عاد الجدل إلى الساحة الإيرانية من جديد حول قرار فرض الإقامة الجبرية على كل من المرشحين الرئاسيين السابقين مير حسين موسوي ومهدي كروبي، ولكن هذه المرة بشكل أشد، إذ تحوّل إلى غضب عارم اجتاح قاعة البرلمان الإيراني، بل ووصل إلى اشتباك بالأيدي بين بعض نوابه.
بدأت القصة مع صعود النائب عن مدينة طهران، علي مطهري، إلى المنبر، فألقى كلمته التي طالب فيها بإلغاء قرار فرض الإقامة الجبرية على كل من كروبي وموسوي وزوجته زهرا راهنورد، واعتبر صراحة أن القرار يخالف قوانين الدستور الإيراني كونه لم يتخذ بعد محاكمة هؤلاء قضائياً.
هذا الكلام أثار الحنق بين الكثير من النواب، فبدأوا بتكرار شعارات "الموت لمثيري الفتنة" و"الله أكبر"، فقاطعه نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي، محمد حسن أبو ترابي، الذي كان يرأس جلسة الأحد العلنية، واعتبر أن قرار الإقامة الجبرية هو رأفة بهؤلاء، إذ لم تتخذ أي إجراءات حقيقية بحقهم إزاء "الفتنة" التي تبنوها ودعموها وأدت لإثارة البلبلة في البلاد، حسب قوله. كما رأى أبو ترابي أن القرار بحقهم يتوافق والشرع والقانون، واعتراض مطهري يعني مخالفة رغبة الشارع ومخالفة النواب الذين يمثلون المواطنين الإيرانيين في البرلمان، حسب قوله.
وعلى الرغم من محاولات أبو ترابي تهدئة الوضع في القاعة، لكن الأصوات علت أكثر، ومطهري أصر على إكمال كلامه، ما أدى لتوجه عدد من النواب إلى المنبر وطالبوا مطهري بالنزول عنه، وهو ما أدى إلى اشتباك بالأيدي حاول نواب آخرون فضه، فتم تعليق الجلسة للوقوف بوجه تفاقم الوضع، كما قال أبو ترابي.
ويعدّ مطهري في الأساس شخصية جدلية تنتمي للتيار المحافظ ولديه العديد من الخلافات مع بعض المنتمين للتيار نفسه وحتى مع الإصلاحيين، ولكنه معروف بجرأته بطرحه للعديد من القضايا، وهو ما يجعله محط أنظار الكل في البلاد. فقد كان في يوم ما الشخص الذي يقف بالمرصاد للرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد والمقربين منه، كما وجه انتقادات حادة لبعض الإصلاحيين. ولكن هذا الأمر يجعله محط انتقاد كثر من جهة أخرى.
وعمّا جرى في جلسة البرلمان، اعتبر النائب علي رضا مرندي أنه من العجيب حماية ودعم "مثيري الفتن" و"رغبات أعداء إيران" من قبل البعض في البلاد، قاصداً بذلك مطهري، مشيراً أيضاً إلى أن هذا الدعم يأتي فقط لتقوية مكانته والحصول على أصوات داعمة له في البرلمان وخارجه.
ونقلت وكالة "أنباء فارس" الإيرانية عن مرندي قوله إن ما جرى في عام 2009 تحوّل إلى فتنة دُعمت من قبل أطراف خارجية تريد الإيقاع بالبلاد، واستمر فيها البعض في الداخل، وآخرون كانوا واعين لها، ورموزها كانوا مصرين على عدم التراجع رغم التحريض على تحويل شعاراتها إلى شعارات تستهدف النظام في البلاد والدين فيها، حسب قوله.
وعلى الرغم من طرح الرئيس المعتدل الحالي، حسن روحاني، خلال حملته الانتخابية قبل أكثر من عام لشعار إلغاء الإقامة الجبرية والإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين في البلاد، لكن تطبيق الأمر يتطلب المرور بمراحل عديدة رغم الرغبة في تحقيقه.
وكتبت صحيفة "شرق" الإيرانية، في وقت سابق، أن قرار الإقامة الجبرية يبقى بيد مجلس الأمن القومي الذي يتزعمه رئيس البلاد ويعيّن أميناً عاماً عليه، وهو المجلس الذي يتشكل من أبرز صنّاع القرار والمسؤولين السياسيين والعسكريين.
وذكرت "شرق" أيضاً أن مجلة "صبح صادق"، التابعة للحرس الثوري، كتبت في وقت سابق أن اتخاذ قرار فرض الإقامة الجبرية لا يتعلق بالاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية وقادها المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، بل إنها ترتبط بالنتائج التي وصلت إليها، وتغيير مسارها، وتحولها لتهديد للأمن القومي للنظام الإيراني، بعد أن ظهرت بداية احتجاجاً على نتائج الانتخابات التي فاز فيها الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد، وبعد أن كانت تطالب بإعادة فرز الأصوات في البداية، ففرضت الإقامة الجبرية على موسوي وكروبي بعد مرور فترة على احتجاجات عام 2009 وليس مع بدايتها، وهذا ما قاله أيضاً سعيد جليلي أمين مجلس الأمن القومي في وقت سابق.
وبالتالي إلغاء قرار الإقامة الجبرية يبقى بيد المسؤولين الأعضاء في مجلس الأمن القومي، والذين ينتمون لمؤسسات وتيارات مختلفة، منها القضائية والعسكرية والسياسية، ما يعني أنه قرار يحتاج لظروف سياسية تجعل الكل قادرين على اتخاذه.
وفي السياق، قال محمد رضا تويسركاني، ممثل المرشد في مؤسسة قوات التعبئة أو البسيج، لوكالة "أنباء مهر الإيرانية"، إن ما يفعله مطهري واتباع هذا الأسلوب يعقّد الأوضاع في البلاد ولا يؤدي لنتيجة، مضيفاً أن الإقامة الجبرية ملف أمني يمسك بمفتاح حله المسؤولون عن الأمن القومي، وهم مَن سيقررون إلغاء الإقامة الجبرية، إذ سيقدم الملف للمرشد الأعلى للموافقة عليه أيضاً.
ولكن تويسكراني قال أيضاً إن تطبيق إلغاء الإقامة الجبرية يجب أن يتم من دون كل هذه الفوضى الإعلامية وبعيداً عن إثارة البلبلة في الأجواء، وهو ما سيقرّب الكل في إيران من بعضهم.
ويرى العديد من المسؤولين والسياسيين في إيران، وليس فقط من الإصلاحيين، ضرورة إلغاء قرار الإقامة الجبرية. أما المنتقدون للأمر من المتشددين في البلاد، فيبررون رفض النقاش حول هذا الموضوع بعدم تراجع رموز الحركة الخضراء التي أثارت الاحتجاجات عام 2009 عن موقفهم، بل وإصرارهم على المسائل ذاتها، كما يقولون، رغم تحوّل مسار الاحتجاجات. ويبقى هذا الأمر بحاجة لتوافق سياسي بين المنتمين للتيارات السياسية الإيرانية أولاً، وبحاجة لأن يبتعد عن الضجيج المثار على شكل خلافات بين الأطياف المختلفة وبين أبناء التيار السياسي الواحد نفسه، ليتخذ القرار الذي يرغب به كثير من المسؤولين، ولا سيما بعد وصول روحاني لكرسي الرئاسة قبل أكثر من عام، وهو ما عدّل الموازين قليلاً، كما يرى مراقبون.