وقرّرت اللجنة البرلمانية في "الكنيست"، الخاصة بتنظيم تجنيد المتدينين الحريديم في جيش الاحتلال، تقصير مدة الخدمة العسكرية الإلزامية أربعة شهور فقط، مع تمديد مدة تجنيد طلاب المعاهد الدينية العسكرية (التابع لتيار الصهيونية الدينية ـ حزب البيت اليهودي)، ما اعتبره المراقبون سبباً لصدام مرتقب مع قادة الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية في إسرائيل، على اعتبار أن ذلك سيكون "خرقاً للتفاهمات المسبقة بين الجيش واللجنة بهذا الخصوص". "خرق" حمل وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون إلى القول إنه سيطلب إعادة التصويت في اللجنة.
وكان من المفترض أن تقر اللجنة، الأسبوع الماضي، مع بدء التصويت على توصياتها لمسوّدة قانون "تقاسم العبء في الخدمة العسكرية"، جملة من الخطوات وفقاً لتفاهمات مع الجيش ووزارة الدفاع. أبرز تلك التفاهمات تتمحور حول تقصير مدة الخدمة العسكرية الإلزامية للذكور إلى 32 شهراً، مع تمديد فترة الخدمة العسكرية للإناث أربعة أشهر، وتمديد فترة خدمة طلاب المعاهد الدينية العسكرية من 16 شهراً إلى 24 شهراً على الأقل.
لكن مداولات اللجنة شهدت تحوّلاً كبيراً في اتجاه التصويت، بعدما تبيّن لرئيسة اللجنة أياليت شاكيد (حزب البيت اليهودي بقيادة نفتالي بينيت) أن المشاركين في الجلسة من شأنهم أن يصوّتوا ضد طلاب المعاهد الدينية العسكرية، وضد تمديد فترة خدمتهم العسكرية أكثر من 7 أشهر، وتحديد مقاييس وجداول زمنية لبدء فرض الخدمة العسكرية الإلزامية على الحريديم.
وأدى هذا الخوف إلى تحالف هو الأول من نوعه بين تيار الصهيونية الدينية، الذي يقوده نفتالي بينيت عبر حزب البيت اليهودي، وبين قادة الأحزاب الحريدية التي ترفض الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي. وسبق لتلك الأحزاب الحريدية أن أعلنت مراراً عن استعداد أبنائها دخول السجن بدل تأدية الخدمة العسكرية، بحجة أن طلبة المعاهد الدينية اليهودية يحمون شعب إسرائيل من خلال دراستهم للتوراة.
وأسفر التصويت عن تمديد فترة خدمة طلاب المعاهد الدينية الصهيونية العسكرية إلى شهر إضافي فقط، لتصبح الخدمة 17 شهراً، في مقابل تقصير مدة الخدمة الإلزامية العامة أربعة أشهر، وعدم تمديد فترة الخدمة العسكرية للإناث وإبقائها لمدة عشرين شهراً.
وأثار هذا القرار رفضاً قاطعاً في صفوف قيادة الجيش، على اعتبار أن تمرير قانون بهذه الصيغة يُفقِد الجيش الإسرائيلي عشرات آلاف الجنود.
وكان جيش الاحتلال قد اعتبر، في التفاهمات السابقة، أن تقصير مدة الخدمة العسكرية الإلزامية ممكن فقط في حال تم في إطار رزمة شاملة تضم زيادة فترة الخدمة العسكرية لطلاب المعاهد الدينية الصهيونية، وتجنيد الحريديم وزيادة فترة الخدمة العسكرية للإناث في الجيش الإسرائيلي أربعة أشهر.
ووفقاً للمعطيات التي عرضها الجيش على اللجنة، فإن تقليص مدة الخدمة العسكرية الإلزامية للذكور يعني نقصاً بـ3700 جندي ميداني ممّن يخدمون في الوحدات القتالية، وبنحو 400 ضابط في صفوف الجيش النظامي، و250 جندي في سلاح الاستخبارات و1400 في سلك الإرشاد والتدريب، و1500 في مجالات الإدارة و1500 في الوحدات التقنية والتكنولوجية ونقصاً في 550 سائق للشاحنات الكبيرة.
وطالب جيش الاحتلال بتمديد فترة خدمة الإناث في الجيش للتعويض عن تقليص فترة خدمة الرجال لأن ذلك يوفر للجيش 4700 جندية إضافية.
في المقابل، وصف الجيش قرارات اللجنة بأنها "خرق فظّ للتفاهمات" معه، وانقلاب على توصيات اللجنة السابقة التي تولّى رئاستها وزير العلوم يعقوف بيري، الذي شغل في الماضي منصب رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك". ووصف مقربون من وزير الدفاع ما حدث في لجنة شاكيد بأنه "سوق وبازار"، ووصف ما حدث في اللجنة بـ"الأمر غير المقبول".
الحريديم يحدّدون عمل اللجنة
لكن المفاجأة تمثّلت في الدور الذي أدّاه ممثلو الحريديم في اللجنة؛ فمع أن اللجنة أقيمت أصلاً للبحث في سبل فرض التجنيد على الحريديم، إلا أن ممثليهم تمكنوا في المرحلة الأولى من إرجاء مسألة البت في مصير الحريديم، والتركيز على مسألة طلاب المعاهد الدينية الصهيوينة ومسألة الخدمة العسكرية للإناث. وقد أبرم تحالف غير مسبوق مع حزب "البيت اليهودي"، وحصل التصويت معه لصالح عدم تمديد الخدمة للمعاهد الدينية الصهيونية، في مقابل تنازلات في مسألة تجنيد الحريديم، وهو ما أثار أيضاً غضب الأحزاب العلمانية، وفي مقدمتها تكتل "يسرائيل بيتينو" المنضوي في صفوف "الليكود"، بقيادة أفيغدور ليبرمان، وحزب "يش عتيد" بقيادة يئير لبيد، خوفاً من أن يُفشل هذا التحالف موضوع تجنيد الحريديم، ويُفقد بالتالي الحزبين أحد أهم المشروعات التي طرحاها على الناخب الإسرائيلي.
وأثار التحالف بين "البيت اليهودي" (تيار الصهيونية الدينية) وبين الحريديم، تساؤلات حول سريان شعار "جيش الشعب" على جيش الاحتلال الإسرائيلي، في حال استمر إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية على نطاق واسع، وإعفاء قسم من الإناث، ممّن يكتفين بتصريح عن تديّنهن، من الخدمة العسكرية.
ولقد دفع هذا الأمر صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى تخصيص صفحة تحت عنوان: "جيش الشعب يتفكّك". وقال مراسلها، يوسي يهوشواع، إن اللجنة التي أنيطت بها مهمة تنظيم عملية تقاسم العبء في الخدمة العسكرية، تناست المبادئ المهمة لبقاء "جيش الشعب"، وأفسحت المجال بدلاً من ذلك للاعتبارات الحزبية الضيقة، بدلاً من محاولة زيادة المساواة داخل المجتمع الإسرائيلي.