اعتاد التونسيون في مستهل شهر مايو/أيار من كل عام، أن يتابعوا خطاب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة التاريخية الكبرى والأكثر تأثيراً في الحياة السياسية والاجتماعية منذ عقود. وتزايد الاهتمام في السنوات الأخيرة بهذا الخطاب، مع الملفات الكثيرة التي أصبحت تشغل بال التونسيين، خصوصاً أن الاتحاد أصبح رقماً لا يمكن تجاوزه في القرارات السياسية المصيرية التي تهم عموم التونسيين، بعد أن أدار بنفسه مفاوضات الحوار الوطني التي قادت إلى كتابة الدستور وانتخابات 2014 والأهم أنها جنّبت التونسيين خيار المواجهة والعنف. وشكّل الاتحاد باستمرار الجهة التي لا يمكن التغاضي عن مشاورتها في وضع البرامج وتركيبة الحكومات أيضاً.
ولم يختلف الأمر كثيراً خلال السنوات التي أعقبت تلك الانتخابات، إذ بقي الاتحاد شريكاً مزعجاً لكل الحكومات المتعاقبة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي لم تنقشع سحبها وتزايد الضغط على الطبقة العاملة. ومع حكومة يوسف الشاهد بدا كأن الأمر مختلف عما سبق، إذ عبّرت قيادة الاتحاد مرات كثيرة عن دعمها له، غير أن الأمر تغيّر بسرعة لافتة في الأشهر الأخيرة بسبب خلافات جوهرية بين الطرفين، أهمها ما يسميه الاتحاد بالأيادي المرتعشة والانصياع التام لصندوق النقد الدولي، وأصبح الاتحاد يطالب صراحة بإبعاد الشاهد أو إدخال تغييرات مهمة في الحكومة على الأقل.
غير أن اتحاد الشغل مر خلال الأيام الأخيرة بأزمة حقيقية حاول التقليل من حدتها ظاهرياً، وانتهى بالاعتراف بوجودها، إذ تسبّبت نقابة التعليم الثانوي المنضوية تحت لوائه في امتعاض عموم التونسيين بسبب إضراباتها المتواصلة وحجب أعداد التلاميذ قبل تعليق الدروس. ومع بلوغ العام الدراسي نهايته، لعبت الحكومة على هذا العامل الزمني وعلى أهمية التعليم بالنسبة للأسر التونسية، ورفضت التفاوض مع النقابيين، إلى أن قررت القيادة المركزية لاتحاد الشغل تعليق قرارات نقابة التعليم وتقديم الأعداد وعودة الدروس. ولكن نقابة التعليم رفضت ذلك في البداية ثم قبلت عودة الدروس ومواصلة حجب الأعداد، لتسلم في الأخير بقرار القيادة المركزية بعد ضغوط كبيرة وتقرر أن تسلّم الأعداد أيضاً.
وأمام هذا المسلسل الطويل الذي عاشه التونسيون خلال الأيام الماضية، تبيّن أن هناك خلافات واضحة داخل المنظمة النقابية كان لا بد من حسمها وإعادة ترتيب البيت النقابي من الداخل، خصوصاً أن مفاوضات مهمة ستنطلق هذا الأسبوع حول ظروف المدرّسين والزيادة في الأجور وغيرها من الملفات الهامة الأخرى التي يدور عدد منها في مفاوضات وثيقة قرطاج، ولا يمكن للاتحاد أن تكون له الكلمة العليا إذا لم يكن قوياً ومتماسكاً من الداخل، خصوصاً أن هناك من يبحث عن إضعافه وإضعاف الحكومة معه.
اقــرأ أيضاً
ويبدو أن الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، قد استشعر هذا الأمر وأعلن عن قرار شجاع وصريح بإعادة ترتيب بيت الاتحاد، إذ شدد على أن هذا الأسبوع "سيطبق القانون بحذافيره لتنظيف الاتحاد، وستكون المرحلة المقبلة مرحلة فرز وتنظيف". وأوضح الطبوبي في لقاء نقابي في منطقة الحمامات، أن إصلاح الاتحاد من الداخل أصبح ضرورة ملحّة وأن الحكومة لن تنجح في اختراق الاتحاد والتآمر عليه، لا سيما أنه يمثل خطراً على القرارات التي يمليها صندوق النقد الدولي على الحكومة، على حد قوله. وشدد على أن المنظمة ستبقى صمام أمان للشعب التونسي وستواصل النضال من أجل استحقاقات تجعل من تونس دولة ديمقراطية.
