إلى أين جرنا استعلاؤنا العقدي؟

21 مايو 2015
عمل للفنان أسامة دياب
+ الخط -
حينما نقرأ إدوارد سعيد وكيف استطاع أن يحقق توازناً بين ما يطرحه من قضايا جوهرية في الحياة الإنسانية وبين حياته الشخصية المعاشة، حيث إنه كان متحيزاً إلى الحق الذي رآه، فدافع عن العالم العربي ودافع عن الإسلام ودافع عن المستضعفين، وطرح نظريته في كتاب الاستشراق، وما تبعه من كتب تتحدث عن المثقفين وخيانتهم قضايا أمتهم العظيمة، كما عاينا في السنوات السابقة مع هبوب رياح التغيير في عالمنا التي تحولت بفعل سنة التاريخ في التغيير الاجتماعي إلى زوابع وأعاصير أكلت الأخضر واليابس لأن ثمن الحرية ليس زهيداً.

مفكر مثل هذا وصفه روبرت فيسك، بأنه صوت فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وحارب أطروحاته مفكرون كبار أصحاب رؤية صهيونية، مثل برنارد لويس، ويعد، كما قال محمد المختار الشنقيطي، من المعاصرين الذين نفذوا ببصيرتهم إلى أعماق العلاقة بين المعرفة والسلطة. وبقي هذه المفكر صامداً في وجه العديد من التحديات واللوبيات التي سعت إلى حرفه عن مساره، حتى شنت ضده حملات التشويه في الولايات المتحدة الأمريكية، وحُرق مكتبه في جامعة كولومبيا.

رغم كل هذا الفكر والعظمة والاجتهاد إلا أن ثمة استعلاء في صدور شريحة واسعة من الإسلاميين بمختلف مشاربهم على أي جهد أو تقدير يناله غير مسلم، لهذا سيبادرك بعضهم بوصف إدوارد سعيد بأنه "كافر" وأن أحقر مسلم يمارس الرذائل أفضل منه!

هذا الفكر الاستعلائي الذي تحدث عنه مفكرون مسلمون يعتبر من أول ما يرضعه المريد في المسجد أو حلقة العلم، قادنا إلى كوارث حقيقية على مستوى الفرد الذي تأنف نفسه ذكر أي مجهود إنساني غير منتمٍ للإسلام دون إطلاق سهام الكفر والمصير المحتوم، جهنم وبئس المصير، وكأن الإنسان مطالب بالحكم على الآخرين بالجنة أو النار، في حين نجد أن القرآن الكريم يذكر لنا موقف عيسى عليه السلام حين تبرأ ممن عبدوه، ولكن دون الحكم عليهم بالويل والثبور والنار وترك الأمر لله فقال: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). فصار مقياس الأخذ والتقييم شخصيّاً يدور في فلك الأشخاص والأشياء لا فلك الأفكار وعوالمها الباسقة.

أما على مستوى الأمة فإن هذا الفكر الاستعلائي، قادنا إلى أن نأنف التقليد وإن كان مطلوباً، في ظل تكلس عجلة الاجتهاد وجمودها في غالب مناحي حياتنا عبر قرون سالفة وسياقات تاريخية سابقة لم تعد متطابقة مع حاضر اليوم ومتطلباته وتغيراته الذي تقدم سنوات ضوئية مما فاقم من أزمتنا الحضارية وجعلنا في ذيل القافلة مشدوهين بتطور العالم من حولنا.

نحن اليوم بحاجة إلى الإقرار بأهمية التجارب الإنسانية المختلفة، والإقرار أننا بحاجة إلى الاقتداء بكل ما يعيننا على الانتقال من حالة الركود الحضاري التي نعيشها، لنتحول إلى حالة أخرى أكثر فاعلية دون أن يكون في صدورنا حرج بسبب الاستعلاء وعقدة التقليد التي لا نرى فيها إلا قبولاً لمظاهر اجتماعية متعارضة مع الإسلام، وأن نكون ممتنين لكل جهد إنساني فخورين به، قدوتنا في ذلك ما قاله رسولنا الكريم في مدح ملك الحبشة النصراني الذي لا يظلم عنده أحد، وأن نكل الخلق إلى الله.


(البحرين)