الذكرى الثانية للثورة المصرية. 25 يناير/كانون الثاني 2013. مئات الآلاف يتوافدون إلى ميدان التحرير. الأعداد تزداد، وأنا أبتسم. إنها الثورة، من جديد. بذهول ودهشة أنظر إلى كل هؤلاء. يهتفون، يغنون، ويرقصون. أبحث عن "شخصية عامة" لتسجيل مقابلة معها، وأجدها. علاء الأسواني. يمر الرجل سريعاً ولا ألحقه. ثم أرى خالد يوسف. أقترب من الرجل. أسأله أسئلة لا أتذكرها صراحة، لكنها غالباً كانت تتمحور عن دور الإخوان في انحراف الثورة، وعن أهمية الذكرى.. ثمّ وسط ذهولي بعدد المشاركين، شعرت باحتكاك مزعج من الخلف. ظننت لوهلة أنه التدافع. الأعداد كبيرة، لا بدّ أنه التدافع حتماً.
دقيقتان. الاحتكاك المزعج جداً هذه المرة كان مباشراً. ليس التدافع وليست الزحمة. إنه تحرّش. استدرت بسرعة. كان الرجل واقفاً وسط عشرات المحيطين به، بوجهه الجليدي، والابتسامة المرعبة. صرختُ به: "يا ابن الكلب"، وضربته بالميكروفون على رأسه. استدار وغادر ببطء وبرود.
اللحظات القليلة للحادثة كانت كافية لأكره الأماكن المزدحمة من يومها. أكره السير وحيدة في الشوارع. وإذا حصل، أمشي مسرعة جداً، متلفتة يميناً ويساراً. طيف الوجه الجليدي والابتسامة القبيحة يلاحقاني. لا أعرف إن كان ما حصل تحرّشاً بسيطاً أم عنيفاً. لا أعرف إن كان يجب أن أركض خلف الرجل وأن أضربه. ربما أخبره أن التحرّش مزعج وأردد تلك العبارة: "احسبني أختك". لكني لم أفعل. عدت إلى الفندق، وأعدت قراءة كل الشهادات التي نشرت عن التحرّش على المواقع الإلكترونية، وعلى مواقع التواصل. التحرّش تحرّش، بسيطاً كان أم عنيفاً. هكذا كتبن.
في طريقي إلى بيروت مجدداً. مجموعة توزع ملصقات ضد التحرّش. آخذ ملصقاً. أضعه لاحقاً على مكتبي. "التحرّش جريمة" يقول الملصق. أكتب تحت الشعار بأحرفٍ تكاد لا ترى: "اخصوهم".
أعود إلى القاهرة مرّات كثيرة بعدها. أسمع كلاماً كثيراً عن التحرّش وعن الحملات المناهضة له. أسمع كلاماً أبله عن الانتماء السياسي للمتحرّشين. كل ذلك لا يهمّ. أسمع كلاماً أقلّ غباءً عن الكبت السياسي الذي تحوّل في مناطق كثيرة إلى كبت جنسي. أحاول وضع هذه الجرائم في إطار اجتماعي وديمغرافي.
لكن كل ذلك لا يهمّ. فالرعب من الواقع فقط هو المهمّ. أن تشعر المرأة بأن حقّها البديهي بالسير وحيدة في الشارع مسلوب منها. أن تشعر بأن جسدها عبء عليها وعلى المجتمع الذي تعيش فيه. أن تشعر بأن ملابسها الجميلة دليل على إدانتها. أن يتحوّل كل يوم في الشارع إلى مغامرة مجهولة النتائج.
الرعب فقط هو المهم.
دقيقتان. الاحتكاك المزعج جداً هذه المرة كان مباشراً. ليس التدافع وليست الزحمة. إنه تحرّش. استدرت بسرعة. كان الرجل واقفاً وسط عشرات المحيطين به، بوجهه الجليدي، والابتسامة المرعبة. صرختُ به: "يا ابن الكلب"، وضربته بالميكروفون على رأسه. استدار وغادر ببطء وبرود.
اللحظات القليلة للحادثة كانت كافية لأكره الأماكن المزدحمة من يومها. أكره السير وحيدة في الشوارع. وإذا حصل، أمشي مسرعة جداً، متلفتة يميناً ويساراً. طيف الوجه الجليدي والابتسامة القبيحة يلاحقاني. لا أعرف إن كان ما حصل تحرّشاً بسيطاً أم عنيفاً. لا أعرف إن كان يجب أن أركض خلف الرجل وأن أضربه. ربما أخبره أن التحرّش مزعج وأردد تلك العبارة: "احسبني أختك". لكني لم أفعل. عدت إلى الفندق، وأعدت قراءة كل الشهادات التي نشرت عن التحرّش على المواقع الإلكترونية، وعلى مواقع التواصل. التحرّش تحرّش، بسيطاً كان أم عنيفاً. هكذا كتبن.
في طريقي إلى بيروت مجدداً. مجموعة توزع ملصقات ضد التحرّش. آخذ ملصقاً. أضعه لاحقاً على مكتبي. "التحرّش جريمة" يقول الملصق. أكتب تحت الشعار بأحرفٍ تكاد لا ترى: "اخصوهم".
أعود إلى القاهرة مرّات كثيرة بعدها. أسمع كلاماً كثيراً عن التحرّش وعن الحملات المناهضة له. أسمع كلاماً أبله عن الانتماء السياسي للمتحرّشين. كل ذلك لا يهمّ. أسمع كلاماً أقلّ غباءً عن الكبت السياسي الذي تحوّل في مناطق كثيرة إلى كبت جنسي. أحاول وضع هذه الجرائم في إطار اجتماعي وديمغرافي.
لكن كل ذلك لا يهمّ. فالرعب من الواقع فقط هو المهمّ. أن تشعر المرأة بأن حقّها البديهي بالسير وحيدة في الشارع مسلوب منها. أن تشعر بأن جسدها عبء عليها وعلى المجتمع الذي تعيش فيه. أن تشعر بأن ملابسها الجميلة دليل على إدانتها. أن يتحوّل كل يوم في الشارع إلى مغامرة مجهولة النتائج.
الرعب فقط هو المهم.