وفي إشارة إلى أن الحكومة، وجهات سياسية أخرى، تلعب على تناقضات الاتحاد الداخلية وتحاول إرباكه من خلال دفعه إلى مواجهة مباشرة مع التونسيين، قال الطبوبي "أردتم للاتحاد أن يكون في معركة مع شعبنا فسحبنا من تحتكم البساط... أردتم للاتحاد أزمة داخلية فسحبنا من تحتكم البساط... تآمرتم على الاتحاد فسحبنا من تحتكم البساط"، مؤكدا أن "الاتحاد نجح في كل مرة في تجاوز كل المؤامرات الدنيئة لخلق أزمة داخلية صلبه".
ولكن خطاب الطبوبي حمل إشارات قوية وخطيرة بمحاولة الحكومة اختراق منظمته وتأليب القيادة النقابية في ما بينها، إذ قال: "حاولتم التآمر على الاتحاد حتى بعد المؤتمر العام واستمالة بعض القيادات السابقة، لكن لم تنجحوا في ذلك لأنهم ليسوا مثل الانتهازيين الذين تراهنون عليهم اليوم وتغدقون عليهم الأموال". ويحمل هذا التصريح الخطير اتهاماً واضحاً بأن قيادات نقابية ترتشي، محاولة ضرب الاتحاد من الداخل.
وسخر الطبوبي من بعض الجهات التي اعتبرت أن الحكومة انتصرت على الاتحاد في أزمة التعليم الثانوي الأخيرة، ووجّه سهام نقده للنائب عن حركة "النهضة" حسين الجزيري، مخاطباً إياه مباشرة "عن أيّ انتصار تتحدّث أيّها الغبيّ أنت وحكومتك"؟ معتبراً أنه "من الخزي والعار أن يتحدث بتلك اللهجة عن المربين والمربيات والحال أنه ينتمي لحزب سياسي كبير"، مضيفا": "مرحباً بك أنت وحكومتك وسنعطيك الجواب الحقيقي... لقد اخطأت العنوان وما قمت به غباء ومراهقة سياسية وبرهنت عن كرهك للاتحاد وللطبقة الشغيلة... من يستهدف مناضلينا سيتحمّل مسؤوليته". ويعرف الطبوبي أن موقف الجزيري ليس موقف "النهضة" ككل، إذ أعربت الحركة في موقف رسمي عن دعمها لقرار الاتحاد التراجع عن الإضراب وتسليم الأعداد، في حين يتردد أن الجزيري هو أحد الداعمين لرئيس الحكومة يوسف الشاهد ويعمل على إيجاد حزام سياسي له في البرلمان وحتى داخل "النهضة".
ويبدو أن توجيه الطبوبي لهذا الخطاب بهذه الحدة يشمل كل الداعمين للشاهد، بما يوحي بأن المعركة أصبحت على الأبواب، ولكنها تنتظر أن يترتب البيت النقابي أولاً. وسيكون خطاب اليوم الثلاثاء حاملاً لرسائل مهمة في كل الاتجاهات، ونحو كل الأطراف، وخصوصاً تلك التي تحرك الخيوط وتتخفى من هذه المواجهة، وتستفيد منها بالخصوص.
