وقالت المصادر في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إنّ رؤساء التحرير الحاليين رافقوا السيسي في أكثر من 40 زيارة خارجية خلال العامين الأخيرين فقط، بمتوسط بدل يتراوح بين 3 و7 آلاف دولار للزيارة الواحدة، أي ما يصل إلى 200 ألف دولار لكل رئيس تحرير، بما يعادل نحو 3.3 ملايين جنيه، صرفت من ميزانيات الصحف الحكومية التي تواجه خسائر غير مسبوقة، وتتجاوز مديونياتها نحو 19.3 مليار جنيه.
وحسب المصادر، فإن جولات السيسي الخارجية منذ تولي رؤساء التحرير الحاليين مناصبهم في مايو/ أيار 2017 شملت زيارة الولايات المتحدة، والصين، وألمانيا، والإمارات، والسعودية، والسودان (ثلاث مرات لكل منها)، وفرنسا، وروسيا، واليونان، والكويت، والأردن (مرتان لكل منها)، وكلاً من إيطاليا، والنمسا، وعمان، والبحرين، واليابان، فيتنام، وقبرص، وأوزبكستان، وكوت ديفوار، والسنغال، وإثيوبيا، وتنزانيا، ورواندا، والغابون، وتشاد (مرة واحدة).
قرار رسمي
وأفادت المصادر بأن مؤسسة الرئاسة وجهت "الهيئة الوطنية للصحافة" لإصدار قرارها الأخير بتنظيم السفر في رحلات رئيس الجمهورية إلى الخارج بهدف ترشيد الإنفاق العام، إعمالاً للقانون رقم 179 لسنة 2018 الخاص بإصدار الهيئة، لتقليص عدد الصحافيين المرافقين لجولات السيسي من الصحف القومية إلى 4 رؤساء تحرير و4 مراسلين فقط، عوضاً عن سفر نحو 70 صحافياً من رؤساء مجالس إدارات وتحرير الإصدارات اليومية والأسبوعية والشهرية.
ونص القرار على "عدم السفر على نفقة المؤسسات الصحافية القومية لرؤساء تحرير مجالس الإدارات في تغطية فعاليات رئيس الجمهورية للخارج، وألا يزيد عدد المسافرين عن اثنين فقط (رئيس تحرير الإصدار الرئيسي والمراسل)، لمؤسسات "الأهرام" و"الأخبار" و"دار التحرير" و"وكالة أنباء الشرق الأوسط"، على سبيل الحصر، والتناوب بين رؤساء تحرير المؤسسة الواحدة بموافقة الهيئة، على أن يتولى المراسل التغطية الصحافية لكافة إصدارات كل مؤسسة".
كذلك نص القرار على أن "يقتصر السفر على مؤسسات الأهرام، والأخبار، ودار التحرير، ووكالة أنباء الشرق الأوسط، وعرض بدلات السفر، وما في حكمها على الهيئة لإقرارها"، وعلى أن "يكون المراسل متخصصاً في الشؤون الخارجية، لا سيما المعنية ببلد الزيارة، وممن يجيدون لغتها". وشددت الهيئة على ضرورة تنفيذ هذه التعليمات، وإخطارها بأسماء الوفد الصحافي المرافق لرئيس البلاد في كل زيارة خارجية، للحصول على موافقتها. هذا خصوصاً مع صرف متوسط بدل يومي يبلغ ألف دولار لكل رئيس مجلس إدارة أو رئيس تحرير، و400 دولار للصحافي المعني بتغطية شؤون الرئاسة في الصحف القومية، و300 دولار لنظيره في الصحف الخاصة.
واعتبرت المصادر أنّ قرار الهيئة صدر متأخراً للغاية، بعد فضح وقائع إهدار المال العام في وسائل الإعلام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وحصول كل رئيس تحرير على "ثروة" لم يكن يحلم بها "لتأمين مستقبله"، مشيرةً إلى أن تعليمات الرئاسة تضمّنت إسراع الهيئة في إعداد قائمة بأسماء المرشحين الجدد لرئاسة مجالس إدارات وتحرير تلك الصحف، تمهيداً لإطاحة المجموعة الحالية بالتزامن مع انتهاء الجهات الرقابية من تحقيقاتها.
وتتحمل ميزانيات الصحف القومية المتخمة بالديون كافّة تكاليف السفر والانتقال لرؤساء مجالس الإدارات والتحرير، خلاف البدلات بالدولار الممنوحة لهم، على الرغم من أن مؤسسة الرئاسة تحظر على رؤساء التحرير نشر أي أخبار خلاف ما ترد في البيانات الرسمية الصادرة عن المؤسسة، أي أنّ أعضاء الوفد يسافرون للتنزه والتصفيق لكلمات السيسي خلال اللقاءات الرسمية، على حد تعبير المصادر.
