باهتٌ رمضان هذا العام في قطاع غزة ورام الله. المظاهرُ الاحتفالية بقدوم هذا الشهر تكاد تكون شبه غائبة. الأسبابُ كثيرة. تبدأ بالحصار والتضييق والاعتداءات الإسرائيلية، ولا تنتهي بالأوضاع الاقتصادية الصعبة.
في غزة، غابت "الفوانيس" الكبيرة ومصابيح الإضاءة التي كانت تتدلى من حبالٍ ملونة تشبك البيوت بعضها ببعض في كل عام، في ظل التهديدات الإسرائيلية بشن عدوان وشيك عليه. مشاعر الخوف قضت على لهفة انتظاره. حتى أن المواطنين لم يشتروا المستلزمات الرمضانية من مواد غذائية باكراً كما جرت العادة. كأنهم ينتظرون خبراً سيئاً يسبق قدوم هذا الشهر.
وفي السياق، قال بائع المواد الغذائية في حي الصبرة أبو محمد صبيح، إن "موسم البيع تأخر كثيراً هذا العام"، لافتاً إلى أن "الحصار الإسرائيلي أدى إلى نقص بعض المواد الأساسية". مع ذلك، نجحوا في تأمين "التمر، والبهارات، وقمر الدين، والقطائف، والعصائر، والأجبان، والمخللات، وغيرها".
وأضاف صبيح أن "الأوضاع التي يمر بها القطاع، من تشديد الخناق عليه من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وعدم حصول الموظفين الحكوميين على رواتبهم، إضافة إلى التهديدات بعدوان واسع على القطاع، كلها عوامل غيّبت فرحة رمضان عن أهالي القطاع".
من جهتها، لفتت الغزيّة سميرة البواب إلى أن "الاحتفال بقدوم رمضان يتراجع بشكل كبير من سنة إلى أخرى. حتى الناس لا تبدو سعيدة". مع ذلك، اشترت سميرة لأطفالها "فوانيس" رمضان علّها تدخل الفرحة إلى قلوبهم. أما الحاج أبو محمد رباح ، الذي اعتاد تزيين منزله، فقال إن "الأوضاع الاقتصادية حالت دون ذلك هذا العام". يضيف: "أعمل في مجال البناء، لكن انقطاع مواد البناء منذ إغلاق الأنفاق مع مصر، اضطرني إلى التوقف عن العمل". أكثر ما يضايق رباح حرمان أطفاله من الفرحة بقدوم رمضان، هم الذين اعتادوا مشاركته في تزيين المنزل وخارجه. حتى أن مبرراته تبدو غير مقنعة بالنسبة لهم.
الضفة تنتظر الأسوأ
الاستعدادات في الضفة الغربية خجولة أيضاً. يشغل بال المواطنين وضع الأسرى الإداريين المضربين عن الطعام، عدا عن تصاعد العمليات العسكرية خلال الأسبوع الماضي. يترقبون ما ستؤول إليه الأمور خلال الأيام المقبلة.
وأعرب معظم التجار عن تخوفهم من الأوضاع الأمنية التي أجبرت المواطنين على التزام منازلهم. وقال أحد تجار الخضار والفاكهة إن "ما يجري الآن أثّر على حركة الناس في السوق. الجميع ينتظر ما سيحدث، وخصوصاً أنه يمكن شراء السلع قبل يوم من قدوم الشهر. الأكيد أن لا أحد يريد المغامرة".
من جهته، قال الموظف في محلات "البكري" التجارية الشعبية محمد طميزة إنهم "أحضروا قبل حوالي شهر جميع لوازم رمضان"، مضيفاً "كنا نأمل خيراً وخصوصاً أن الناس غالباً ما يستعدون بشكل جيد. لكن الحداد على الشهداء أثر بشكل كبير على إقبال الناس".
وتوقع بعض التجار أن يكتفي الناس "بشراء السلع الأساسية لإعداد الحساء والخضار"، لافتين إلى أنه "يمكنهم الاستغناء عن الحلويات وغيرها من الأصناف الأخرى الغالية الثمن".
في المقابل، قالت أم علي لـ"العربي الجديد" إن "لرمضان طقوسه الجميلة التي سيعيشها الفلسطينيون رغم الظروف الصعبة التي يمرون بها، وخصوصاً تهديدات الاحتلال". فيما أعرب أبو يوسف عن خشيته من أن "يحرم الاحتلال الفلسطينيين من التصاريح للصلاة في المسجد الأقصى".
وفي السياق نفسه، قال الخبير الاقتصادي جعفر صدقة إن "رمضان هذا العام سيكون قاسياً"، لافتاً إلى أن "الاحتلال لا ينوي تحويل عائدات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، مما سيؤدي إلى تأخير دفع رواتب الموظفين في الوقت الذي تكون فيه العائلات بأمس الحاجة إليها".
وقد بدأ عدد من الجمعيات الخيرية وبعض المجموعات الشبابية بحملات رمضانية تهدف إلى إعالة المحتاجين. وقال رئيس جمعية "التضامن الخيرية" علاء مقبول إنه "تم إطلاق حملة الخير لتوزيع مساعدات عينية ومالية لأكثر من 4000 يتيم ترعاهم الجمعية في المدينة، إضافة إلى أكثر من 1300 أرملة، وغيرهم". كذلك، تحضّر لمعرض ملابس جديدة يهدف إلى تأمين "كسوة العيد" للأطفال الأيتام.