ما زال صدى تمديد المحادثات النووية بين إيران والسداسية الدولية لسبعة أشهر أخرى، يتردد في الداخل الإيراني، فبين منتقد متحفظ على هذا القرار ومشجع له تتأرجح وجهات نظر التيارات السياسية.
التيار المحافظ بطيفه اليميني المتشدد، لم يكن موافقاً بالأساس على سياسة الدبلوماسية المطلقة التي اتّبعتها حكومة الرئيس حسن روحاني، وعلى الرغم من أنه لم يقف بصرامة في وجه المحادثات، لكنه توقف عدة مرات على تفاصيل تتعلق بسياسات الوفد المفاوض الذي يقوده وزير الخارجية محمد جواد ظريف.
وقرر المحافظون إعطاء الوفد المفاوض وروحاني فرصة للملمة البلاد التي أثقلتها العقوبات، وفتح المجال لإنعاش الاقتصاد المرهق بعد ثماني سنوات من تشدّد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ولكنهم في الوقت نفسه، وإن اعتبروا أن اتفاق جنيف الموقّع في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي هو إنجاز، لكنهم لم يروا في تمديده الأسبوع الفائت إلا مماطلة غربية لعدم منح إيران فرصة مواصلة نشاطها النووي خلال فترة تعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المائة، وهو شرط استمرار التفاوض بالدرجة الأولى.
كما أن هؤلاء رفضوا مد اليد للولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، باعتبارها عدواً تاريخياً، فكلما لاح في الأفق أن روحاني يقترب من واشنطن كشّر هؤلاء عن أنيابهم ووقفوا بصرامة بوجه أي تحرك، فلم يجدوا أيضاً في اجتماعات ظريف الثنائية بنظيره الأميركي جون كيري في فيينا أي فائدة، في الوقت الذي من المفترض أن تجري فيه المحادثات مع الدول الست.
أما معتدلو المحافظين وحتى الإصلاحيين، فقد رأوا أن تمديد المفاوضات يُشكلّ نجاحاً لسياسة الفريق المفاوض، وأنه يعني أن الغرب بات مقتنعاً بضرورة عدم نسف الحوار من الأساس أو فرض المزيد من العقوبات على البلاد.
وكلما زادت المسافة بين تصريحات هذا الطرف أو ذاك، يخرج المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي ليمسك العصا من الوسط، فيطلق تصريحاً تكرره من بعده الشخصيات في الدائرة المقربة منه، ومنها رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، الذي يدير أكبر مؤسسة في البلاد، والتي يسيطر عليها المحافظون ويكثر فيها الجدل السياسي عادة الذي قد يصل إلى استدعاء أي وزير من الحكومة ومساءلته، وحتى عزله من منصبه بموجب الدستور.
وأعلن خامنئي أخيراً أنه يقف مع خيار التمديد، ومع المفاوضات، كما أشاد بجهود الوفد المفاوض، معتبراً أنه حفظ كل الخطوط الحمراء التي تم تحديدها في وقت سابق، وتتعلق أساساً بالاحتفاظ بحق التخصيب، وعدم تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي، فضلاً عن الإصرار على إلغاء العقوبات، وهذه الملفات هي بالفعل التي لم يتم الاتفاق حولها مع الغرب وهو ما أدى لعدم توقيع اتفاق حتى اللحظة.
في الوقت نفسه، كان لتصريحات خامنئي التي ألقاها بمناسبة أسبوع قوات التعبئة (البسيج) والموجّهة لواشنطن نفساً معتدلاً وسطياً كذلك، فقد قال إن بلاده لا تعادي أميركا ولا شعبها، ولكنها في الوقت نفسه ترفض السياسات التي تعمل على فرض الضغط على إيران وعزلها دولياً، معتبراً أن توقيع الاتفاق سيكون لمصلحة الولايات المتحدة، كما أن عدم توقيعه لن يضر إيران.
وتكمن المشكلة في إسرائيل، إذ ترفض طهران أن تمنح ضمانات نووية لتحقيق الأمن الاسرائيلي وهو ما قاله خامنئي صراحة، ويُعدّ المراقبون هذا الأمر عقبة أساسية في عدم التوصل لاتفاق، فالولايات المتحدة، التي تحابي اللوبي الصهيوني، لا تستطيع أن تمنح إيران امتيازات كبرى لهذا السبب أولاً، ولسيطرة الجمهوريين المتشددين على الكونغرس الأميركي ثانياً.
ولكن يبقى للملف النووي وللتقارب الإيراني الأميركي أبعاد أخرى، فبعد تصريح خامنئي كرر لاريجاني كلامه مراراً، واعتبر أن التمديد أمر عقلاني، في وقت ما زالت فيه خلافات عديدة قائمة على الطاولة.
ورأى إمام الجمعة في طهران محمد إمامي كاشاني، أن جولة المحادثات الأخيرة بين إيران والدول الست في فيينا تؤكد، أن الدول الكبرى ستضطر لمجاراة إيران في النهاية، ولن تستطيع تركيعها، مشيراً إلى أن فتوى المرشد الأعلى التي تُحرّم إنتاج واستخدام السلاح النووي كفيلة بتبديد القلق الغربي.
ويسعى صنّاع القرار من رأس الهرم في إيران لإحداث تقارب داخلي بداية في وجهات النظر، لكي يقف الجميع مع الوفد المفاوض ولا يعرقلوا مسار المحادثات داخلياً، وإمساك العصا من الوسط بهذه الطريقة قد يخفّف من الضغط على روحاني وعلى فريقه، ويمنع صقور المحافظين من التربص له.
ولكن من جهة ثانية قد يحمل هذا الأمر بين طياته تهدئة على الصعيد الخارجي وليس الداخلي فحسب كما يقول البعض، فإيران التي تريد الخروج من شرنقة العقوبات، تريد أيضاً أن تستعيد دورها الإقليمي بعد تراجع شعبيتها في المنطقة بسبب مواقف اتخذتها من احتجاجات الربيع العربي.
وقد يكون النووي بوابة لتحقيق هذا الأمر حسب بعضهم، وربما يكون التقارب الإيراني الأميركي والتعاون الثنائي في حلحلة بعض قضايا المنطقة طريقاً أيضاً وفق البعض الآخر.
وعلى الرغم من بقاء المواقف الإيرانية العلنية التي ترفض الرضوخ للسياسات الأميركية، إلا أن ظهور الوسيط العماني على الساحة من جديد، وزيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي لطهران قبل جولة المحادثات الأخيرة بيومين، يشي بسيناريوهات تَقارب محتمل خلف الكواليس، وهو ما توقّعه العديد من المراقبين للساحة الإيرانية، الذين لا يرون أن التقارب سينهي العداوة الإيرانية التاريخية للشيطان الأكبر، ولكنه سيكون على الأقل على شكل تعاون مصالح مشتركة قد تتجلى بما بات يُعرف بالحرب على الإرهاب في المنطقة.