يكثر الحديث هذه الأيام عن ضرورة إعادة أنواع من الطيور والحيوانات كانت قد انقرضت من لبنان، وذلك مساهمة في تعزيز دور المحميات في الحفاظ على التنوع البيولوجي أو الحيوي. فما هي الأنواع التي انقرضت من لبنان وما هي الحسنات والسيئات التي ستحصل من جراء إعادتها؟
تشهد الكتب القديمة والمراجع أنّ هناك حيوانات وطيوراً انقرضت من لبنان في القرن العشرين بسبب الصيد الجائر أو بسبب سوء إدارة هذه الأنواع في الطبيعة. من الأنواع التي انقرضت، النعامة والدب السوري والتدرج (الدراج) الأسود والغزال الجبلي والورور الفارسي والوشق والوعل النوبي، وربما أنواع أخرى أيضاً. ويجري التحضير حالياً لإعادة إطلاق سراح بعض هذه الأنواع بعد استقدامها من بعض الدول المجاورة. في المبدأ يجب استقدام الأنواع بعد إخضاعها لفحوصات مخبرية تبين أنّها خالية من الأمراض وأنّها لن تكون ناقلة لأمراض تفتك بالأنواع المحلية. ثانياً، يجب إخضاع العملية برمتها إلى دراسة جدوى ودراسة أثر بيئي، وذلك للإجابة عن أسئلة مثل: "هل ستعيش هذه الأنواع المستقدمة في بيئتنا؟" و"هل سنتمكن من السيطرة عليها ومتابعتها خوفاً من اصطيادها من قبل البعض؟" و"هل ستتنافس مع غيرها من الأنواع الموجودة؟" و"هل زالت الأسباب التي أدت إلى انقراضها في السابق؟" و"ما العمل من أجل حمايتها والإكثار منها وتوفير ظروف السلامة لها، خصوصاً في ظل الظروف الحالية السائدة؟".
بعد ازدياد عدد المزارع والمباني في جميع أنحاء البلاد لم يعد هنالك مكان للدب السوري للعيش فيه، لأنّ من الصعوبة بمكان إيجاد ولو حيز صغير نسبياً له ليرعى، وسيصبح منافساً للإنسان في التهام أعشاش النحل البرية، أي سيكون مخلوقاً مخيفاً وغير مرغوب فيه. وما ينطبق على الدب ينطبق أيضاً على الوشق الذي سيلعب دور الذئب والثعلب والواوي معاً، ولن يكون هناك له مأوى يختبئ فيه من أذى الإنسان. أما النعامة، التي تحتاج إلى مساحات شاسعة للرعي فيها، فإنّ بيئتها الأصلية المكشوفة والسهلية في لبنان قد تفتتت بفعل الزراعة والسكن ولم يعد لديها موطئ قدم فيه.
لكن، بالنسبة للوعل النوبي والغزال الجبلي فهما من الحيوانات آكلة الأعشاب أي ترعى العشب وتقلم النباتات بشكل طبيعي، فتقلل من تأثير الحرائق على الغابات وتعيد للطبيعة جمالها من خلال تواجدها في البراري المحمية. وهذا الأمر يصح في أكبر المحميات الطبيعية في لبنان، أي محمية أرز الشوف للمحيط الحيوي التي تبلغ مساحتها خمسة في المائة من مساحة لبنان. فالطريقة المتبعة في هذه الحالة تقضي بحفظ الحيوانات كالوعل والغزال في حظائر يعين عليها حراس، حيث تأكل وتشرب لفترة زمنية تتعدى فترة التزاوج والتكاثر فيصبح للصغار نوع من الانتماء للأرض التي ولدوا عليها. ثم يزال السياج جزئياً بشكل يسمح للحيوانات بالخروج والعودة لتناول الطعام من الحظيرة، وهكذا إلى أن تصبح لهذه الحيوانات قدرة على ايجاد الغذاء بصورة طبيعية.
ومن الطيور الورور الفارسي الذي كان يعشش في ثقوب تراب بيروت في بدايات القرن العشرين، لكن لن يجد نفس البيئة في العاصمة بعد مرور نحو قرن على غيابه ولن يجد موئلاً مناسباً آخر في البلاد، هذا عدا عن كون صيده من قبل المواطنين يشكل احتمالاً كبيراً للقضاء عليه.
ويبقى الحظ الأوفر للتدرج الأسود الذي كان يعيش حتى منتصف القرن الماضي في عنجر، ثم لم يسجل له أثر. هذا الطائر هو بحد ذاته طريدة صيد من الفئة الأولى. لذا فإنّ إعادته إلى بيئته لن تدخله في منافسة مع أي نوع آخر نظراً لاختلاف الغذاء وأماكن توافره. فإذا ما انتشر خارج عنجر أصبح طريدة للصيادين، أي أنه سيقوي الناحية الاقتصادية في عنجر، لجهة الوظائف والعمالة للعناية به والاستفادة من الفائض منه في سوق الصيد المسؤول.
