بعد أربعة أشهر تقريباً من منح وزارة الداخلية الإيرانية الترخيص الرسمي لتشكيل حزب "النداء الإصلاحي" أو ما يسمى أيضاً بحزب "نداء الإيرانيين"، أصدرت رئاسة الحزب، السبت، بيانها الرسمي ووثيقتها التأسيسية التي تنص بالأساس على ضرورة المشاركة في العملية السياسية، وتجنب كل المواقف القائمة على الانسحاب أو التهميش.
أكد هذا البيان التزام الحزب واعضائه من الإصلاحيين بمبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية التي قامت قبل أكثر من ثلاثة عقود، وبالدستور الإيراني الرسمي، والإيمان بولاية الفقيه. كما جاء في البيان أن الحزب يرى أن تطبيق الإصلاحات في البلاد يجب أن يكون تدريجياً، مع ضرورة الوجود في كل المحافل السياسية. فحرية التعبير والمشاركة السياسية من حق الجميع، كما يقول المنتمون لهذا الحزب الإصلاحي الحديث العهد، الذين يرون أن التشدد والتطرف في الآراء يؤدي لتبعات سلبية تنعكس على الساحة السياسة والاجتماعية على حد سواء.
معظم أعضاء حزب "النداء" هم من أعضاء "التجمع الوطني لشباب الإصلاح"، وتتشكّل هيئته الاستشارية من الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي ومستشاره وممثل إيران السابق لدى الأمم المتحدة صادق خرازي، فضلاً عن عدد من المقربين من الرئيس المعتدل حسن روحاني، وهو ما يجعل هذا الحزب إصلاحياً بامتياز.
وقد طرح المنتمون إليه، من الإصلاحيين المقربين لخاتمي، فكرة أن يأخذ الحزب شكل الجيل الجديد من الإصلاح، إلا أن خاتمي فضّل الاستغناء عن هذا الشعار مبرراً الأمر بضرورة الوجود في كل المحافل السياسية وبشكل عملي، لا طرح الآراء فقط، ويبدو أن انطلاق الحزب نحو الساحة العملية سيُتوج بشكل واضح في التجارب الانتخابية المقبلة، ولا سيما انتخابات مجلس الشورى الإسلامي التي ستجري في ربيع 2016.
ويرى مراقبون للساحة الإيرانية أن ولادة حزب "نداء الإيرانيين" بإرشاد من خاتمي بعد سنوات من غياب الإصلاحيين عن الساحة، تعني محاولة للملمة الجراح الإصلاحية ومحاولة لرص الصفوف، علّهم يستطيعون الوجود بشكل أكبر في مراكز صنع القرار، ولا سيما أن أزمة احتجاجات الانتخابات الرئاسية عام 2009 انعكست سلباً على هذا التيار الذي تفرّق زعماؤه ورموزه.
ويقول رئيس تحرير صحيفة "آرمان امروز" الإصلاحية، حسين عبد اللهي، لـ"العربي الجديد"، إن تجربة الانتخابات علّمت الإصلاحيين درساً على الرغم من الثمن الذي دفعوه سياسياً بعد احتجاجات "الحركة الخضراء" الموالية للمرشح الرئاسي مير حسين موسوي، فهؤلاء هم مَن اعترضوا على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد بدورة رئاسية ثانية.
وهذا الدرس، بحسب عبد اللهي، يرتبط بضرورة وحدة الصف الداخلي وانتقاد الذات، فبات الإصلاحيون قادرين على معرفة أين يكمن ضعفهم وأخطاؤهم، ولا سيما بعد اختلاف مواقفهم وتفرقهم وغيابهم عن الساحة.
ويشير إلى أن التطبيق الأول لهذا الدرس كان خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها الرئيس المعتدل حسن روحاني، فلولا انسحاب المرشح الإصلاحي محمد رضا عارف بعد التشاور مع رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني والرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، لما ذهبت أصوات مؤيدي الإصلاح لروحاني وكان من الممكن أن تجرى الانتخابات على دورتين، ويتنافس في جولة الإعادة روحاني وأحد مرشحي المحافظين.
ففوز روحاني بالأغلبية القاطعة من البداية سمح بإنعاش التيار الإصلاحي وبعودة بعض مسؤوليه لمراكز القرار، وتوليهم مناصب وزارية أو مناصب في الدولة، وسمح بعودة صحفهم للعمل، ولكن على ما يبدو أن الإصلاحيين الآن يخططون للعودة بقوة إلى الساحة على شكل كيان إصلاحي مستقل، والحل يكون بتراص صفوفهم.
وبدأ محافظو إيران بإدراك هذه المعادلة، وشرعوا باتخاذ خطوات شبيهة، وازدادت التصريحات في الآونة الأخيرة والتي تتحدث عن ضرورة وحدة الصف داخل التيار المحافظ الذي يتشكل هو أيضاً من عدة جبهات تتنافس مع بعضها البعض، فعلى سبيل المثال، خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي جرت في العام 2012، تنافس المقربون من دائرة المرشد الأعلى علي خامنئي وهم المنضمون لما يعرف بالجبهة المتحدة، مع جبهة أخرى تسمى بجبهة الثبات التي تُحسب على المحافظين المقربين من نجاد، فضلاً عن وجود جبهات أخرى كثيرة في السباق، وهو الأمر الذي أدى لسيطرة المحافظين على البرلمان طيلة السنوات الماضية في ظل غياب الإصلاحيين وعدم حضور المستقلين بقوة.
لكن مع توحّد الإصلاحيين، وتشكيل روحاني جبهة موازية سمّاها بجبهة المعتدلين، تضم المعتدلين من الإصلاحيين والمحافظين معاً، لا بد للمحافظين من التنبّه لهذا الأمر، فهناك انتخابات مجلس الخبراء التي ستجري خلال الأشهر القليلة المقبلة، تليها انتخابات مجلس الشورى في العام المقبل، وعليهم التجهيز لها أيضاً.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة "أنباء فارس" الإيرانية أخيراً، أن الأمين العام لجبهة الثبات، مرتضى اقاتهراني، التقى بالأمين العام لمجمع رجال الدين المجاهدين أو ما يسمى في إيران "جامعه روحانيت مبارز"، موحدي كرماني، وبحث الطرفان إمكانية وضرورة وحدة الجبهات المحافظة.
كما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، "إرنا"، عن رئيس مجلس الشورى الإسلامي السابق، النائب الحالي فيه، غلامعلي حداد عادل، قوله بضرورة أن يكون البرلمان المقبل محافظاً بامتياز.
كل هذه التصريحات تشير إلى أن الاستعداد المبكر للسباق الانتخابي المقبل قد بدأ، وبأن المحافظين يدركون بأن الإصلاحيين ينتظرون العودة بقوة إلى الساحة على الرغم من صعوبة الأمر، فهؤلاء بدأوا بالعودة تدريجياً مع دعم روحاني، لكنهم سيحاولون العودة بشكل منفصل عن المعتدلين وكتيار قائم بحد ذاته كما كان الحال قبل سنوات عدة.