اتركوا لي بعضا من "كلوروكين"!
ديمة شريف
أتناول حبتين من دواء اسمه "دولكوين" يومياً. حبة صباحاً بعد الفطور وحبة مساءً بعد العشاء، تحتوي كل منها على 200 ملغرام من هيدروكسي كلوروكين. أحرص على أن يفصل بينهما اثنتا عشرة ساعة. تعليمات ونصائح مكتوبة بعناية على الورقة الصغيرة التي تُحشر داخل علب الأدوية ولا تلقى اهتمام أحد. أنا أقرأها بعناية.
كلما تناولت حبة، أهرع للخزانة الصغيرة في الحمام وأعدّ علب الدواء المتبقية. لدي ما يكفي لبضعة أشهر. لكني بت مقتنعة أن كورونا سيقتلني. أنا متأكدة من ذلك. لا، لن أصاب بكورونا، فأنا مختبئة في منزلي منذ شهر ولا أقابل أحد سوى قطة الجيران التي أحضرت لي عصفوراً ميتاً كهدية، ربما محاولة منها لتقول لي إنها تحبني وتقدر وضعي رغم حساسيتي تجاهها.
أصبحت لي نظرية حبكتها بعناية حول كورونا: ستزداد الإصابات وستقوم الدول والحكومات باحتكار كل ما تجده من هيدروكسي كلوروكين في الأسواق، وستعطيه لمرضى كورونا ولن أتمكن من إيجاد أي جرعة لي. هذا ما أفكر به كل اليوم. أصبح شغلي الشاغل، وأصبحت أترصد الفيروس لساعات طوال. أتابع عدد الوفيات وعدد المصابين والحالات التي شفيت.
أقول لنفسي: شفي أغلبية هؤلاء من دون هيدروكسي كلوروكين على الأرجح. هو لا يناسب الجميع أصلاً وآثاره الجانبية قد تقتل البعض.
يظهر ترامب على الشاشة ويبدأ برمي الكلام يمنة ويسرة عن العقار. يرتفع منسوب الهلع وأنا أتخيل الناس تهرع للصيدليات وتشتريه بكميات كبيرة تحسباً لإصابتها بكورونا. أنتقل لمشاهدة التلفزيون الفرنسي. مذيع النشرة يعلن أن حكومته أقرت استخدام العقار لمعالجة المصابين بكورونا. أطفئ التلفاز وأعود لهلعي.
أعتمد على هيدروكسي كلوروكين منذ حوالي السنة. هو موجود في ثلاث أدوية تجارية، لم أجد منها سوى دولكوين في الصيدليات اللبنانية حين بدأت بتناوله، وحيث يمكن شراءه من دون وصفة طبية، كما هو الحال في عدد من الدول. قضيت أسبوعاً وأنا أقرأ عن العقار واستخداماته قبل أن يصبح جزءاً من يومياتي. كان بالنسبة لطبيبي العلاج الأخير لتخفيف عوارض أمراض ضعف المناعة الذاتية التي أعاني منها. هيدروكسي كلوروكين يساعد في تخفيف عوارض داء الذئبة أو الـLupus ولكنه يفاقم بعض أعراض متلازمة شوغرن ويخفف بعضها الآخر، وأنا أعاني من الاثنين منذ بضع سنوات.
أمراض ضعف المناعة الذاتية تحدث نتيجة فشل الجهاز المناعي للجسم في التعرف على الأعضاء والأجزاء الداخلية الخاصة به فيتعامل معها كأنها غريبة عنه ويبدأ بمهاجمتها باستخدام خلايا المناعة والأجسام المناعية. أو هكذا يعرفها ويكيبيديا.
لكن بالنسبة لي، كمريضة، هي مجموعة أمراض مزمنة لا يمكن الشفاء منها ترافقني في يومياتي السعيدة والحزينة، لا ينفع معها أي دواء. لكن بعض العقارات تخفف من الأوجاع المرافقة لها ولا تخفيها بالكامل. هيدروكسي كلوروكين يساعد على كبح جماح جهاز المناعة الخاص بي ويؤدي إلى التخفيف من الوجع حين يهاجم الأنسجة في رقبتي وصدري وظهري. لا أزال اشعر بالألم لكنه أخف. تطلب الأمر تناول الدواء لمدة ستة أشهر حتى بدأ يعطي مفعولاً.
