مع الانحسار الجزئي لمياه الفيضانات التي تسبّب بها الإعصار هارفي في ولايتي تكساس ولويزيانا الأميركيتين، بدت مدينة هيوستن التي تفقّدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال جولته على المناطق المنكوبة برفقة السيدة الأولى ميلانيا ترامب، وكأنها خارجة للتو من حرب طاحنة. فقد كانت سُحب الدخان الأسود ما زالت تتصاعد من أحد المعامل الكيميائية، فيما نشر الجيش الأميركي آلاف الجنود المزودين بالمروحيات والقوارب السريعة لإنقاذ السكان العالقين في بعض المناطق السكنية التي غمرها الطوفان ومساعدة العائدين إلى منازلهم والسلطات المحلية على رفع الركام والعمل على إعادة الخدمات العامة من ماء وكهرباء وتأمين طرقات المدينة.
ويبدو أن إدارة ترامب والسلطات المحلية في ولاية تكساس، تجنّبت حتى الآن ارتكاب الأخطاء التي وقعت فيها إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن عندما ضرب إعصار كاترينا ولاية لويزيانا وأغرق مدينة نيو أورليانز. ويُسجَّل للرئيس الحالي مبادرته السريعة إلى زيارة المناطق المنكوبة مرتين وطلبه موافقة من الكونغرس لصرف نحو ثمانية مليارات دولار كمساعدة فدرالية فورية للسلطات في تكساس ولويزيانا لإعادة إعمار ما دمره الإعصار، ومن المرجح أن يسارع الكونغرس إلى التصديق عليها مطلع الأسبوع.
ولعل الجولة التفقدية التي قام بها ترامب وميلانيا على مراكز استقبال المتضررين من الإعصار، والصور التي التُقطت لهما يوزعان الطعام والألعاب في مراكز إغاثة المتضررين، قدّمت جانباً قيادياً وإنسانياً من شخصية الرئيس هو بأمسّ الحاجة إليه لكسر الحصار الذي تفرضه التحقيقات الروسية على البيت الأبيض، والوقوف بوجه الحملة المتواصلة لعزل الرئيس، والتي كان آخرها الأنباء عن استبعاد أحد أقرب المساعدين له منذ أكثر من عشر سنين ومرافقه الدائم كينيث شيلر. ووُضعت الخطوة في إطار خطة مدير الموظفين في البيت الأبيض الجنرال جون كيلي لفرط عقد الحلقة الخاصة من المستشارين التي استقدمها ترامب معه إلى البيت الأبيض، وحصر قنوات الاتصالات بالرئيس بمدير الموظفين.
على أي حال فإن إعصار هارفي غيّر اتجاه الرياح السياسية في واشنطن، حسبما لاحظت صحيفة "نيويورك تايمز"، إذ من المنتظر أن تنسحب أجواء التفاهم بين الكونغرس والبيت الأبيض بشأن مسألة المساعدات المالية العاجلة لتكساس على قضايا خلافية أخرى، ومنها سحب ترامب ورقة التهديد بعدم التوقيع على الميزانية في حال لم يوافق الكونغرس على رصد ميزانية بناء الجدار مع المكسيك. فيما بدأت تظهر ملامح تفاهمات عامة في موضوع إصلاح قوانين الهجرة قد يُعبّر عنها القرار الذي سيتخذه ترامب يوم الثلاثاء باستمرار العمل ببرنامج "الحالمين" الذي يعود لحقبة الرئيس السابق باراك أوباما، وهو يضم نحو 700 ألف شاب من المهاجرين غير الشرعيين الذين جاؤوا إلى الولايات المتحدة وهم أطفال، ويسعى البرنامج إلى تسوية أوضاعهم القانونية. وفي حال لم يلغِ ترامب العمل بهذا البرنامج واستمر بسياسات أوباما بهذا الشأن، فإن ذلك يعتبر تحولاً جديداً يتعارض كلياً مع خطاب ترامب الانتخابي إزاء قضية الهجرة غير الشرعية.
ويُتوقَّع أن يمهد هذا التحوّل في الموقف من مسألة الهجرة غير الشرعية، الطريق أمام تسويات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس لحل الخلافات بشأن القضايا الأخرى، كالإصلاح الضريبي وخطة الإصلاح الصحي وغيرها.
كما أنه يُسجَل للإعصار هارفي أنه مهّد الطريق أيضاً أمام توطيد علاقة ترامب بالاستبلشمنت الجمهوري وقواعد الحزب بكافة أجنحته، خصوصاً أن ولاية تكساس تُعتبر معقلاً تاريخياً للجمهوريين، وهم يراهنون على الاستفادة من الحيوية السياسية التي ولّدتها الكارثة الطبيعية في تكساس لإعادة تجميع قوة الحزب وتوحيد صفوفه وتأكيد التفوق على الحزب الديمقراطي وتسجيل نصر جديد في انتخابات الكونغرس عام 2018.