21 فبراير 2018
ابني صار داعشيّاً؟
جاءني صوتها مخنوقاً عبر الهاتف، لم تستطع أن تقاوم رغبة في البكاء. ابنها (25 عاماً) قتل في سورية، وهو يتصور أنه يجاهد مع داعش ضد أعداء البغدادي، كتائب الجيش الحر.. ما دخله؟ كيف غسلوا ذهنه، حتى خرج من حضن العائلة إلى الحرب؟ حاولت أن أهدئ الأم المكلومة التي تريد أن تتقاسم قصتها مع أمهاتٍ أخريات، حتى ينقذن أبناءهن من مصيرٍ مماثل. طلبت منها حكي القصة، فقالت: شاب متعلم، كان على أبواب الزواج، أسرته متوسطة الحال. الأب كان مناضلاً في حزب الاستقلال المغربي، يحلم بوطن حر مستقل وتقدم، تصور أن هذه الأهداف ستتحقق، بمجرد خروج آخر جندي من المغرب، لكن سنوات الاستقلال أصابت الأب بالإحباط. الأم تشتغل في التعليم العمومي، وبما أنها تعرف أعطابه دفعت بابنها إلى التعليم الأجنبي. كبر الابن في أسرة من ثلاثة إخوة، هو أصغرهم. درس في مدارس البعثة الإسبانية، وحصل على عمل مع شركة دولية. لم تكن أسرته بعيدة عن التدين المغربي الوسطي، ولا كانت تظهر عليه علامات التشدد. كان مقبلاً على الحياة، مولعاً بتكنولوجيا التواصل الحديثة. كان يقضي ساعات أمام "النت" وعالمه الافتراضي. لم تفطن الأسرة إلى أن الابن خرج من العالم الواقعي، وانخرط في عالم الجهاد العالمي، حيث الصورة والفيديو يلعبان لعبتهما.
لم يُستقطب إلياس إلى داعش عن طريق المسجد أو الخلايا النائمة أو الاتصال المباشر بشيوخ أو دعاة أو مقاتلين. جرى اصطياده من وراء الشاشة في الشبكة العنكبوتية، حيث يشتغل جهاديو "النت" في "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت الأرض الحقيقية للمعركة. هنا، جرى غسل دماغه، أولاً بعرض فيديوهات معاناة السوريين ضحايا بربرية الأسد، في محاولة لإثارة مشاعر إنسانية طبيعية، ثم عرض "معاناة أهل السنة مع عصابات الشيعة"، ومنها إلى محاربة أميركا والغرب الكافر الذي يحتقر المسلمين، ويحتل أرضهم ويستبيح خيراتهم. ما الحل؟ إنه مبايعة البغدادي، والانتماء إلى الخلافة الإسلامية، ثم الجهاد والموت في سبيل الله، والذهاب إلى الجنة، مباشرة بلا حساب ولا عقاب ولا سؤال! هكذا وجد إلياس نفسه في طائرة تركية إلى إسطنبول، ومنها إلى الحدود السورية، وبقية القصة معروفة. غاب أسابيع، بعدها هاتف أمه: أنا في العراق، جندي أقاتل من أجل العقيدة. .. أية عقيدة تدفع شاباً إلى المحرقة في معركةٍ، لا يعرف عنها إلا الشعارات العاطفية. كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ لا جواب. الابن خرج من عالم ودخل عالماً آخر، وبعد أشهر، قُتل في ظروف لا يعلمها أحد.
ليس الفقراء وحدهم من ينتمون إلى داعش هناك، فهناك شباب متعلم في مدارس الغرب، يرتمي بلا عقل في أحضان الحركات الأصولية المتطرفة، يحلم بالبطولة والانتماء إلى مشروع يتصوره كبيراً. ولأن المشروع القومي مات أو يكاد، ولأن المشروع اليساري هرم أو يكاد، ولأن المشروع الإسلامي انتكس أو يكاد، ولأن المشروع الديمقراطي أجهض أو يكاد، توهم إلياس أنه وجد الحل، وعثر على البديل.
