استعار الأمويون القوس والمنارة والبرج والمدخل (القنطرة) كمفردات أساسية من التراث البيزنطي الذي دامت فنونه وعمارته في شرق المتوسط لقرون، في محاولة منهم لتقديم نموذجهم الأول في العمارة، الذي يمثّل امتداداً لمن سبقهم ويعكس في الوقت نفسه تصوراتهم ومعتقداتهم الدينية.
شكّلت تلك المرحلة تعبيراً عن تأثر المعمار الإسلامي وتفاعله مع الحضارات السابقة، حيث حافظوا على الأشكال الهندسية المعقّدة على الجداريات والفسيفاء كموزاييك ظهر منذ الإغريق يجمع عناصر صغيرة لتُنشئ مشهداً كلياً يوازي تنظيراتهم الفلسفية، مع انزياح لدى المسلمين نحو التجريد في مساحات عديدة.
"ديونيسيوس في الحمّام: ديمومة الثقافة الهلنستية في الخلافة الأموية" عنوان المحاضرة التي يلقيها عالم الآثار والمعماري الإسباني الدكتور إيغناثيو أرثي عند السادسة من مساء الثلاثاء المقبل، التاسع عشر من الشهر الجاري، في "معهد ثربانتيس" بعمّان.
يأتي عنوان المحاضرة من الإشارة إلى نقش ديونيسيوس؛ إله الخمر والجنون والفرح لدى قدماء اليونان، والذي اكتُشف في قصر الحلابات أو ما يسمّى"حمّام الصرح" الذي شيّده الأمويون في القرن الثامن الميلادي ويقع شمالي شرق العاصمة الأردنية حالياً قرب قصر عمرة الذي يُعدّ أشهر هذه القصور.
يتحدّث المحاضر حول أثر الثقافة الهلنستية اليونانية في الخلافة الأموية والحضارات التي تعاقبت على القصور الصحراوية التي بناها الأمويون، وأهمها حضارة اليونان والرومان والأثر الذي تركته تلك الحضارات على هذا المعالم التاريخية.
يتطرّق أرثي، أيضاً، إلى جدران القصر التي نُقشت عليها رسوم عديدة تمثّل مشاهد من رحلات الصيد والحيوانات التي وُجدت في المنطقة في تلك الحقبة، ومنها الأسود والنمور والغزلان والنعام، وتشبه في بنائها الحمامات الرومانية واليونانية من حيث شكلها ومكوناتها.
وتم تنفيذ الرسوم بإنشاء طبقة من الجص، وأُنجزت فوقها الرسوم المراد تنفيذها بالألوان المائية، وقد استخدم اللون الأزرق والبني الغامق والبني الفاتح والأصفر الداكن والأخضر اللازوردي، وتعبّر الرسومات عن أنشطة عديدة مثل عزف الموسيقي أو التأمل في السماء، إلى جانب لوحات تمثّل مراحل الحياة، وفي جميعها تختلط مؤثرات إسلامية مع عناصر مسيحية وأخرى وثنية.