09 نوفمبر 2024
إصلاحات العبادي وتقسيم العراق
ليس سهلاً أن يبادر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، إلى الإعلان عن إصلاحاتٍ، في بلادٍ تتناوشها أوضاع عسكرية مأساوية، وينخرها الفساد الرسمي والمؤسساتي، غير أنه من السهل أن يقول قائد الجيش الأميركي، الجنرال ريموند أوديرنو، قبل أيام من تقاعده، أمس الجمعة، إن "تقسيم العراق هو الحلّ الوحيد لمستقبل البلاد"، ولم يكتفِ بذلك، بل علّل السبب لـ "صعوبة إنجاز المصالحة بين السنة والشيعة".
لم يقل أوديرنو ما هو غير متوقع في تلك البقعة من المنطقة، بعد سنواتٍ من الصراعات الدامية، لكنه كقائدٍ عسكري، يقرّ بأن التوحيد العسكري بعد 12 عاماً من الغزو الأميركي للعراق لا يجدي نفعاً، وأن السلطة المركزية في بغداد لم تتناغم مع السلطة الإقليمية في كردستان العراق، وأن الجنوب العراقي هو من يتحكّم بمفاصل السلطة في العاصمة على حساب المحافظات الشمالية من الأنبار إلى الموصل. ما قاله أوديرنو تعبير عن واقع فعلي، و"حاجة"، ترسم طريقها في الشرق الأوسط، من العراق إلى اليمن، وربما سورية.
في الموضوع العراقي، لم يواكب كلام أوديرنو جهود العبادي الإصلاحية، بل ساهم في ضربه أكثر، على الرغم من أن رئيس الحكومة العراقية يواجه تحدّيات داخلية قاسية، لا تبدأ من إتمام سيطرته على "التحالف الوطني"، ولا تنتهي بمنع انفصال كردستان العراق عن العراق. بالإضافة إلى مواصلة حربه ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي بات الطرف المتحكّم عسكرياً بمآل الحراك السياسي، خصوصاً في الموصل والأنبار.
ومن شأن أي تقسيم في العراق، إن حصل، أن ينعكس على سورية ولبنان والأردن. واذا كانت بيروت وعمّان، بنسبة أكثر، في منأى عن أي تقسيم ممكن في الوقت الحالي، فإن دمشق باتت أقرب من أي وقتٍ للتقسيم، من دون أن يعني ذلك حتميته في هذه الفترة، غير أن الأساس الذي بوشر العمل به في سياق "المنطقة الآمنة" من المفترض أن يؤدي إلى تشريع أبواب التقسيم في الداخل السوري، خصوصاً لناحية المراوحة العسكرية بين النظام والمعارضة المسلّحة وعدم القدرة على الحسم الميداني لأي فريق، على الرغم من تقدّم المعارضة، أخيراً، بحكم دعم الروس والإيرانيين الرئيس بشار الأسد، وتمسك النظام بما يُمكن تسميتها "سورية المفيدة".
وما يعزّز منطق التقسيم في الشرق الأوسط أن الحديث في اليمن، أيضاً، قد تجاوز إطار المصالحة الشاملة ضمن اليمن "الواحد"، إلى البحث عن صيغة لتقسيم البلاد إلى أقاليم في إطار دولة اليمن "الجديدة". واللاعبون الإقليميون والدوليون على رقعة اليمن، هم أنفسهم في العراق وسورية، مع بعض التفاوت النسبي في تأثيرهم بين البلاد المذكورة، لأسباب جيوبوليتيكية. بالتالي، لن يكون التقسيم، إن حصل، محدداً أو مخصصاً لبلدٍ واحدٍ، بل سيكون بمثابة حجر "دومينو"، يطاول معظم دول الشرق الأوسط.
ولا يُمكن، في هذا السياق، أن تنجح أي إصلاحات داخلية في كل بلد مهدّد بالتقسيم، ما لم يرتكز على أسس قوية، شعبياً ومؤسساتياً، أو على دعم دولة إقليمية أو دولية. وهو ما يظهر في الحالة العراقية، لأن "وهج" الإصلاحات سرعان ما خبا أمام الكلام الأميركي عن التقسيم. وبدلاً من أن يمضي العبادي وقته في سبيل إنجاح إصلاحاته وتكثيفها، بات أمام مهمة "الدفاع عن وحدة العراق"، مع ما يعني ذلك من استجرار لمواقف سياسية، ستؤدي، في النهاية، إلى رمي الإصلاحات جانباً.