غير أن اتحاد الشغل مر خلال الأيام الأخيرة بأزمة حقيقية حاول التقليل من حدتها ظاهرياً، وانتهى بالاعتراف بوجودها، إذ تسبّبت نقابة التعليم الثانوي المنضوية تحت لوائه في امتعاض عموم التونسيين بسبب إضراباتها المتواصلة وحجب أعداد التلاميذ قبل تعليق الدروس. ومع بلوغ العام الدراسي نهايته، لعبت الحكومة على هذا العامل الزمني وعلى أهمية التعليم بالنسبة للأسر التونسية، ورفضت التفاوض مع النقابيين، إلى أن قررت القيادة المركزية لاتحاد الشغل تعليق قرارات نقابة التعليم وتقديم الأعداد وعودة الدروس. ولكن نقابة التعليم رفضت ذلك في البداية ثم قبلت عودة الدروس ومواصلة حجب الأعداد، لتسلم في الأخير بقرار القيادة المركزية بعد ضغوط كبيرة وتقرر أن تسلّم الأعداد أيضاً.
وأمام هذا المسلسل الطويل الذي عاشه التونسيون خلال الأيام الماضية، تبيّن أن هناك خلافات واضحة داخل المنظمة النقابية كان لا بد من حسمها وإعادة ترتيب البيت النقابي من الداخل، خصوصاً أن مفاوضات مهمة ستنطلق هذا الأسبوع حول ظروف المدرّسين والزيادة في الأجور وغيرها من الملفات الهامة الأخرى التي يدور عدد منها في مفاوضات وثيقة قرطاج، ولا يمكن للاتحاد أن تكون له الكلمة العليا إذا لم يكن قوياً ومتماسكاً من الداخل، خصوصاً أن هناك من يبحث عن إضعافه وإضعاف الحكومة معه.
ويبدو أن الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، قد استشعر هذا الأمر وأعلن عن قرار شجاع وصريح بإعادة ترتيب بيت الاتحاد، إذ شدد على أن هذا الأسبوع "سيطبق القانون بحذافيره لتنظيف الاتحاد، وستكون المرحلة المقبلة مرحلة فرز وتنظيف". وأوضح الطبوبي في لقاء نقابي في منطقة الحمامات، أن إصلاح الاتحاد من الداخل أصبح ضرورة ملحّة وأن الحكومة لن تنجح في اختراق الاتحاد والتآمر عليه، لا سيما أنه يمثل خطراً على القرارات التي يمليها صندوق النقد الدولي على الحكومة، على حد قوله. وشدد على أن المنظمة ستبقى صمام أمان للشعب التونسي وستواصل النضال من أجل استحقاقات تجعل من تونس دولة ديمقراطية.
وفي إشارة إلى أن الحكومة، وجهات سياسية أخرى، تلعب على تناقضات الاتحاد الداخلية وتحاول إرباكه من خلال دفعه إلى مواجهة مباشرة مع التونسيين، قال الطبوبي "أردتم للاتحاد أن يكون في معركة مع شعبنا فسحبنا من تحتكم البساط... أردتم للاتحاد أزمة داخلية فسحبنا من تحتكم البساط... تآمرتم على الاتحاد فسحبنا من تحتكم البساط"، مؤكدا أن "الاتحاد نجح في كل مرة في تجاوز كل المؤامرات الدنيئة لخلق أزمة داخلية صلبه".
ولكن خطاب الطبوبي حمل إشارات قوية وخطيرة بمحاولة الحكومة اختراق منظمته وتأليب القيادة النقابية في ما بينها، إذ قال: "حاولتم التآمر على الاتحاد حتى بعد المؤتمر العام واستمالة بعض القيادات السابقة، لكن لم تنجحوا في ذلك لأنهم ليسوا مثل الانتهازيين الذين تراهنون عليهم اليوم وتغدقون عليهم الأموال". ويحمل هذا التصريح الخطير اتهاماً واضحاً بأن قيادات نقابية ترتشي، محاولة ضرب الاتحاد من الداخل.
ويبدو أن توجيه الطبوبي لهذا الخطاب بهذه الحدة يشمل كل الداعمين للشاهد، بما يوحي بأن المعركة أصبحت على الأبواب، ولكنها تنتظر أن يترتب البيت النقابي أولاً. وسيكون خطاب اليوم الثلاثاء حاملاً لرسائل مهمة في كل الاتجاهات، ونحو كل الأطراف، وخصوصاً تلك التي تحرك الخيوط وتتخفى من هذه المواجهة، وتستفيد منها بالخصوص.