العلاقة إزاء مواقع التواصل الاجتماعي في إيران معقدة؛ إذ تعاديها السلطات التي حظرت "تويتر" و"تيليغرام" و"فيسبوك" سابقاً، بينما تحضر في أدق حياة المواطنين اليومية، وخاصة "إنستغرام" الذي دخل قفص الاتهام أخيراً، بعد مقتل رجل الدين مصطفى قاسمي، في مدينة همدان (غرب البلاد)، في 27 إبريل/ نيسان الماضي.
بدأت القضية حين نشر القاتل، بهروز حاجيلو، صوراً لجريمته التي استهدف قاسمي (46 عاماً) عبر "إنستغرام"، إضافة إلى فيديو تبنّى فيه مسؤوليته عنها. وكان حاجيلو قد نشر سابقاً، عبر المنصة نفسها، صوراً وفيديوهات يستخدم فيها أنواعاً مختلفة من الأسلحة النارية الممنوعة قانوناً في إيران.
ولقي حاجيلو مصرعه خلال اشتباك مسلح مع الشرطة الإيرانية، في اليوم التالي من ارتكاب الجريمة، وفقاً لشرطة محافظة همدان.
وهكذا، بعد وقوع الجريمة توالت الدعوات إلى فرض رقابة أكثر تشدداً على شبكات التواصل الاجتماعي في البلاد، ودعا المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، الشرطة إلى "مكافحة العناصر المخلة بالأمن في العالم الافتراضي" و"منع بيع وشراء السلاح" عبر الفضاء نفسه.
إذ تحظر السلطات الإيرانية امتلاك أي نوع من الأسلحة النارية وحملها، لكن تقارير صحافية أفادت بازدهار تجارتها عبر الإنترنت، وبينها وكالة "فارس" (محسوبة على الخط المحافظ) التي ذكرت أن "البحث في (إنستغرام) على كلمات مثل بيع الأسلحة أو السلاح يقود المستخدمين إلى صفحات كثيرة تتضمّن صوراً لمختلف أنواع الأسلحة الحربية والشخصية وأسلحة الصيد"، لافتة إلى أنه "يمكن التواصل مع قنوات على (تيليغرام) أو حسابات في (إنستغرام) لشراء مسدس واستلامه في البيت"، في تقرير مفصّل نشرته عام 2018.
الشرطة الافتراضية
عقب جريمة القتل، أعلن قائد شرطة المحافظة، بخشعلي كامراني، عن اعتقال 32 شخصاً من مستخدمي شبكات التواصل في محافظات همدان ومشهد وشيراز، لنشرهم مواد داعمة للقاتل عبر صفحة الأخير على "إنستغرام" أو في صفحات أخرى.
في الوقت نفسه، انتقد سياسيون إصلاحيون وبعض مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في إيران شرطة الفضاء الافتراضي "فتا"، لعدم اعتقال القاتل بعد نشره صوراً وفيديوهات وثّقت امتلاكه أسلحة قبل ارتكابه جريمة القتل، وتصاعدت دعوات مؤيدي حجب هذه المنصة إلى إغلاقها وضمّها إلى بقية المنصات المحظورة.
وتحتل شعبية "إنستغرام" المرتبة الثانية بعد تطبيق "تيليغرام" في إيران، إذ يجذب 29.5 في المائة من إجمالي السكان البالغ عددهم 80 مليون نسمة، وفقاً لنتائج استطلاع مركز "إيسبا"، خلال شهر مارس/ آذار الماضي.
ودعا آخرون إلى فرض رقابة أكثر على العالم الافتراضي، فقال وزير الداخلية الإيراني، عبد الرضا رحماني فضلي، إن "أفضل الطرق هو فرض قيود هادفة على العالم الافتراضي، وأن يقوم الناس برقابة دائمة ودقيقة على نشر المواد والصور وكذلك إطلاع السلطات المعنية على المخالفات سريعاً". وأكد المرجع الديني حسين نوري همداني على ضرورة "توطين الإنترنت" في البلاد، محذراً من "آفات الفضاء الافتراضي".
في المقابل، دعا وزير الاتصالات، آذري جهرمي، إلى "ضرورة بحث جذور مثل هذه الأحداث"، قائلاً إن "الحرية والأمن هما من حقوق المواطنين. لقد حدثت جريمة وحشية وغير إنسانية، لكن من السذاجة ترك الأسباب كلها جانباً واختصارها بانتشار نبأ الجريمة على الشبكات الاجتماعية".
ولم يلق رد جهرمي استحساناً لدى المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري الذي قال ساخراً "لم أر الوزير لأشكره على ذلك"، متهماً إياه بالتقصير في تنفيذ مقررات المجلس الأعلى للعالم الافتراضي وعدم حماية شبكات التواصل الاجتماعي الداخلية "البديلة عن إنستغرام الجهنمي" وتقوية الشبكات الأجنبية.
وتساءل المدعي العام الإيراني عن عدم قيام وزارة الاتصالات بتأسيس فضاء افتراضي وطني، داعياً في الوقت نفسه الوزير جهرمي إلى مناظرة تلفزيونية مع خبير يعيّنه الادعاء العام لبحث القضايا المتعلقة بالعالم الافتراضي.
تغريدة محرضة؟
لم تتوقف ملابسات هذا الحادث على العالم الافتراضي عند ما سبق ذكره، إذ أثارت تغريدة للممثلة الإيرانية الشهيرة مهناز أفشار، نشرتها قبله بيومين عبر حسابها الرسمي على "تويتر"، جدلاً في البلاد، بعدما ربطت وسائل إعلام محافظة بينها وبين مقتل رجل الدين الهمداني، لدرجة اتهمتها بالتحريض على الجريمة.
وفي تغريدتها، انتقدت أفشار تغريدة منسوبة لرجل دين يدعى سيد مصطفى حجازي، تضمنت فتوى تدعو النساء الإيرانيات إلى زواج المتعة من عناصر قوات "الحشد الشعبي" العراقي الذين دخلوا البلاد لمساعدة منكوبي السيول في محافظة خوزستان جنوب غرب البلاد، ثم تبين لاحقاً أن الحساب مزيف، فأعادت نسب الصورة المرفقة بالفتوى إلى رجل دين آخر، يدعى غفار درياباري، من محافظة مازندران شمال إيران.
وقال درياباري لوكالة "فارس" الإيرانية إنه لم يكن يملك حساباً على "تويتر" قبل سرقة صورته، واستخدامها في حساب مزيف باسم شخص آخر، لكنه اضطر إلى إنشاء حساب ليعلن أن لا صلة له بالفتوى المنشورة، منتقداً في الوقت نفسه الممثلة أفشار لإعادة نشرها تغريدة حساب انتحل شخصيته، بحسب قوله.
وشنّت وسائل إعلام محافظة، في مقدمتها "فارس"، وبعض مستخدمي شبكات التواصل في إيران هجوماً عنيفاً على أفشار عبر إطلاق وسم "#محاکمه_مهناز_افشار". ولم تتوقف تلك الحملات حتى بعد مسح أفشار التغريدة "المسيئة" وتقديم الاعتذار.
وقد استدعتها السلطة القضائية، يوم الأربعاء الماضي، بعد إصدار مذكرة بتوقيفها، بناء على شكوى تقدم بها رجل الدين درياباري الذي اتهمها بـ "تشويش الرأي العام" و"نشر الأكاذيب". لكن أعلن محامي الممثلة، عبد الصمد خرمشاهي، يوم الجمعة الماضي، أن موكلته "في زيارة خارج البلاد وفور عودتها ستراجع السلطات القضائية".