*اختصاصي في علم الطيور البرية
اقــرأ أيضاً
تشهد الكتب القديمة والمراجع أنّ هناك حيوانات وطيوراً انقرضت من لبنان في القرن العشرين بسبب الصيد الجائر أو بسبب سوء إدارة هذه الأنواع في الطبيعة. من الأنواع التي انقرضت، النعامة والدب السوري والتدرج (الدراج) الأسود والغزال الجبلي والورور الفارسي والوشق والوعل النوبي، وربما أنواع أخرى أيضاً. ويجري التحضير حالياً لإعادة إطلاق سراح بعض هذه الأنواع بعد استقدامها من بعض الدول المجاورة. في المبدأ يجب استقدام الأنواع بعد إخضاعها لفحوصات مخبرية تبين أنّها خالية من الأمراض وأنّها لن تكون ناقلة لأمراض تفتك بالأنواع المحلية. ثانياً، يجب إخضاع العملية برمتها إلى دراسة جدوى ودراسة أثر بيئي، وذلك للإجابة عن أسئلة مثل: "هل ستعيش هذه الأنواع المستقدمة في بيئتنا؟" و"هل سنتمكن من السيطرة عليها ومتابعتها خوفاً من اصطيادها من قبل البعض؟" و"هل ستتنافس مع غيرها من الأنواع الموجودة؟" و"هل زالت الأسباب التي أدت إلى انقراضها في السابق؟" و"ما العمل من أجل حمايتها والإكثار منها وتوفير ظروف السلامة لها، خصوصاً في ظل الظروف الحالية السائدة؟".
بعد ازدياد عدد المزارع والمباني في جميع أنحاء البلاد لم يعد هنالك مكان للدب السوري للعيش فيه، لأنّ من الصعوبة بمكان إيجاد ولو حيز صغير نسبياً له ليرعى، وسيصبح منافساً للإنسان في التهام أعشاش النحل البرية، أي سيكون مخلوقاً مخيفاً وغير مرغوب فيه. وما ينطبق على الدب ينطبق أيضاً على الوشق الذي سيلعب دور الذئب والثعلب والواوي معاً، ولن يكون هناك له مأوى يختبئ فيه من أذى الإنسان. أما النعامة، التي تحتاج إلى مساحات شاسعة للرعي فيها، فإنّ بيئتها الأصلية المكشوفة والسهلية في لبنان قد تفتتت بفعل الزراعة والسكن ولم يعد لديها موطئ قدم فيه.
لكن، بالنسبة للوعل النوبي والغزال الجبلي فهما من الحيوانات آكلة الأعشاب أي ترعى العشب وتقلم النباتات بشكل طبيعي، فتقلل من تأثير الحرائق على الغابات وتعيد للطبيعة جمالها من خلال تواجدها في البراري المحمية. وهذا الأمر يصح في أكبر المحميات الطبيعية في لبنان، أي محمية أرز الشوف للمحيط الحيوي التي تبلغ مساحتها خمسة في المائة من مساحة لبنان. فالطريقة المتبعة في هذه الحالة تقضي بحفظ الحيوانات كالوعل والغزال في حظائر يعين عليها حراس، حيث تأكل وتشرب لفترة زمنية تتعدى فترة التزاوج والتكاثر فيصبح للصغار نوع من الانتماء للأرض التي ولدوا عليها. ثم يزال السياج جزئياً بشكل يسمح للحيوانات بالخروج والعودة لتناول الطعام من الحظيرة، وهكذا إلى أن تصبح لهذه الحيوانات قدرة على ايجاد الغذاء بصورة طبيعية.
ومن الطيور الورور الفارسي الذي كان يعشش في ثقوب تراب بيروت في بدايات القرن العشرين، لكن لن يجد نفس البيئة في العاصمة بعد مرور نحو قرن على غيابه ولن يجد موئلاً مناسباً آخر في البلاد، هذا عدا عن كون صيده من قبل المواطنين يشكل احتمالاً كبيراً للقضاء عليه.
ويبقى الحظ الأوفر للتدرج الأسود الذي كان يعيش حتى منتصف القرن الماضي في عنجر، ثم لم يسجل له أثر. هذا الطائر هو بحد ذاته طريدة صيد من الفئة الأولى. لذا فإنّ إعادته إلى بيئته لن تدخله في منافسة مع أي نوع آخر نظراً لاختلاف الغذاء وأماكن توافره. فإذا ما انتشر خارج عنجر أصبح طريدة للصيادين، أي أنه سيقوي الناحية الاقتصادية في عنجر، لجهة الوظائف والعمالة للعناية به والاستفادة من الفائض منه في سوق الصيد المسؤول.
*اختصاصي في علم الطيور البرية