شباب الخمسينات والستينات والسبعينات في المغرب، والعالم العربي، كان مشدوداً إلى مشاريع وأهداف كبرى، مثل الوحدة العربية وتحرير فلسطين وثورة العمال والفلاحين. اليوم، الشباب ضائعون في زحمة انهيار المشاريع الكبرى، وحتى ربيعهم الديمقراطي الذي كان واعداً تكالبت عليه قوى الثورة المضادة. لهذا، ينزلق بعضهم، بسرعة، إلى مشروع انتحاري، صنعه الكبار، ويموت من أجله الصغار. لم يقرأ هؤلاء كتاباً عن الإسلام أو الجهاد، ولم يعرفوا شيئاً عن فقه الحرب وفقه السياسة. مع ذلك، وضعوا أرواحهم فوق أكفّهم، وسافروا إلى أرضٍ ليست أرضهم، وماتوا، أو أوشكوا على الموت، لأنهم لم يفكروا في فهم العالم قبل تغييره، ولا اهتموا بفك تعقيداته، قبل الدخول إليه.
لم يُستقطب إلياس إلى داعش عن طريق المسجد أو الخلايا النائمة أو الاتصال المباشر بشيوخ أو دعاة أو مقاتلين. جرى اصطياده من وراء الشاشة في الشبكة العنكبوتية، حيث يشتغل جهاديو "النت" في "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت الأرض الحقيقية للمعركة. هنا، جرى غسل دماغه، أولاً بعرض فيديوهات معاناة السوريين ضحايا بربرية الأسد، في محاولة لإثارة مشاعر إنسانية طبيعية، ثم عرض "معاناة أهل السنة مع عصابات الشيعة"، ومنها إلى محاربة أميركا والغرب الكافر الذي يحتقر المسلمين، ويحتل أرضهم ويستبيح خيراتهم. ما الحل؟ إنه مبايعة البغدادي، والانتماء إلى الخلافة الإسلامية، ثم الجهاد والموت في سبيل الله، والذهاب إلى الجنة، مباشرة بلا حساب ولا عقاب ولا سؤال! هكذا وجد إلياس نفسه في طائرة تركية إلى إسطنبول، ومنها إلى الحدود السورية، وبقية القصة معروفة. غاب أسابيع، بعدها هاتف أمه: أنا في العراق، جندي أقاتل من أجل العقيدة. .. أية عقيدة تدفع شاباً إلى المحرقة في معركةٍ، لا يعرف عنها إلا الشعارات العاطفية. كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ لا جواب. الابن خرج من عالم ودخل عالماً آخر، وبعد أشهر، قُتل في ظروف لا يعلمها أحد.
ليس الفقراء وحدهم من ينتمون إلى داعش هناك، فهناك شباب متعلم في مدارس الغرب، يرتمي بلا عقل في أحضان الحركات الأصولية المتطرفة، يحلم بالبطولة والانتماء إلى مشروع يتصوره كبيراً. ولأن المشروع القومي مات أو يكاد، ولأن المشروع اليساري هرم أو يكاد، ولأن المشروع الإسلامي انتكس أو يكاد، ولأن المشروع الديمقراطي أجهض أو يكاد، توهم إلياس أنه وجد الحل، وعثر على البديل.
شباب الخمسينات والستينات والسبعينات في المغرب، والعالم العربي، كان مشدوداً إلى مشاريع وأهداف كبرى، مثل الوحدة العربية وتحرير فلسطين وثورة العمال والفلاحين. اليوم، الشباب ضائعون في زحمة انهيار المشاريع الكبرى، وحتى ربيعهم الديمقراطي الذي كان واعداً تكالبت عليه قوى الثورة المضادة. لهذا، ينزلق بعضهم، بسرعة، إلى مشروع انتحاري، صنعه الكبار، ويموت من أجله الصغار. لم يقرأ هؤلاء كتاباً عن الإسلام أو الجهاد، ولم يعرفوا شيئاً عن فقه الحرب وفقه السياسة. مع ذلك، وضعوا أرواحهم فوق أكفّهم، وسافروا إلى أرضٍ ليست أرضهم، وماتوا، أو أوشكوا على الموت، لأنهم لم يفكروا في فهم العالم قبل تغييره، ولا اهتموا بفك تعقيداته، قبل الدخول إليه.