تصارع مؤسسات إعلامية في قطاع غزة من أجل البقاء، في ظل أزمات مالية طاحنة باتت تضرب كل الإعلام الفلسطيني، وتسببت خلال العامين الأخيرين بإقفال عدد من الفضائيات وتسريح العاملين فيها. وتواجه المؤسسات المتبقية، في القطاع المحاصر إسرائيلياً للعام الرابع عشر، أزماتٍ مالية أثرت على طبيعة الخدمة الصحافية المقدمة لجمهورها، ودفعتها نحو تقليص أعداد العاملين وتخفيض النفقات وتأخير الرواتب وعدم صرفها بشكلٍ منتظم.
وأغلقت خلال السنوات الأخيرة قناتا "الكتاب" و"القدس"، وسرح العاملون فيهما بعد سنوات من العمل، فيما قلصت مؤسسات أخرى أعمالها مثل صحيفة "الرسالة" المحلية التي أوقفت نسختها المطبوعة واكتفت بالنسخة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. وإلى جانب الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الكثير من المؤسسات الإعلامية العاملة في القطاع، فإن غالبيتها تمتنع عن توظيف أي كوادر صحافية جديدة.
يقول المدير التنفيذي لإذاعة "صوت الشعب"، باسم وشاح، إن الأزمات المالية باتت تلاحق غالبية المؤسسات الإعلامية الفلسطينية في القطاع خلال السنوات الأخيرة، وانعكست بصورةٍ واضحة على أداء رسالتها. ويلفت وشاح لـ"العربي الجديد" إلى أن الإذاعة المحسوبة على "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" تعرضت لضرر بالغ منذ تدمير الطيران الحربي الإسرائيلي مقرها في عدوان عام 2014، حين توقفت لأشهر قبل أن تعاود العمل بطاقم عمل مقلص وبفاتورة مالية متواضعة.
ومن بين الإشكاليات التي واجهتها الإذاعة عدم قدرتها على تسديد فاتورة الرواتب بشكلٍ كامل أو التأخر في صرفها في بعض الأحيان، إلى جانب عدم قدرتها على تعيين موظفين جدد مما يرفع الأعباء على الموظفين العاملين حالياً.
ويشير المدير التنفيذي لإذاعة "صوت الشعب" إلى أن من بين الإشكاليات التي أثرت على المؤسسات تراجع الإعلانات بفعل حالة التدهور الاقتصادي الحاصلة في القطاع في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ الحرب الأخيرة على غزة عام 2014.
وتعتمد الكثير من المؤسسات المحلية في عائداتها المالية على أموال الإعلانات من الشركات والأفراد، لتغطية جانب من نفقاتها، غير أن الفترة الأخيرة شهدت تراجعاً ملموساً في حجم الإعلانات ورعاية البرامج والمواقع الإلكترونية.
ولا يخفي وشاح خشيته من أن تسبب الأزمات المالية التي تعصف بمختلف الصحف والإذاعات والقنوات المحلية بطبيعة الرسالة المقدمة وتساهم في مزيد من الإغلاقات وتدفع باتجاه تسريح الصحافيين والكوادر الإعلامية، كما حصل سابقاً.
وقد أظهرت بيانات صادرة عن "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني"، في مسح أجراه واستهدف القوى العاملة في فلسطين للربع الرابع من عام 2019، أن نسبة البطالة في صفوف الطلبة الذين يحملون شهادات تخصص الصحافة والإعلام بلغت نحو 49.6 في المائة.
في السياق، يقول المدير العام لـ"مؤسسة الرسالة للإعلام"، الصحافي رامي خريس، إن مؤسسته تأثرت من الأزمة المالية، إذ توقفت في مارس/آذار عام 2019 عن طباعة نسختها الورقية، بعد 22 عاماً من الصدور مرتين أسبوعياً. ويلفت خريس لـ"العربي الجديد" إلى أن الأزمة دفعت بالصحيفة للتوسع في العمل الإلكتروني والرقمي على حساب النسخة المطبوعة، لتوفير مصاريف الطباعة المرتفعة محلياً وضمان الاستمرار في تقديم الخدمة الإعلامية. واتجهت الصحيفة المحلية التي اعتادت على الصدور يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع نحو تطوير منصاتها الإلكترونية، خصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع مراعاة ضبط المصاريف والنفقات والحفاظ على الطاقم العامل بها.
ويلفت الصحافي خريس إلى أن مؤسسته لم تسرح أياً من موظفيها بفعل الأزمة المالية، إلا أنها لم تقم خلال الفترة الأخيرة بإجراء أي تعيينات جديدة، إلى جانب اتخاذها سلسلة من الإجراءات التقشفية الأخرى للحفاظ على استمراريتها.
وانعكست العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية في إبريل/ نيسان عام 2017 سلباً على واقع القطاع المنهك اقتصادياً بالأزمات وتلاحق الحروب وجولات التصعيد المتتالية بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، وأدى ذلك لانهيار قطاعات عدة لم تكن المؤسسات الإعلامية المحلية بعيدة عنها. وعُلم أيضاً أنّ مؤسسات إعلامية كثيرة في غزة قلصت رواتب موظفيها في الأشهر الأخيرة نتيجة الأزمات المالية التي تعيشها الفصائل، ما انعكس سلباً على المؤسسات التي تتبع لها، كما دفعت مؤسسات كثيرة أنصاف رواتب للصحافيين والعاملين فيها نتيجة الظروف المالية القاسية.