لكن دعوني أسديكم نصيحة من مجرِّب: لا تتناولوا الدواء إذا لم تكونوا بحاجة إليه. لا تهلعوا وتهرعوا لشرائه وتناوله عند ارتفاع حرارتكم اعتقاداً منكم أنّه سيساعدكم في الانتصار على كورونا. هيدروكسي كلوروكين يؤذي شبكة العين وقد يؤدي إلى اعتلال دائم بها. حين قرر طبيبي وصفه لي أرسلني إلى طبيب عيون وقمت بفحص شامل قبل نيل الموافقة على تناوله مشروطة باستخدام يومي لنوع معيّن من قطرات العيون لمحاولة حمايتها قدر الإمكان من الاعتلال.
صعوبة الرؤية ومشاكل القلب التي تصيب 1% من مستخدمي هيدروكسي كلوروكين تجعل تساقط الشعر وتزايد الشيب والغثيان والحساسية من الشمس وغيرها من عشرات الآثار الجانبية لتناوله تبدو ثانوية.
قد يبدو كلامي أنانياً ونرجسياً. لا تستخدموا هيدروكسي كلوروكين فأنا بحاجة إليه. الملايين غيري حول العالم لا يستطيعون العيش من دونه. يساعدهم على احتمال مرضهم الذي لن يشفوا منه. قد تصابون بكورونا وتشفون منها. قد لا تصابون بفيروسنا المستجد. قد يكون ما تعانون منه زكاماً عادياً. لم يثبت الدواء فعاليته على جميع المصابين بكورونا، لا تستخدموه إذا لم يصفه لكم طبيب.
أدرك أن كورونا حوّلني إلى شخص هَلِع. هلعت حين انتشر في الصين، ومن ثم حين وصل إلى إيران، وحين وصل إلى لبنان، وحين وصل إلى إيطاليا. اليوم أصبحت مصابة بوسواس كورونا أتوجس من تسلله إذا فتحت باب المنزل. في كل مرحلة انتشار جديدة كان يصيبني نوع جديد من الهلع. كنت خائفة من الإصابة به وأصبحت اليوم خائفة ممن يعتقدون أنّهم مصابون به.
كلما تناولت حبة، أهرع للخزانة الصغيرة في الحمام وأعدّ علب الدواء المتبقية. لدي ما يكفي لبضعة أشهر. لكني بت مقتنعة أن كورونا سيقتلني. أنا متأكدة من ذلك. لا، لن أصاب بكورونا، فأنا مختبئة في منزلي منذ شهر ولا أقابل أحد سوى قطة الجيران التي أحضرت لي عصفوراً ميتاً كهدية، ربما محاولة منها لتقول لي إنها تحبني وتقدر وضعي رغم حساسيتي تجاهها.
أصبحت لي نظرية حبكتها بعناية حول كورونا: ستزداد الإصابات وستقوم الدول والحكومات باحتكار كل ما تجده من هيدروكسي كلوروكين في الأسواق، وستعطيه لمرضى كورونا ولن أتمكن من إيجاد أي جرعة لي. هذا ما أفكر به كل اليوم. أصبح شغلي الشاغل، وأصبحت أترصد الفيروس لساعات طوال. أتابع عدد الوفيات وعدد المصابين والحالات التي شفيت.
أقول لنفسي: شفي أغلبية هؤلاء من دون هيدروكسي كلوروكين على الأرجح. هو لا يناسب الجميع أصلاً وآثاره الجانبية قد تقتل البعض.
يظهر ترامب على الشاشة ويبدأ برمي الكلام يمنة ويسرة عن العقار. يرتفع منسوب الهلع وأنا أتخيل الناس تهرع للصيدليات وتشتريه بكميات كبيرة تحسباً لإصابتها بكورونا. أنتقل لمشاهدة التلفزيون الفرنسي. مذيع النشرة يعلن أن حكومته أقرت استخدام العقار لمعالجة المصابين بكورونا. أطفئ التلفاز وأعود لهلعي.