وبمعزل عن الكلام الأميركي، لم يعد "التقسيم" مجرد عبارة يدرسها بعض الأكاديميين، أو "نظرية مؤامرة" بالنسبة لبلدان عربية عدة في الشرق الأوسط، بل أضحى واقعاً تكرّس بعد انقسام السودان إلى سودان وسودان جنوبي في عام 2011. ولا يُمكن تخطّي هذا الواقع من دون المضيّ في إصلاحات داخلية في كل بلد، تعزيزاً لدور الدولة، لا السلطة.
في الموضوع العراقي، لم يواكب كلام أوديرنو جهود العبادي الإصلاحية، بل ساهم في ضربه أكثر، على الرغم من أن رئيس الحكومة العراقية يواجه تحدّيات داخلية قاسية، لا تبدأ من إتمام سيطرته على "التحالف الوطني"، ولا تنتهي بمنع انفصال كردستان العراق عن العراق. بالإضافة إلى مواصلة حربه ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي بات الطرف المتحكّم عسكرياً بمآل الحراك السياسي، خصوصاً في الموصل والأنبار.
ومن شأن أي تقسيم في العراق، إن حصل، أن ينعكس على سورية ولبنان والأردن. واذا كانت بيروت وعمّان، بنسبة أكثر، في منأى عن أي تقسيم ممكن في الوقت الحالي، فإن دمشق باتت أقرب من أي وقتٍ للتقسيم، من دون أن يعني ذلك حتميته في هذه الفترة، غير أن الأساس الذي بوشر العمل به في سياق "المنطقة الآمنة" من المفترض أن يؤدي إلى تشريع أبواب التقسيم في الداخل السوري، خصوصاً لناحية المراوحة العسكرية بين النظام والمعارضة المسلّحة وعدم القدرة على الحسم الميداني لأي فريق، على الرغم من تقدّم المعارضة، أخيراً، بحكم دعم الروس والإيرانيين الرئيس بشار الأسد، وتمسك النظام بما يُمكن تسميتها "سورية المفيدة".
وما يعزّز منطق التقسيم في الشرق الأوسط أن الحديث في اليمن، أيضاً، قد تجاوز إطار المصالحة الشاملة ضمن اليمن "الواحد"، إلى البحث عن صيغة لتقسيم البلاد إلى أقاليم في إطار دولة اليمن "الجديدة". واللاعبون الإقليميون والدوليون على رقعة اليمن، هم أنفسهم في العراق وسورية، مع بعض التفاوت النسبي في تأثيرهم بين البلاد المذكورة، لأسباب جيوبوليتيكية. بالتالي، لن يكون التقسيم، إن حصل، محدداً أو مخصصاً لبلدٍ واحدٍ، بل سيكون بمثابة حجر "دومينو"، يطاول معظم دول الشرق الأوسط.
ولا يُمكن، في هذا السياق، أن تنجح أي إصلاحات داخلية في كل بلد مهدّد بالتقسيم، ما لم يرتكز على أسس قوية، شعبياً ومؤسساتياً، أو على دعم دولة إقليمية أو دولية. وهو ما يظهر في الحالة العراقية، لأن "وهج" الإصلاحات سرعان ما خبا أمام الكلام الأميركي عن التقسيم. وبدلاً من أن يمضي العبادي وقته في سبيل إنجاح إصلاحاته وتكثيفها، بات أمام مهمة "الدفاع عن وحدة العراق"، مع ما يعني ذلك من استجرار لمواقف سياسية، ستؤدي، في النهاية، إلى رمي الإصلاحات جانباً.
وبمعزل عن الكلام الأميركي، لم يعد "التقسيم" مجرد عبارة يدرسها بعض الأكاديميين، أو "نظرية مؤامرة" بالنسبة لبلدان عربية عدة في الشرق الأوسط، بل أضحى واقعاً تكرّس بعد انقسام السودان إلى سودان وسودان جنوبي في عام 2011. ولا يُمكن تخطّي هذا الواقع من دون المضيّ في إصلاحات داخلية في كل بلد، تعزيزاً لدور الدولة، لا السلطة.