إسلاميون.. وانتفاضة إلكترونيّة
اشتعلت الصفحات العربية في موقعي "فيس بوك" و"تويتر" بعشرات ملايين التغريدات، والأفكار، المذيّلة بهاشتاغ عبد الفتاح السيسي، وكسرت المشاركات فيه، صباح أول من أمس الخميس، حاجز الثمانمئة وخمسين مليون مشاركة، في انتفاضةٍ إلكترونيةٍ ضد ترشح السيسي لرئاسة مصر.
في البداية، اعترض إسلاميون على الهاشتاغ، ورفضوه، وشارك فيه بعضهم، وتحفظت غالبيتهم على المشاركة، مبدين تشفّياً بالذي يحدث للسيسي من تدمير للهالة التي رُسمت حوله بعناية، عاماً أو أزْيَد قليلاً. ثم بدا لهم، بعدما رأوا نجاح الهاشتاغ، أن ينشروا "هاشتاغاً" خاصاً بهم، يعلنون فيه أن محمد مرسي ما زال رئيسهم. وهنا مربط الفرس، ومن هنا، كان مقتل تجربة الإخوان المسلمين في الحكم في مصر.
فالإسلاميون مولعون، دوماً، بالتمايز. فالفن لديهم ليس فنّاً راقياً أو غير راقٍ، بل هو إسلامي أو غير إسلامي. والشعراء لا يصنّفون حسب مدارسهم الشعرية، ولا حتى بحسب نوع الشعر الذي يقرضونه، وإِنما بحسب الأيديولوجيا، فهناك شاعر إسلامي، وآخرون عاديون، في أحسن التصنيفات، وظهرت المدارس الإسلامية والبنوك الإسلامية، مروراً بالدواجن والمواشي والمقاولات الإسلامية!
بمرور الزمن، أَصبحت هناك حالة عزلة بين قطاعات واسعة من الإسلاميين والناس، قوامها نحن وهم، نحن (إسلامية)، بما تمثّله من معانٍ جميلة وقيمٍ نبيلة، وهم (الآخر غير الإسلامي، أو الناس العاديون، كما يطلقون على الآخرين، أحياناً كثيرة)، بكل ما يمثلونه من مشكلات وانحرافات، من وجهة نظر الإسلاميين.
بدعة التمايز، وإيجاد بديل إسلامي، بسببٍ ومن دونه، كانت سبباً رئيسياً في سعي أهم كادر تنظيمي في جماعةٍ بحجم "الإخوان المسلمين"، إلى أن يسعى، فور خروجه من السجن، إلى ضرب حالة التناغم الوطني التي سادت في يناير/ كانون الثاني ٢٠١١، وأن يغرّد منفرداً، بعيداً عن باقي القوى الوطنية، وأن يسعى إلى استجلاب السلفيين لدخول حلبة السياسة، مؤسساً تحالفاً إسلامياً، في مواجهة الباقين، غير الإسلاميين. وهي البدعة نفسها التي دعت حملة محمد مرسي إلى أن تطلق عليه لقب المرشح الإسلامي الوحيد، على الرغم من أن المرشحين الثلاثة عشر، آنذاك، كانوا كلهم مسلمين! بل كان منهم قيادات إسلامية حقيقية، كالقيادة الوسطية، عبد المنعم أبو الفتوح، والمفكر الدكتور محمد سليم العوا.
للأسف، لم يهتم الإسلاميون في مصر، يوماً، بمعرفة مزاج المصريين العام تجاههم، وإن برعوا في معرفة مزاجهم ضد الحكومات المتعاقبة، وكانوا معظم الوقت يتعاملون مع الشعب باعتباره قاصراً، وفي طور التأديب والتعليم.
هذه العزلة التي أسّس لها الإسلاميون، ومارسوها على أنفسهم، سهّلت كثيراً مهمة الثورة المضادة وذيولها في ضرب التجربة الديموقراطية، وضرب الثورة، باعتبارهما متماهيتين مع تجربة الإسلاميين. وكانت هذه العزلة سبباً كافياً ليصدّق المصريون أطنان الأكاذيب والشائعات والافتراءات التي نشرتها وسائل الإعلام المملوك معظمها لرأسمال إماراتي، وشيطنوا بها الإسلاميين والديموقراطية معهم، فالنهج الذي يأتي بالشياطين ليحكموا لا بد من شيطنته أيضاً.
ولعل السؤال الذي طرحه أحد رواد مقهى شعبي في مصر، أثناء إذاعة مؤتمر "نصرة سوريا"، والذي عقده مرسي قبل أسبوعين من الانقلاب عليه، يضيء على حجم الأزمة. كانت جموع الإسلاميين تنشد، مجتمعةً، في حماس شديد، أَنشودة: "لبيك إسلام البطولة.. كلنا نفدي الحما". طرح الرجل، من وراء غمامات دخان أرجيلته، السؤال السهل الممتنع: كيف تنشد هذه الآلاف أغنية لا يعرفها أيٌّ منا، ولا من أهلنا!