أعتمد على هيدروكسي كلوروكين منذ حوالي السنة. هو موجود في ثلاث أدوية تجارية، لم أجد منها سوى دولكوين في الصيدليات اللبنانية حين بدأت بتناوله، وحيث يمكن شراءه من دون وصفة طبية، كما هو الحال في عدد من الدول. قضيت أسبوعاً وأنا أقرأ عن العقار واستخداماته قبل أن يصبح جزءاً من يومياتي. كان بالنسبة لطبيبي العلاج الأخير لتخفيف عوارض أمراض ضعف المناعة الذاتية التي أعاني منها. هيدروكسي كلوروكين يساعد في تخفيف عوارض داء الذئبة أو الـLupus ولكنه يفاقم بعض أعراض متلازمة شوغرن ويخفف بعضها الآخر، وأنا أعاني من الاثنين منذ بضع سنوات.
أمراض ضعف المناعة الذاتية تحدث نتيجة فشل الجهاز المناعي للجسم في التعرف على الأعضاء والأجزاء الداخلية الخاصة به فيتعامل معها كأنها غريبة عنه ويبدأ بمهاجمتها باستخدام خلايا المناعة والأجسام المناعية. أو هكذا يعرفها ويكيبيديا.
لكن بالنسبة لي، كمريضة، هي مجموعة أمراض مزمنة لا يمكن الشفاء منها ترافقني في يومياتي السعيدة والحزينة، لا ينفع معها أي دواء. لكن بعض العقارات تخفف من الأوجاع المرافقة لها ولا تخفيها بالكامل. هيدروكسي كلوروكين يساعد على كبح جماح جهاز المناعة الخاص بي ويؤدي إلى التخفيف من الوجع حين يهاجم الأنسجة في رقبتي وصدري وظهري. لا أزال اشعر بالألم لكنه أخف. تطلب الأمر تناول الدواء لمدة ستة أشهر حتى بدأ يعطي مفعولاً.
لكن دعوني أسديكم نصيحة من مجرِّب: لا تتناولوا الدواء إذا لم تكونوا بحاجة إليه. لا تهلعوا وتهرعوا لشرائه وتناوله عند ارتفاع حرارتكم اعتقاداً منكم أنّه سيساعدكم في الانتصار على كورونا. هيدروكسي كلوروكين يؤذي شبكة العين وقد يؤدي إلى اعتلال دائم بها. حين قرر طبيبي وصفه لي أرسلني إلى طبيب عيون وقمت بفحص شامل قبل نيل الموافقة على تناوله مشروطة باستخدام يومي لنوع معيّن من قطرات العيون لمحاولة حمايتها قدر الإمكان من الاعتلال.
صعوبة الرؤية ومشاكل القلب التي تصيب 1% من مستخدمي هيدروكسي كلوروكين تجعل تساقط الشعر وتزايد الشيب والغثيان والحساسية من الشمس وغيرها من عشرات الآثار الجانبية لتناوله تبدو ثانوية.
قد يبدو كلامي أنانياً ونرجسياً. لا تستخدموا هيدروكسي كلوروكين فأنا بحاجة إليه. الملايين غيري حول العالم لا يستطيعون العيش من دونه. يساعدهم على احتمال مرضهم الذي لن يشفوا منه. قد تصابون بكورونا وتشفون منها. قد لا تصابون بفيروسنا المستجد. قد يكون ما تعانون منه زكاماً عادياً. لم يثبت الدواء فعاليته على جميع المصابين بكورونا، لا تستخدموه إذا لم يصفه لكم طبيب.
أدرك أن كورونا حوّلني إلى شخص هَلِع. هلعت حين انتشر في الصين، ومن ثم حين وصل إلى إيران، وحين وصل إلى لبنان، وحين وصل إلى إيطاليا. اليوم أصبحت مصابة بوسواس كورونا أتوجس من تسلله إذا فتحت باب المنزل. في كل مرحلة انتشار جديدة كان يصيبني نوع جديد من الهلع. كنت خائفة من الإصابة به وأصبحت اليوم خائفة ممن يعتقدون أنّهم مصابون به.
دلالات