وتكشف مصادر دبلوماسية لـ"العربي الجديد"، عن اتفاق مصري ــ إيطالي رفيع المستوى لتطوير التعاون الاستخباراتي بين البلدين في ما يتعلق بليبيا تحديداً، باعتبار أن مصر هي الجارة الأقوى أمنياً ومخابراتياً وعسكرياً لليبيا. كما أن علاقات مصر بإيطاليا تمتاز بالتطور منذ تولي السيسي الحكم، إذ قامت روما بدور أساسي في الترويج له داخل المجتمع الأوروبي، بعدما قدّم لها عروضاً أمنية مميزة في مجال مساعدتها في التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية، وتشديد الرقابة على السواحل المصرية والليبية، على حدّ تعبير هذه المصادر.
وتتوقع المصادر الدبلوماسية ذاتها، أن يزور وفد مخابراتي وعسكري إيطالي القاهرة قريباً، للتباحث بشأن تشكيل دائرة مخابراتية مشتركة، يتبادل فيها الطرفان المعلومات عما يحدث داخل ليبيا، لا سيما في ظل تعدّد التيارات السياسية والمليشيات العسكرية هناك، وكذلك قوة علاقة مصر أمنياً ببعض هذه التيارات. وتشير هذه المصادر إلى أنّ "القاهرة اقترحت على الجانب الإيطالي الدخول معها على خط مبادرة السيسي بسحب الأسلحة من المليشيات والقبائل، والتي بدأت تنفيذها المخابرات المصرية من خلال اجتماعات عقدتها مع بعض ممثلي التيارات والقبائل الليبية في القاهرة على مدار العامين الماضيين. وبدأ هذا التحرك منذ التقارب الاستثنائي بين نظام السيسي ومن خلفه السعودية، والإمارات، ومليشيا اللواء خليفة حفتر، وحكومة عبدالله الثني.
على صعيد متصل، قال وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، باولو جينتيلوني، أمس الثلاثاء، إنّ بلاده "مستعدة للتعاون في أي عملية عسكرية في ليبيا إذا ما لزم الأمر". ونقل التلفزيون الإيطالي الحكومي عن جينتيلوني قوله إنّ "ما ذكرته وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير لاين، قبل يومين، عن إمكانية إرسال بلادها قوات إلى ليبيا، يعكس النقاش الدائر منذ أسبوع بين الدول الحليفة بشأن هذه البلاد"، مشيراً إلى أنّه "إذا كانت المبادرة ستأتي من ألمانيا فإيطاليا ستكون مسرورة". وأضاف الوزير الإيطالي، "نحن بحاجة إلى خطوة أبعد، وهذا ما نبحثه في الوقت الراهن مع ولادة حكومة ليبية قادرة على مخاطبة المجتمع الدولي". واعتبر أن "قرار المجلس الرئاسي الليبي، تشكيل حكومة الوفاق الوطني بعد ليلة من المفاوضات، يعد خطوة إلى الأمام في وضع لا يزال هشّاً".
ورحّبت القاهرة بتشكيل حكومة الوفاق الوطني الليبية، معتبرة أنّها "خطوة مهمة". ودعا المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، في بيان له، جميع الأطراف الليبية إلى الاستمرار في "بناء التوافق الوطني، ونبذ الخلافات، والتوحد وراء جهود مكافحة الإرهاب، واستعادة الاستقرار والسلام إلى بلادهم".
ويبدو أنّ السيسي يعمل على استغلال الفراغ العربي الحالي تجاه الأزمة الليبية لتصدير صورته لإيطاليا وأوروبا كالدولة الأكثر اهتماماً بليبيا، والأقدر على التواصل بتياراتها ومليشياتها، خصوصاً أنّ الاهتمام العربي والخليجي تحديداً بليبيا قد تراجع بشدة خلال العام المنصرم. وانشغلت السعودية بالتدخل العسكري في اليمن ثم بالأزمات الدبلوماسية مع إيران، فضلاً عن التنسيق لمواجهة تنظيم "داعش" في سورية والعراق.
