منذ القدم تغنّى الفنانون والشعراء بالمرأة وبجمالها وبحبّهم لها، وغنّى المطربون لوصالها وحزناً على رحيلها. بالطبع هذا كان قبل عقود، لكن في السنوات الأخيرة باتت الموضة هي شتم المرأة وإهانتها في الأغنيات، كي "تضرب" الأغنية.
السباق على إهانة المرأة في الغناء العربي اشتدّت وتيرته في الأعوام الأربعة الأخيرة. فانقسم الجمهور بين موافق وبين رافض، لتشغل الأغنية بال الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي وتكون قد أدّت وظيفتها بالتسويق الذاتي.
الجديد أغنية السوري مجد العلي، بعنوان "تنزيلات"، التي نشرها قبل شهرين، وشاهدها أكثر من 250 ألفاً في نسخ متعدّدة على اليوتيوب، وهي من كلمات رياض العلي وألحان علي حسون و حمادة اسماعيل. تقول كلماتها: "والله مو قلّة بنات لحتى قلّك ضلّي/ بدك تنسيني نسيني الله معاك فلَي/ هلأ موسم تنزيلات الكلّ بسعر الجملة / ع كيفي ببدّل بنات / تقسيط وع النقدي"، وتضيف: "روحي روحي في غيرك شي 100 وحدة عندي".
أغنية تعتبر الفتاة "سلعة" بالمعنى الحرفي، وليس بالمعنى المجازي أو بالمعنى التأويلي. سلعة وعليها "تنزيلات" والدفع "نقدي" والطريقة "بسعر الجملة"، و"هلّق صولد وتنزيلات".
هذه الأغنية تأتي في سياق بات يتطوّر. أبرز نجومه الفنان اللبناني محمد اسكندر الذي أطلق أغنية "جمهورية قلبي" واشتهرت في لبنان والعالم العربي قبل أربع سنوات. ولاقت انتقادات كثيرة اعتراضاً على كلماتها، رغم نجاحها الكبير وتباهي بعض الرجال في ترداد كلماتها.
كان موضوع الأغنية الاعتراض على أن تخرج المرأة إلى سوق العمل، مع عدم الاعتراض على حقّها في التعليم، وقد شاهدها أكثر من 16 مليونا على اليوتيوب في أربع سنوات، ومن كلماتها: "كلّ ما قلبي عم ينبض وبعزّة / بتبقي ملكة وما بقبل تنهزّي / شغلي وسهري وتعبي عشانك عندي فيهن لذّة / نحنا ما عنّا بنات تتوظّف بشهادتها / عنّا البنت بتدلّل وكلّ شي بييجي لخدمتها، شغلك قلبي وعاطفتي وحناني / ومش رح تفضي لأيّا شي تاني / بيكفي إنّك رئيسة جمهورية قلبي".
هو هكذا، مجد من وهم: "رئيسة جمهورية قلبي"، عنوان الأغنية، التي تقول للمرأة ببساطة إنّ حقّها في التعليم لا يعني حقّها في العمل، خوفاً من أن يستغلّها ربّ العمل. وقد أثارت ردود فعل كثيرة من جمعيات معنية بحقوق المرأة في لبنان. وهي من كلمات ابنه فارس اسكندر وألحان سليم سلامة.
لينقذ نفسه من الورطة صوّر اسكندر الأغنية على طريقة الفيديو كليب، وجعل الفتاة التي يقصدها ابنته، على اعتبار أنّها غير موجّهة إلى الحبيبة بل إلى الابنة. ومن كلماتها أيضاً: "بكرا المدير بيعشق وبيتحرّك إحساسو، طبيعي إنّي إنزل هدّ الشركة ع راسو".
قبل عام أيضاً أطلق الفنان تامر حسني، أحد أبرز نجوم الأغنية في مصر والعالم العربي، أغنية "سي السيّد"، وهي "ديّو" مع الفنان سنوب دودج. والفيديو كليب أوضح أنّ تامر حسني هو "رجل البيت" وكلمته هي التي يجب أن تكون الأعلى والمسموعة، على طريقة: سمعاً وطاعة.
تقول كلمات الأغنية: "ليكي الكلام ولأيّ واحدة تحاول تلغي الفرق ما بين الراجل وبين الستّ / لاء يا حبيبتي في فرقين / إصرارك على المقارنة ما بيننا بيضيّع نور عيني أنوثتك / فاكرة كلمة حاضر لما اتقالت وانا زعلان مش بُستك / أنا الي قولو وتمشي عليه / زيّ مثلا كدا يا حبيبتي تلبسي ايه وما تلبسيش ايه / إيّاكي مرّة في يوم انا لاقي راجعالي متأخرة يا حياتي / انت فاهمة ايه الي هيحصل وانت عارفة الباقي / آه أنا سي السيّد وكلامي هوّا الي هيمشي / آه أنا سي السيّد ومش عاجبك كلامي امشي".
في الفيديو كليب يأتي تامر حسني بالفتيات إلى منزل الزوجية ليستخفّ بزوجته ويغيظها بأن يرقص مع مجموعة من الفتيات الجميلات. واللافت أنّ الأغنية من كلمات وألحان تامر حسني نفسه.
هكذا باتت الأغنيات التي تحطّ من شأن المرأة وقدرها "موضة" مستمرّة منذ 10 سنوات تقريباً، وهي تتطوّر إلى درجة أنّ هناك أغنيات لا مجال لنشرها أو لعرضها بسبب تضمّنها كلمات بذيئة، وشتائم مباشرة.
بات يمكن الحديث عن خطّ غنائي يعبّر عن رغبة فنانين، بعضهم من نجوم الصفّ الأوّل وبعضهم بالصفّين الثاني والثالث، في تهميش المرأة والتقليل من قيمتها في العلاقة بين الرجل والمرأة، في وقت تسعى المرأة إلى الحصول على حقوق أكثر والعمل في مختلف المجالات. وربّما تكون هذه ردّة فعل على تمرّد المرأة في السنوات الأخيرة، لكنّها تبدو كاريكاتورية وغير مقنعة، وتهين الرجل قبل المرأة.