك رفيد، إلى أن كولومبيا تعدّ مثالاً للدولة "الحليفة" لإسرائيل في أميركا اللاتينية، إذ ترتبط بها بعلاقات اقتصادية وعسكرية وأمنية قوية جداً. ونوه رفيد إلى أنه باستثناء كولومبيا وبنما، فإن جميع دول أميركا اللاتينية قد اعترفت بدولة فلسطين. وأشار إلى أن أكثر ما يعكس متانة العلاقات بين إسرائيل وكولومبيا تصريح الرئيس الكولومبي، مناؤيل سانتوز، خلال زيارته إلى إسرائيل العام الماضي، الذي قال فيه إن "كولومبيا تفخر بأن تكون إسرائيل أميركا اللاتينية".
وقد سبق لإسرائيل توظيف سيطرتها على الحدود والمعابر بين السلطة الفلسطينية وكلٍّ من مصر والأردن في منع مسؤولين أجانب من زيارة مناطق السلطة.
ومن الواضح أن إسرائيل تريد إرسال رسالة للعالم، مفادها أنها صاحبة القرار في كل ما يتعلق بالسيادة والولاية في مناطق السلطة الفلسطينية.
كما سبق لإسرائيل أن رفضت السماح لأربعة وزراء عرب بزيارة مناطق السلطة الفلسطينية في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي للمشاركة في احتفالات عيد الميلاد.
وذكرت السلطة الفلسطينية، في حينه، أن إسرائيل رفضت منح وزراء من قطر ومصر وتونس والبحرين تصاريح بزيارة رام الله. وفي عام 2001، رفضت إسرائيل السماح لرئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة، بناظير بوتو، بزيارة مناطق السلطة ولقاء الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، في مقر إقامته في غزة.