يثير اتفاق التهدئة ووقف إطلاق النار الذي أعلن عنه وزيرا الخارجية الأميركي، جون كيري، والروسي سيرغي لافروف، ردود فعل متباينة في إسرائيل. البعض رأى أن الاتفاق قد يصمد وينفذ على أرض الواقع. هذا ما ذهب إليه السفير الإسرائيلي السابق في موسكو، دافيد مغين، معتبراً أن رئيس النظام بشار الأسد سيلتزم بتعليمات الروس في هذا المضمار. وأكد أن الاتفاق تم وفقاً لما يريده الروس والأميركيون، من دون أي تأثير لإيران على مضمونه، لأنه يخدم بالأساس مصالح الرئيس فلاديمير بوتين. في المقابل، شكك آخرون باحتمالات صمود الاتفاق لفترة طويلة، واعتبروا أن مصيره لن يكون مغايراً لمصير اتفاق وقف إطلاق النار السابق في فبراير/ شباط الماضي.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شطاينتس، في حديث إذاعي، أن الاتفاق يحمل أبعاداً وتداعيات سلبية على إسرائيل، لا سيما في حال تمخض عنه تكريس بقاء المليشيات والقوات الإيرانية في سورية إلى جانب حزب الله.
ويقر هرئيل بأن السنوات الخمس الماضية من الثورة السورية والحرب ضدها، أنتجت فوائد بالنسبة لإسرائيل، لا سيما استمرار تآكل الجيش السوري وقوته. في المقابل، أثار استقرار وضع النظام مجدداً، في العام الأخير، بفعل المساعدة الروسية له، قلقاً لدى إسرائيل، لأنه كرس صورة تعكس قوة المحور الذي يتكون من إيران والنظام السوري وحزب الله. وبحسب هرئيل: "الآن يبدو أن تكريس الاتفاق الأميركي الروسي وتطبيقه على الأرض سيعني، في حال صمد، بقاء نظام الأسد للفترة القريبة المقبلة على الأقل. وإذا صمد النظام وأتيحت الفرصة لحزب الله لاستعادة قوته العسكرية، والعودة لتوجيه جزء من جهوده استعداداً للمواجهة مع الجيش الإسرائيلي (في جنوب لبنان)، فإن ذلك سيعني أخباراً غير سارة" لدولة الاحتلال.
وكانت تقديرات أوساط أمنية في تل أبيب أشارت، أخيراً، إلى أن من شأن حزب الله أن يتجه لشن هجمات ضد أهداف إسرائيلية لاستعادة شرعيته داخل لبنان. ولفت هرئيل إلى أنه وفقاً لما نشر لغاية الآن، لا تقدم التفاهمات الأميركية الروسية أجوبة ولا حلولاً للقضايا ذات الصلة بإسرائيل، مثل الوضع الميداني في الشق السوري من الجولان، حول ماذا سيكون مصير الدروز السوريين في جنوب سورية، وكيف سيؤثر الاتفاق في سعي الأكراد لضمان تواصل جغرافي كردي خاص بهم.
كما تثير تفاهمات كيري - لافروف تساؤلات حول القرار بأن يشن الطرفان الروسي والأميركي هجمات جوية مشتركة على التنظيمات والفصائل المتطرفة، مقابل وقف النظام لإلقاء البراميل المتفجرة على المدنيين. وأشار هرئيل، في هذا الصدد، إلى التفاهمات الروسية الإسرائيلية بشأن تنسيق الطلعات الجوية والضربات بين الطرفين لتفادي اشتباكات ومعارك بين سلاحي الجو الروسي والإسرائيلي. وتساءل: كيف سيتم إقرار آلية للتعاون المشترك بين الطرفين، لا سيما أن الحديث يدور عن تقاسم العمل في مختلف مناطق سورية؟
واعتبر محلل الشؤون العسكرية في موقع "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، أن "المسار الذي اتفق عليه الطرفان" ليس اتفاقاً لوقف إطلاق النار وهو لا يطمح أصلاً لأن يكون كذلك، بل إنه اتفاق يهدف، وفق قول كيري، إلى "تخفيف العنف وتقليص حجم الألم". واستنتج بن يشاي بالتالي أن القتال سيتواصل وسيستمر، وأنه في حال تحققت نوايا كيري ولافروف، ستقود تفاهماتهما إلى تقليل حدة المعارك والقتال، وتقليص حجم القتل الذي يواجهه السوريون، مع حصولهم في المقابل على مساعدات إنسانية من مؤن وغذاء وأدوية وعلاج طبي. وشكك بن يشاي في فرص نجاح الاتفاق بفعل انعدام الثقة الأساسية بين الأطراف التي يفترض فيها أن تقوم بتطبيقه.
ورأى ميلمان أنه في حال تم تنفيذ الاتفاق الأميركي الروسي، وإبعاد التنظيمات "الجهادية" عن الحدود مع الجولان، سيزيد بالتالي جيش الأسد من تأثيره وسيطرته في المنطقة جنباً إلى جنب مع فصائل معارضة "مريحة لإسرائيل"، وعندها سترتفع فرص المحافظة على الهدوء على الحدود مع سورية، على حد تعبيره.
لكن أهم ما يخدم إسرائيل عملياً، بفعل نتائج الاتفاق، خصوصاً في حال تم فعلاً تنفيذ بنوده، هو إطالة عمر نظام الأسد، لأنه يعني عملياً إطالة أمد الحرب في سورية وإضعاف وإنهاك فصائل الثورة السورية. وهذا الأمر يضمن لإسرائيل، أكثر من أي شيء آخر، استمرار تغييب سورية كدولة متماسكة، وإبعاد وتأجيل كل مشروع ممكن لبدء عملية إعادة إعمار الدولة السورية، والإمعان في خلخلة وتفتيت الشعب السوري، بما يؤجل لسنوات طويلة "خطر بناء سورية من جديد".