قائمة المستبعدين
واستبعد قرار "الهيئة الوطنية للصحافة" رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية من جولات السيسي المستقبلية، وعلى رأسهم: رئيس مجلس إدارة مؤسسة "الأهرام"، عبد المحسن سلامة، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم"، ياسر رزق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "دار التحرير"، سعد سليم، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "روز اليوسف"، عبد الصادق الشوربجي، ورئيس مجلس إدارة "دار الهلال" مجدي سبلة.
كما استبعد كثيراً من رؤساء التحرير الذين اعتادوا مرافقة السيسي خارجياً، ومنهم على سبيل المثال: رئيس تحرير مجلة "الأهرام الاقتصادي"، خليفة أدهم، ورئيس تحرير "الأهرام العربي"، جمال الكشكي، ورئيس تحرير مجلة "السياسة الدولية"، أحمد ناجي قمحة، ورئيس تحرير مجلة "آخر ساعة"، محمد عبد الحافظ، ورئيس تحرير مجلة "المصور"، أحمد أيوب، ورئيس تحرير مجلة "أكتوبر"، محمد أمين.
أداء ضعيف
لا يحظى رؤساء تحرير الصحف القومية (الحكومية) الحاليين بقبول لدى مؤسسة الرئاسة المصرية، إزاء أدائهم المهني الضعيف، وفشلهم في الترويج لما يُسمى بـ"إنجازات الرئيس"، بالرغم من تصدر أخبار عبد الفتاح السيسي وتحركاته افتتاحيات هذه الصحف يومياً. إذ لم يُجرِ الأخير أيّ حوار مع رؤساء تحرير الصحف الرئيسية مثل "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية" كما جرت العادة، منذ توليهم مناصبهم قبل أكثر من عامين.
وكان عضو مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم" الصحافية، رفعت رشاد، قد تقدم بمذكرة إلى رؤساء هيئة الرقابة الإدارية، والجهاز المركزي للمحاسبات، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، تتهم رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف القومية بإهدار المال العام، على خلفية مرافقة العشرات منهم لزيارات رئيس الجمهورية على حساب مؤسساتهم الخاسرة، في غياب تام للمحاسبة من قبل الأجهزة الرقابية.
وقال رشاد في المذكرة إن "مؤسسة أخبار اليوم يسافر منها خمسة أو ستة صحافيين، مع العلم بأن قيمة تذكرة السفر إلى الولايات المتحدة مثلاً تصل إلى 52 ألف جنيه"، مشيراً إلى أن رئيس مجلس إدارة المؤسسة يكون على رأس المسافرين، بالرغم من عدم فهم دوره في السفر، هو وغيره من الصحافيين الذين دأبوا على مرافقة الرئيس، في وقت قد يُفهم فيه دور رئيس التحرير أو مندوب الجريدة لدى الرئاسة".
رؤساء الهيئات
إلى ذلك، قالت مصادر صحافية لـ"العربي الجديد" إنّ التغييرات المرتقبة ستطاول أيضاً كلاً من رئيس "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، مكرم محمد أحمد، ورئيس "الهيئة الوطنية للصحافة"، كرم جبر، ورئيس "الهيئة الوطنية للإعلام"، حسين زين، واستبدال ثلاثتهم بآخرين لهم خبرات في إدارة عملية دمج وبيع العديد من الإصدارات الصحافية المملوكة للدولة، والمقرر بدء تفعليها بحلول العام المقبل.
ونوّهت المصادر إلى ترشيح الكاتب المقرب من مؤسسة الرئاسة، ياسر رزق، لرئاسة "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، وكلاً من رئيس مجلس إدارة مؤسسة "المصري اليوم" السابق، عبد المنعم السعيد، ونقيب الصحافيين السابق، عبد المحسن سلامة، لرئاسة "الهيئة الوطنية للصحافة"، وكذلك المفاضلة بين رئيس قطاع الإذاعة في التلفزيون المصري، إسماعيل الششتاوي، والإعلامي جمال الشاعر، في رئاسة "الهيئة الوطنية للإعلام".
إعدام الصحافة
من المستهدف إلغاء ودمج العديد من الإصدارات الأسبوعية والشهرية في مؤسسات "الأهرام" و"أخبار اليوم" و"دار التحرير" و"دار الهلال"، وتوزيع العاملين فيها على الإصدارات اليومية، خصوصاً أن التشريعات التي مررها مجلس النواب في وقت سابق منحت "الهيئة الوطنية للصحافة" صلاحيات تقضي بخفض حجم مديونياتها، في مواجهة ارتفاع تكاليف "مدخلات" الصحافة، والتراجع الكبير في توزيع الصحف.
وأصدر البرلمان المصري ثلاثة قوانين متصلة لتنظيم الصحافة والإعلام، عُرفت إعلامياً بـ"قوانين إعدام الصحافة"، كونها تنال من حرية الصحافة والإعلام، وتقنن الحبس الاحتياطي للصحافيين والإعلاميين، وذلك في الجرائم المتعلقة بـ"التحريض على العنف، أو التمييز بين المواطنين، أو الطعن في أعراض الأفراد"، في مخالفة لنصوص الدستور المصري الصادر في أعقاب انقلاب عام 2013.