إذ كشفت مصادر، لـ"العربي الجديد"، أنّ إيطاليا تحضّر "اجتماع روما" للردّ على "اجتماع باريس"، وأنّ القاهرة متفقة مع روما تحديدًا حول نقطة موعد الانتخابات، التي أقرّها اجتماع باريس.
وفيما يظهر الخلاف بين المعسكرين الفرنسي والإيطالي حول موعد الانتخابات، بدا واضحاً ركون رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، إلى الجانب الأميركي، بعد رغبة الأخير في إيجاد الاستقرار في البلاد.
وكانت تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبه كونتي، الخميس الماضي، التي هاجم فيها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بشأن استحالة إجراء انتخابات في ليبيا نهاية العام الجاري، بحسب المبادرة الفرنسية، استمرارا للتصريحات الإيطالية المهاجمة للسياسة الفرنسية.
ولعل أبرز تصريح إيطالي جاء على لسان وزيرة الدفاع، إليزابيتا ترينتا، مطلع يوليو/تموز الجاري، التي وجّهت فيها تحذيرا لفرنسا، قائلة "القيادة في ليبيا لنا"، رغم تكهّن مراقبين للشأن الليبي من أن انخراط واشنطن في الملف الليبي مؤخرا عبر تعيين القائمة بالأعمال في السفارة الأميركية في طرابلس، ستيفاني ويليامز، في منصب نائب الممثل الخاص للشؤون السياسية في بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، قد فرمل ذلك الخلاف، لكن فيما يبدو أن عودة التحذيرات الإيطالية يزيد من غموض مواقف هاتين الدولتين ومواقف واشنطن أيضا.
دفعة أكبر لمبادرة باريس
وفيما يستعد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، للقاء مسؤولين في طرابلس وبنغازي لإعطاء مبادرة باريس دفعة أكبر، كشفت مصادر مقربة من برلمان طبرق استعداد روما لعقد لقاء دولي حول ليبيا، نهاية أكتوبر المقبل، لمناقشة عديد القضايا الليبية، ومن بينها الانتخابات المقترحة نهاية هذا العام.
ويلتقي وزير الخارجية الفرنسي، الإثنين المقبل، في طرابلس وبنغازي، عدة شخصيات ليبية قيادية، بهدف التحاور مع الأطراف الليبية وإقناعها بإجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري، وفق مبادرة باريس المعلن عنها نهاية مايو الماضي.
وأوضحت الخارجية الفرنسية أن لودريان سيلتقي رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، وعددا من قادة مدينة مصراته، ورئيس مفوضية الانتخابات، عماد السائح.
ومن غير الخافي أن هذه الزيارة تؤشر إلى زيادة وتيرة انخراط باريس في الملف الليبي بشكل أكبر، بعد أن سجلت عدة نقاط أفشلت فيها مساعي إيطاليا بالتواجد جنوب ليبيا وتوسيع دائرة تأثيرها في الملف الليبي للإمساك بزمامه.
ردّ إيطالي على المبادرة الفرنسية
لكن روما، في ذات الوقت، تعمل على إقناع المجتمع الدولي بعدم جدوى مبادرة باريس لحل الأزمة الليبية، فقد أشار رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبه كونتي، خلال ذات التصريحات الخميس الماضي، إلى عزم بلاده على تنظيم لقاء دولي بمشاركة عربية ودولية واسعة، مشيرًا إلى أن الجنرال حفتر من المدعوين للقاء، في خطوة أشبه ما تكون ردًّا على اجتماع باريس.
وبحسب ما أفاد مصدر من برلمان طبرق، لـ"العربي الجديد"، فإنّ اللقاء المرتقب سينعقد في روما، نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لبحث سبل مساعدة ليبيا في إنهاء أزمتها.
وقال المصدر إن "مسؤولين إيطاليين كانوا رفقة وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، في زيارته الأخيرة للقاهرة، بحثوا مع مسؤولين مصريين تفاصيل اللقاء"، موضحا أن القاهرة بدت متفقة مع روما حول استحالة عقد انتخابات في ليبيا نهاية العام الجاري، متابعا أن "القاهرة فيما يبدو لم تكن راضية عن المدد الزمنية التي قررتها مبادرة فرنسا لإجراء الانتخابات"، مؤكدا أن ذات الأطراف الليبية التي شاركت في لقاء باريس ستشارك في لقاء روما.
