كروم الحرادنة، نسبة إلى عائلتي، أو هذه الأحراش، لاتذكر إلا ويتبعها المتذكرُ برنة اندهاش محاولا تمثيل اتساعها بما لا تدرك أعداده ولا مداه، ولكن ابنة عمي خالد تقول لي عبر الهاتف، ولا أشك أنها تتطلع في تلك اللحظة من باب بيتها في الدالية جنوبا إلى كرومنا:
"هل تذكرها؟ كانت تمتد بنا في كل الاتجاهات، حتى مشارف الدالية"
وأسالُ: - "من يجدّها الان؟ أما زالتْ تحمل كما كانت؟"
- "وأكثر، ولكن اليهود لايسمحون لنا، لايضمّنون زيتونها لأحد من أهل أم الزينات"
- "من يأخذ زيتونها؟"
- "يضمّنونها لغرباء، ليسوا من أهل بلدنا"
وتتبع هذا نهدة ٌيبدو أنها تثلم أوتار صوتها أكثر مما هي رفة جناح عابرٍ بين لحظة وأخرى، أو بين أوراق شجيرة من أشجارالزعرور.
وأقول مواسيا ربما، أو مصمما على إضافة حكاية أخرى إلى رصيدي من الحكايات:
"أتعرفين عائلة محمد أبو الهيجاء؟ هم يقيمون في أكواخ على التل الوسطاني منذ العام 1948، بالقرب منكم، ومع ذلك لايستطيعون وضع إصبع على طرف قريتهم عين حوض التي يرونها من مكانهم ذاك رؤيا العين.
اسمعي هذه الطرفة من طرائف أبناء الشيطان هؤلاء الذين احتلوا بيوتها، وجعلوها مستعمرة فنانين، وحولوا مسجدها إلى مشرب ومطعم، والمقبرة إلى موقف سيارات؛ جاءهم أحد أبناء أبو الهيجاء راجياً بحق العشرة الطويلة، فهو من عمل مع إخوته على ترميم وتجديد بيوتهم التي احتلها الغرباء، أن يسمحوا له فقط بوضع سياج حول ما تبقى من قبور أسلافه، فثار الخوف في نفوسهم، ورفضوا بشدة وعصبية. كانوا محتشدين بهؤلاء الناس غير المرئيين، أو الغائبين كما يسمونهم" [...].
حتى كروم الحرادنة إذن، لا وجود لها، ولكن لا بأس أن يأكل زيتونها "صندوق أراضي الدولة"، فالمحصول هو الحقيقة الواقعية الوحيدة الملموسة، أما هذه السناسل، كما قيل لفرانسواز ذات يوم بلسان مرشد سياحي هاجر إلى فلسطيننا من اوكرانيا في الثمانينات: "تناسلتْ مثلما تناسلت الصخور والوديان في هذه الأرض الخالية، وخلقها الله كما خلق كل شيء من أجل اليهود وكل من سيتهوّد في مقبل الايام".
ويومها قلت لفرانسواز: "هل تظنين أن الله وكيل عقارات يعمل لدى هؤلاء الخائفين من رؤية وجوههم في المرآة؟ هم صنعوا أوهاما وعاشوا فيها، وأعطوا مخاوفهم عقلا، ولكن الحكاية لن تتوقف هنا كما تعرفين...".