اقرأ أيضاً: خارطة التدخل العسكري في ليبيا: "منطقة خضراء" وقرار دولي
ويركّز السيسي على أهمية الحفاظ على استقرار ليبيا، لذلك ارتأى في بداية حكمه التعاون مع الطرف الأقوى عسكرياً في ميدان القتال، من غير المنتمين للتيارات الإسلامية. وكان يتفق في ذلك مع الرؤية الإماراتية الثابتة حتى الآن والسعودية في عهد العاهل الراحل، الملك عبدالله بن عبدالعزيز. كما كان الرئيس المصري الحالي يروّج أن تكون ليبيا أحد الميادين الأساسية لعمل القوات العربية المشتركة التي كان يرغب في إنشائها بواسطة جامعة الدول العربية، وتوجيهها نحو الإرهاب والجماعات الإرهابية، وكان الخلاف حول تعريف هذه الجماعات أحد أسباب تعثُّر تأسيسها.
وأدى تراجع الاهتمام الخليجي إلى تنامي فرصة السيسي في الإمساك بزمام المبادرة في ليبيا، وبتطوير العلاقة مع إيطاليا، وبالاتفاق الأخير الذي كشفت عنه المصادر الدبلوماسية للتعاون الاستخباراتي. وبات الطريق مُمَهّداً أمام الرئيس المصري للقيام بدور أكبر في ليبيا، وإنْ كان من خلال التمهيد المعلوماتي والأمني لمرحلة التدخل العسكري الأوروبي، والتي تسعى إيطاليا أن تكون ممثلة لأكبر عدد من الدول الأوروبية فيه.
وعن فرص مشاركة مصر في هذا التحالف، يؤكد مصدر أمني مصري لـ"العربي الجديد"، أنّه "لا يوجد ما يمنع مبدئياً لدى دائرة اتخاذ القرار من المشاركة في أي تحالف دولي للتدخل في ليبيا". ويستدرك حديثه بالقول، "لكن على أن تقتصر المشاركة على سلاح الطيران، والقوات البحرية، وسلاح حرس الحدود، بالإضافة إلى قوات الصاعقة والمظلات، من دون أن يشمل هذا أياً من صور التدخل البرّي".
ويضيف المصدر الأمني، أنّ "الدولة المصرية لا تتردد في المشاركة في عمليات إرساء السلام ومحاربة الإرهاب (قاصداً بذلك الجماعات التكفيرية) في أي مكان، وخصوصاً في مناطق عمقها الاستراتيجي مثل اليمن وليبيا، وإنْ كانت تفضّل أن تكون التحالفات في هذا السياق عربية بالكامل أو تضم أغلبية عربية".
ويكشف المصدر المصري ذاته، عن أنّ "مصر ستكون حريصة على أن يصبح التدخل العسكري هو الحلّ الأخير للقضاء على الإرهابيين في ليبيا، إذا فشلت مبادرتها بتجريد المليشيات من الأسلحة". ويبرر المصدر ذلك، بأنّه "ليس من مصلحة مصر أن تكون محاطة ببؤر من عدم الاستقرار والتدخلات العسكرية. كما أن تشديد الضغط بصورة غير محسوبة على الداخل الليبي، قد يحمّل مصر العبء الأكبر في مواجهة تدفقات إرهابية غير محسوبة وغير مقدّرة الأعداد عبر الحدود الممتدة بين البلدين".
ويعتبر المصدر أنّ "هناك عقبة أصبحت دائرة الحكم تضعها في حسبانها قبل التفكير في إرسال القوات إلى خارج الحدود، تكمن في وجود مجلس نواب مصري غير متجانس، ومن الصعوبة التحكم به وفرض موقف موحّد عليه، خصوصاً إذا ارتبط الأمر بعمليات عسكرية خارج البلاد". ويشير المصدر إلى أن "هذا الواقع، سيدفع السيسي للتفكير مراراً قبل الإقدام على هذه الخطوة. لذلك، فإنّ المرحلة الحالية ستقتصر فقط على التعاون الاستخباراتي".
اقرأ أيضاً: بطولات السيسي الوهمية.. صناعة المجد الزائف