وإن بدا أن الصراع الإيطالي الفرنسي قد تراجع في الآونة الأخيرة، إلا أن حالة الحنق التي تعيشها روما إثر قرار النيجر (البلد المجاور لليبيا والمتاخم لمنطقة "غات" التي كانت إيطاليا تعتزم إنشاء وجود عسكري لها فيها)، إبعاد أربعين عسكريّاً إيطاليّاً عن أراضيه مقابل الإبقاء على الجنود الفرنسيين، وضع حداً لرغبة إيطاليا في التواجد في تلك المنطقة، مما أثار موجة استياء كبيرة اتهم خلالها ساسة إيطاليون فرنسا بمحاصرة مصالحها في ليبيا، واختطاف أي فرصة تمكّنها من الإمساك بزمام المبادرة في ذلك البلد، مشيرين إلى أن قرار النيجر جاء متزامنا مع قرار تونسي يمنع الإيطاليين من الانتشار على أراضيها، من خلال رفضها الانضمام إلى قيادة عسكرية مشتركة مع حلف شمال الأطلسي، مما يشي بتحريض فرنسي لتونس.
استقواء السراج بواشنطن
وبين فرنسا وإيطاليا، يبدو أن حكومة الوفاق، الطرف الأقوى في طرابلس وغرب البلاد، فضلت الركون إلى ظل واشنطن، التي عادت إلى الملف الليبي مؤخرا، لمعرفتها أن الصراع الفرنسي الإيطالي لا يعدو أن يكون واحدا من الصراعات الأوروبية التي تسعى إلى الهيمنة على ثروات ليبيا.
رئيس الحكومة، فائز السراج، بدت تصريحاته ومواقفه مؤخرا في غاية التحول، فبعد أن وجّه تهما بشكل ضمني لدولتي الإمارات ومصر بخرق قرار مجلس الأمن لحظر الأسلحة عن ليبيا، خلال كلمته في لقائه مع سفراء الدول الكبرى في تونس، الأربعاء الماضي، انقلب بشكل مفاجئ على مساعي أوروبا التي تقودها إيطاليا بشأن إنشاء منصات إنزال في ليبيا للمهاجرين غير الشرعيين.
وأعلن السراج، أمس الجمعة، خلال لقاء أجرته معه صحيفة بيلد الألمانية، عن رفضه قرار أوروبا بشأن إنشاء مراكز لإيواء المهاجرين في بلده، مؤكدا أن حكومته لن "تخضع للإغراء المالي الذي ستقدمه أوروبا في هذا الشأن"، مطالباً أوروبا، في لهجة حازمة، بـ"ضرورة وضع خطة دولية لحل أزمة المهاجرين ومعالجتها من دول المصدر الأفريقية".
تحوّل مواقف السراج، التي بدت عليها القوة، يبدو أنها جاءت بعد قرار واشنطن، حليفه العسكري الأول في حروبه ضد تنظيم "داعش" في سرت عام 2016، الانخراط في الملف الليبي، بعد أن مرت عليه فترات سابقة كان مضطرا خلالها إلى مسايرة القوى العربية والأوروبية، بل ذهب أكثر إلى اتهام تلك القوى بأنها "من عوامل عرقلة العملية السياسية في البلاد".
وإن لم تخفِ واشنطن سبب اتجاهها مجددا لليبيا، لا سيما اهتمامها بتحييد النفط من دائرة الصراع الليبي ورفع نسب إنتاجه بشكل أكبر لمواجهة النقص في إنتاج نفط الخليج العربي بسبب توتر العلاقة مع إيران وتداعياتها، إلا أن السراج من الواضح أن تصريحاته المنقلبة على الجميع يستمد القوة فيها من تأكيد الولايات المتحدة على جديتها في ضرورة إعادة الاستقرار لليبيا وقدرتها على لجم تهديدات الدول الأوروبية التي لم تزد مواقفها الرسمية من حكومته عن حد الوعود بدعمه ومحاولة استثمارها للحفاظ على مصالحها في البلاد.