إسرائيل وغولدستون.. مخاوف عديدة!
في حيلة قديمة – جديدة، لجأ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى رفض لجنة التحقيق الدولية في جرائم الاحتلال خلال العدوان على غزة، بتأجيج خطاب الضحية، بحجة العداء لإسرائيل. وهاجم نتنياهو، في ختام لقائه بحاكم ولاية نيويورك الأميركية، أندرو كاومو، في تل أبيب، قرار مجلس حقوق الإنسان بتشكيل لجنة تحقيق دولية في الانتهاكات المحتملة للقوانين الإنسانية في قطاع غزة، معتبراً "أن المجلس، يمنح الشرعية لمنظمات إرهابية، مثل حماس وداعش، بدلاً من التحقيق في الهجمات التي شنتها حماس على مواطني إسرائيل، واستغلالها لسكان القطاع وجعلهم دروعا بشرية".
وادعى نتنياهو أن "تقرير هذه اللجنة مكتوب مسبقاً، فقد قرر رئيسها، منذ الآن، أن حماس ليست منظمة إرهابية، ولذلك، ليس للّجنة ما تبحث عنه، هنا، وعليها أن تزور بداية دمشق، وبغداد وطرابلس الغرب"، مضيفاً "ليذهبوا ويشاهدوا ماذا يفعل داعش، والجيش السوري، وحماس، فهم لن يجدوا هنا جرائم حرب".
جاء كلام نتنياهو بعدما كشفت الإذاعة الإسرائيلية أن مراقب الدولة في إسرائيل، يوسف شابيرا، قرر فحص جوانب مختلفة من العدوان على غزة، بما في ذلك اتخاذ القرارات في إسرائيل، وسلوك الجيش الإسرائيلي في مسألة الأنفاق، بهدف التخفيف من حدة توصيات لجنة التحقيق الدولية وقراراتها. وقال المحلل القضائي للإذاعة، موشيه هنغبي، إن الهدف من هذه الخطوة، هو في نهاية المطاف، التخفيف من حدة توصيات لجنة التحقيق ووطأتها.
وسلطت القناة الثانية الضوء على تداعيات العدوان الذي يشنه جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة، واقترافه جرائم بشعة بحق الشعب الفلسطيني، ومدى تأثير اللجان التي تم تشكيلها، سواء المحلية أو الدولية، للتحقيق في تلك الجرائم في قطاع غزة على أدائه مستقبلاً، خصوصاً في ظل الحديث عن تشكيل لجان محلية ودولية للتحقيق في ذلك.
وبالتزامن مع الإعلان عن تشكيل اللجنة الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة الجديدة، والكشف عن أعضاء تلك اللجنة، والمتوقع أن تكلف بالتحقيق في مجريات الحرب على غزة، فإن المخاوف في إسرائيل ازدادت من تأثير تقرير مشابه لتقرير القاضي ريتشارد غولدستون، الذي حقق في جرائم الحرب عامي 2008-2009.
مصادر سياسية إسرائيلية لم تخف قلقها الشديد إزاء النتائج المرتقبة، والتداعيات العملية التي ستصل إليها اللجنة الأممية، على غرار نتائج تقرير غولدستون، عام 2009، والتي حققت في مجريات الحرب التي شنت على قطاع غزة خلال عامي 2008-2009.
وأوضح المحاضر في جامعة بار إيلان، والخبير في القانون الدولي، البروفيسور آف بيل، أن تداعيات العملية والأضرار التي ستلحق بإسرائيل، بعد نشر نتائج تلك اللجنة، ستقوم بإحراج "إسرائيل" أمام العالم، والمطالبة بمحاكمة القيادة السياسية والعسكرية في "إسرائيل"، نظراً لوحشية الاحتلال في حربه على غزة. وقال الخبير القانوني "سنشهد تداعيات رئيسية، أحدها تشجيع تقديم طلبات للتحقيق الجنائي ضد قادة إسرائيليين، من أبرزهم صانعي القرار في إسرائيل". ويتعلق الأمر الثاني بفرض عقوبات اقتصادية على "إسرائيل". وأضاف "سيكون ممكناً تقديم طلبات لمحاكمة قادة إسرائيليين على ضوء النتائج التي ستصل إليها اللجنة، وستقدم لوائح اتهام، مثل ارتكاب جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية للمحاكم التي تحظى بصلاحية دولية.
ملامح هذا التخوف من آثار اللجنة الدولية بدأت تتوضح، فقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال" الأميركية أن الإدارة الأميركية أوقفت إرسال شحنة صواريخ من طراز "هلبير"، المستخدمة في الطائرات الحربية، كان من المقرر إرسالها إلى "إسرائيل"، ما يؤشر على أزمة جديدة من التوتر في العلاقات الأميركية الإسرائيلية. وأفادت بأن إسرائيل طلبت من وزارة الدفاع الأميركية تزويدها بهذه الصواريخ بشكل مباشر، وقد صادقت عليها الوزارة من دون علم الإدارة الأميركية أو وزارة الخارجية. وأن الإدارة الأميركية تشعر بالقلق من استخدام إسرائيل القذائف المدفعية، بدلاً من القذائف الموجهة في المناطق السكنية المزدحمة.
واعتبرت الصحيفة، أن "العلاقات الإسرائيلية الأميركية دخلت في مرحلة جديدة من التوتر"، وجاء قرار إيقاف الشحنة في إطار المناوشات والتوتر الأخير بين إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وحكومة نتنياهو، على خلفية العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وجاء في وول ستريت جورنال أن "المسؤولين الأميركيين يعتقدون بأن تصرف إسرائيل خلال العملية العسكرية، على قطاع غزة، وخصوصاً نتنياهو ووزير جيشه، هو تصرف متهور ولا يمكن الوثوق بالقادة الإسرائيليين"، معتبرين أن نتنياهو يتلاعب في الكونغرس والبيت الأبيض وجون كيري وسفير أميركا في إسرائيل عن طريق تسريبات وصفوها بالحاقدة.
حتى البريد الأميركي شرع في إجراءات عقابية غير معلنة، وأفاد موقع روتر العبري بأن فروع بريد في الولايات المتحدة ترفض إرسال طرود ورسائل بريدية إلى إسرائيل، بسبب الأوضاع الأمنية على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، على حد قولها. ووفقاً للموقع، فقد شكا مواطنون أميركيون من رفض فرع البريد في أنحاء مختلفة في أميركا إرسال طرود ورسائل بريدية إلى إسرائيل.
هي آثار خطيرة تتوقعها إسرائيل من تشكيل اللجنة الدولية، لمحاسبتها على جرائمها في غزة، ولن ينفع تشكيلها لجنة داخلية إسرائيلية، في احتواء الغضب الدولي المتنامي من تصرفاتها، فالرأي العام الغربي والدولي لم يعد يصدق أياً من ترهاتها الإعلامية.