فبعد فوز حسن روحاني برئاسة الجمهورية، وهو الممثل الحالي لهذا التيار مما أدى إلى إعادة إبرازه على الساحة، يحاول المعتدلون اليوم التحرك للحصول على معظم مقاعد البرلمان في انتخابات مجلس الشورى العام المقبل، منتهزين غياب بعض التيارات، والخلافات داخل تيارات أخرى، وذلك بجمع أبرز الشخصيات تحت مظلّتهم.
أولى الخطوات بدأت بإعلان محمد أرشدي، الذي كان أحد المشرفين على الحملة الدعائية الانتخابية لروحاني، تشكيل الجبهة المتّحدة للمعتدلين في إيران برئاسته، مشيراً إلى أنها ستكون جبهة ائتلافية تضم عدداً من الشخصيات التي سيتم الإعلان عن أسمائهم في وقت لاحق.
تعدّ هذه الجبهة وليدة الائتلاف التقليدي للمعتدلين بزعامة الأب الروحي أكبر هاشمي رفسنجاني، وهو الشخصية المعتدلة التي لا تنتمي إلى تيار محدد في إيران وإنما تلتف حولها كل التيارات. ومن المتوقع أن يكون رفسنجاني ومعه ناطق نوري وحسن خميني المرشدين لهذه الجبهة، وهم من قدّموا روحاني سابقاً مرشحاً عن هذا الائتلاف ودعموا انسحاب مرشح الإصلاحيين محمد رضا عارف لصالح الشيخ المعتدل.
هؤلاء وجدوا في انتقاد التشدد والتطرف لدى تيار المحافظين، والإصلاحيين كذلك، منفذاً لشد كثر نحو تيار وسطي بين القطبين الأبيض والأسود، وعاد نشاطهم بشكل بارز خلال السنوات الثماني الماضية من حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، مع تولي معظمهم ومنهم روحاني لمناصب في مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يترأسه رفسنجاني حتى اليوم، والذي يُعد أحد أهم مراكز صنع القرار في الجمهورية الإسلامية.
وتأسيس هذه الجبهة اليوم، قد يسمح لها بكسب نصف مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة على الأقل، وهو الهدف الأساسي من الإعلان عن تشكيلها. وسيعمل هؤلاء على الاستفادة من عدم قدرة الإصلاحيين على التجمع في جبهة واحدة، وهو أمر يعانيه أبناء هذا التيار منذ عام 2009.
فاحتجاجات ذاك العام التي قام بها أنصار مير حسين موسوي، المرشح المنافس لنجاد والذي تولى المنصب الرئاسي لدورة ثانية، أدت إلى انقسام أبناء هذا التيار، ولا سيما بعد ظهور ما يسمى الحركة الخضراء الموالية لموسوي والتي اتهمها كثر بخلق الفتنة والخروج عن نظام الجمهورية الإسلامية، وهو ما أدى إلى انقسام الإصلاحيين المؤيدين للحركة الخضراء عن معارضيها.
كذلك تغيب الإصلاحيين عن الساحة وتحوّلوا إلى أقلية في البرلمان وفي مراكز صنع القرار، بعدما حكموا البلاد لثماني سنوات في الفترة الرئاسية السابقة لمحمد خاتمي، ويحاولون اليوم وبصعوبة تشكيل جبهة موحّدة تتقدم لانتخابات البرلمان، ولكن من دون جدوى حتى اللحظة، ولا سيما مع وجود صقور المحافظين المتشددين المتربصين والرافضين لتقدّم هؤلاء ولا سيما ممن والوا الحركة الخضراء.
أما المحافظون المتموضعون على الضفة الأخرى، فهم تاريخياً يتكوّنون من جبهات متعددة، منها من تنتمي للدائرة المقربة لمؤسسة المرشد وهم من يسيطرون على معظم مقاعد البرلمان، ومنهم من يُعدون من المتشددين، وهناك آخرون محسوبون على التيار "النجادي". وهو التيار الذي انبثق خلال السنوات الأخيرة من حكم نجاد، وهم من اختلفوا مع المتشددين بسبب تبني سياسات في الداخل نالت العديد من الانتقادات، منها إقالة الوزراء ودمج الوزارات أو تبني خطط اقتصادية زادت من حالة التدهور المعيشي في الداخل.
رغم ذلك، لا تزال هذه الجبهة النجادية التي تسمى "جبهة الثبات"، تشكّل مركز قوة في البرلمان الإيراني، وما يُثبت ذلك هو عزل وزير التعليم رضا فرجي دانا، من حكومة روحاني أخيرا، بعد استدعائه من قبل نواب هذه الجبهة ومحاصرته بسبب تعيينه لأساتذة جامعيين ومستشارين يشتبه بدعمهم للحركة الخضراء.
لكن خطة المعتدلين الآن تقضي بالدخول بقوة إلى سباق انتخابات مجلس الشورى الإسلامي العام المقبل، والتي ستسمح بإعطاء فرصة لبعض رموز الإصلاح بحال لم يستطيعوا إنعاش تيارهم رغم عودتهم النسبية إلى الساحة، ولكن ليس بالشكل الذي يطلبونه، فهم يشاركون حالياً في مناصب حكومية، وعادت صحفهم ومنابرهم الإعلامية للعمل.
في المقابل، ستحاول الجبهة المتّحدة للمعتدلين ضم معتدلي المحافظين إليهم، وهو ما سيخفّف من وطأة انتقادات المتشددين منهم لسياسات روحاني التي تتبع الحوار مع الغرب والانفتاح نحو الآخرين، وهو ما يرفضه هؤلاء بالمطلق، وربما ستنجح الجبهة باستقطاب بعض أفراد جبهة الثبات "النجادية".
قد تبدو هذه الفكرة مثالية كونها ستفتح المجال أمام شعار روحاني "مفتاح التدبير والأمل"، لينضم إليه أكبر عدد من الشخصيات السياسية غير المتشددة سواء من التيار المحافظ أو الإصلاحي. ولكن النظرة الواقعية لهذه الخطوات تفتح التوقعات أمام مواجهة قريبة بين المعتدلين وصقور المتشددين من المحافظين، وحتى مواجهة أخرى مع جبهة "الثبات"، والتي انتصرت في المعركة الأولى مع تيار روحاني المعتدل بعزل أول وزرائه.
ولكن خروج المعتدلين بشعار الحرب على الفقر وتحسين الوضع الداخلي قد يعيد العام المقبل مشهد فوز روحاني رئيساً، وهو من برع في تسويق هذه الشعارات، فبدا "مفتاح التدبير والأمل" الذي يحمله، مفتاحاً لكل أزمات الداخل. وهل أفضل من طرح شعار توحيد الجميع تحت جبهة واحدة، ليصبح هذا المفتاح أمل كثيرين شعبياً وسياسياً، بعدما زادت حدة الانقسامات في التيارات بعد عام 2009؟