إسرائيل والقدرة الإيرانية على الإيذاء

06 أكتوبر 2019
+ الخط -
واضح بعد مرور ثلاثة أسابيع على الهجمات المنسوبة إلى إيران على منشآت لشركة أرامكو للنفط في السعودية، والتي تسببت في أضرار مادية جسيمة، وانخفاض إنتاج النفط السعودي بنسبة 50%، واضح أن إيران استطاعت أن تسجّل نقطة لصالحها في مواجهة سياسة "ضغوط الحد الأقصى" التي تمارسها الولايات المتحدة ضدها. وعلى الرغم من يقين جميع الأطراف أن إيران، أو أحد وكلائها في المنطقة، وراء الهجمات، ليس هناك استعداد لدى أيٍّ من الأطراف المعنية بالرد عسكرياً على إيران. 
لذا يمكن القول إن الهجوم لم يشكل فحسب بداية مرحلة جديدة في المواجهة الدائرة بين محور السعودية وحلفاء الولايات المتحدة من جهة ومحور إيران وحلفائها في المنطقة من جهة أخرى، بل شكل منعطفاً حقيقياً في نظرة سائر دول المنطقة، وفي طليعتها إسرائيل، إلى إيران، وبصورة خاصة إلى قدرتها على الإيذاء. وقد أثبتت الخسائر التي تكبدتها صناعة النفط السعودية أن قدرة إيران على الإيذاء ليست مجرد تهديدات كلامية، بل تستند إلى قدرة حقيقية على شن هجمات مدمرة، تعتمد على التكنولوجيا الدقيقة المتطورة من أجل إيقاع أكبر حجم ممكن من الخسائر لدى الخصم. وهذا الإنجاز اعتبر رسالة موجهة ليست فقط إلى السعودية ودول الخليج، بل أيضاَ إلى إسرائيل، بحسب أكثر من معلق سياسي إسرائيلي.
وعلى الرغم من المأزق السياسي في إسرائيل بعد الانتخابات أخيرا، فقد أثارت التطورات 
وتصاعد التوتر في الخليج قلقاً واضحاً في إسرائيل التي سارع المعلقون والمحللون فيها إلى استخلاص الدروس من الهجوم على منشآت النفط، وانعكاسات ذلك على أمن إسرائيل، وعلى المواجهة التي تخوضها ضد التمركز العسكري الإيراني في سورية التي امتدت إلى أراضي العراق.
الدرس الأول عسكري تقني، فالهجوم المحكم على "أرامكو" أظهر امتلاك إيران قدرات تكنولوجية متطورة، وأسلحة شديدة الدقة في إصابة الهدف، وقدرات لوجستية وتكتيكية تمكّنها من القيام بهجمات معقدة وبنجاعة عالية. وهذا يتعارض تماماً مع التقديرات الإسرائيلية بشأن القدرات العسكرية الإيرانية التي اختبرتها في هجماتها على القواعد الإيرانية العسكرية في سورية، أو من خلال العمليات التي قامت بها ضد خلايا إيرانية أو تابعة لإيران، كانت تخطط لشن هجمات بمسيرات مفخّخة على إسرائيل، انطلاقاً من الأراضي السورية.
الدرس الثاني يتعلق بالصواريخ الإيرانية الدقيقة التي تعلم إسرائيل أن لدى حزب الله كميات منها، كما تستطيع إيران إطلاق هذه الصواريخ ضد إسرائيل من أراضي سورية والعراق، على حد سواء، بالإضافة إلى الجبهة اللبنانية. وسيكون لذلك كله دوره الكبير في أي حربٍ مقبلة على الجبهة الشمالية. ويطرح هذا التطور مسألة أساسية تتعلق بالمنظومات الدفاعية ضد الصواريخ في إسرائيل. والمعروف أن الصناعة العسكرية الإسرائيلية طوّرت أنواعاً مختلفة من المنظومات الدفاعية المضادة للصواريخ القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى، مثل القبة الحديدية والعصا السحرية وصاروخ حيتس. لكنها يبدو أنها بحاجة الآن إلى منظومة دفاعية لمواجهة هجومٍ بمسيّرات التي بدأت تشكل تحدّياً حقيقياً جدياً.
الدرس الثالث له علاقة بالموقف الأميركي من التطورات، وإعلان الولايات المتحدة، على لسان 
رئيسها، عدم استعدادها شن هجوم على إيران محل السعوديين، وأنها يمكن أن تساعدهم فقط. وقد أضعف هذا الموقف، في رأي المحللين الإسرائيليين، حلفاء أميركا في المنطقة، وزاد في ثقة الإيرانيين بأنفسهم، وشجّعهم على المضي، حتى النهاية، في سياسة حافة الهاوية، لإدراكهم أن الرئيس الأميركي لا يريد المخاطرة بحربٍ جديدة في المنطقة، خصوصاً وهو على أبواب سنة انتخابية.
بالطبع، الحلف الذي يجمع بين الولايات المتحدة وإسرائيل تاريخي ومتين، ولكن ما جرى مع حليفة أميركا التاريخية، السعودية، أيقظ شكوكاً ومخاوف إسرائيلية من حدوث شيء مشابه لهم، سيما بعد ان اتضح أن إدارة ترامب تحبذ الحوار والمفاوضات مع إيران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، وأن الرئيس الإيراني، على الرغم من كل التهم الموجهة إلى بلاده، استُقبل بحفاوة بالغة في الأمم المتحدة.
أيقظ ما جرى في السعودية المخاوف حيال مدى انكشاف إسرائيل على هجماتٍ إيرانية من النوع الذي حدث هناك. صحيح أن إسرائيل ليست دولة نفطية، إلا أن اقتصادها يعتمد كثيراً على التصدير لمنتجاتها من خلال منشآت مهمة، مثل الموانئ والمطارات، وتعرّض هذه المنشآت لمثل هذه الهجمات يمكن أن يشل الحياة الاقتصادية في إسرائيل.
يبدو أن المواجهة الدائرة بين إسرائيل وإيران منذ سنوات، على أكثر من جبهة، وصلت الآن إلى مرحلة حرجة، فإنجاز إسرائيل مع خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات على إيران، يبدو اليوم أمام اختبار حقيقي في ظل الرغبة الأميركية الكبيرة في التحاور مع إيران مجدّداً على اتفاق جديد. أما الحرب التي تشنها إسرائيل ضد التمركز الإيراني في سورية فهي الآن مهدّدة بأن تواجه برد إيراني مختلف. في هذه الأثناء، يعزّز المحور الإيراني وحلفاؤه في المنطقة سيطرته، في ظل تراجع محور الدول العربية السنية الموالي للولايات المتحدة وضعفه، خصوصاً بعد أن تبيّن أن السعودية نمر من ورق.
كيفية التعامل الإسرائيلي مع القدرة الإيرانية على الإيذاء رهنٌ، إلى حد بعيد، بطبيعة الحكومة الإسرائيلية المقبلة.
رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر