وكانت وسائل إعلام ليبية وسورية تداولت، أمس الأحد، تصريحات قالت إنها لوزير الاقتصاد في حكومة مجلس النواب التابعة لحفتر، شرق ليبيا، منير العصر، وتصريحات لوزير الاقتصاد السوري، محمد سامر الخليل، حول لقاء جمعهما في العاصمة السورية دمشق، يوم السبت الماضي، لمناقشة التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وقالت وكالة الأنباء الليبية التابعة لحكومة مجلس النواب، شرق ليبيا، إن "الوزيرين بحثا خلال الاجتماع التعاون الثنائي بين البلدين في المجال الاقتصادي، ووضع الخطط الاستراتيجية في هذا الخصوص"، ناقلةً عن عصر قوله إن "الاجتماع تمخض عنه فتح خط تجاري بين ليبيا وسورية لتسهيل شحن وتبادل البضائع والمنتجات التجارية بين البلدين"، مشيراً إلى أن هذا التعاون يأتي ضمن مساعي وزارة الاقتصاد الليبية لتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
لكن متابعين للشأن الليبي اختلفت آراؤهم حول هذا اللقاء اللافت، بين من اعتبر أنه مؤشرٌ على "فشل الحكومتين غير المعترف بهما دولياً"، وبين خبايا تجري من وراء هذا اللقاء، يقف وراءها حفتر.
وفي هذا الشأن، اعتبر المحلل السياسي الليبي جمعة بوسعدة، أن هذا اللقاء "الذي طبلت له وسائل إعلام حفتر، لا يعدو كونه إعلاناً عن الفشل الذريع لهذه الحكومة"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حكومتين سقطتا أخلاقياً تبحثان عن دعم لبعضهما، وتريدان القول إننا لا نزال موجودتين".
واعتبر بوسعدة أن "النجاحات التي حققتها حكومة الوفاق في طرابلس تدريجياً، أوصلت أخيراً إلى سحب البساط من تحت أقدام مسؤولي حكومة مجلس النواب في الشرق، فالكل شهد لجوء عمداء بلديات الشرق الليبي إلى لقاء مسؤولي حكومة الوفاق في طرابلس لطلب الدعم المالي وعدم التفاتهم إلى تهديدات الحاكم العسكري ومجلس النواب بمعاقبة كل من تواصل مع طرابلس". ولفت الخبير إلى أن ذهاب عميد بلدية طبرق، التي تستضيف مجلس النواب، وعميد بلدية البيضاء، حيث تتواجد حكومة النواب، إلى طرابلس، يعد مؤشراً كبيراً وواضحاً على سقوط هذه الحكومة واعترافاً بنهايتها.
وقال بوسعدة: "ذهاب وزير الاقتصاد إلى سورية هو بمثابة رسالة لمسؤولي عمداء بلديات الشرق الليبي مفادها أن حكومته تستطيع فعل شيء ما، وأنه بإمكانها حلحلة الوضع الاقتصادي الهش الذي تعاني منه مناطق شرق البلاد"، مؤكداً أنها "رسالة فاشلة"، وأن "هذه الحكومة، بذهابها إلى سورية، أصبحت غير مرحب بها في كل عواصم العالم، حتى في القاهرة وأبوظبي".
من جهته، لفت الخبير الأمني الليبي محيي الدين زكري، إلى إمكانية وجود جانب أمني تمهد له هذه الزيارة، قائلاً إن "حفتر لا يعلن عن توجهاته، لكن لنسأل لماذا سورية تحديداً، التي يحظى نظامها المنتهي بدعم روسيا اللامحدود، وهل يمكن الإجابة بالقول إنه يغازل موسكو لتمتين علاقته بها؟".
وأضاف زكري في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك الكثير مما يمكن قوله حول هذه الزيارة المشبوهة، فحفتر أقرب إلى أن يكون بشار الأسد الروسي في ليبيا، ويمكن أن يكون خط التبادل المعلن عنه هو لنقل أسلحة أو مقاتلين ليبيين مقبوض عليهم لدى نظام الأسد إلى سجون حفتر لاستخدامهم سياسياً".
وتساءل "ما الذي يمكن أن تقدمه حكومتا بشار والثني لبعضهما اقتصادياً، وكل من شرق ليبيا وسورية مدمران بشكلٍ شبه كامل، ولا يتوفر فيهما اقتصادٌ يمكن أن ينتج شيئاً أصلاً؟".
واعتبر زكري أن هناك رابطاً بين هذه الزيارة وبين نفي المتحدث باسم قوات حفتر، العميد أحمد المسماري، أمس الأحد، من دون أي مناسبة، وجود قاعدة روسية في طبرق، وذلك خلال حديث لتلفزيون مقرب من حفتر، مرجحاً أن يكون هناك تنسيق وراء ذلك من قبل موسكو أو القاهرة، لإيجاد وسيلة قانونية، كخط للتبادل التجاري، لنقل أسلحة لمعسكرات حفتر، أو لوصول معدات لتلك القاعدة الغامضة في شرق البلاد، التي لم يتبين حتى الآن موقعها الصحيح.
وأشار زكري إلى أن شخصيات مرموقة مقربة بشكل كبير من مسؤولي القاهرة، كالمليونير الليبي حسونة طاطاناكي، الداعم بشدة لحفتر، يمكن أن يكون ضالعاً في الأمر، فهو شريك في "مجلس رجال الأعمال" في بنغازي، الذي أعلن بالتوازي مع زيارة الوزير لسورية، عن تأسيس "مجلس رجال الأعمال الليبي السوري" لدعم خطط الوزيرين للتبادل التجاري.
وختم الخبير الأمني بالقول: "لا نفهم حقيقةً كيف يسعى رجال أعمال لديهم علاقات واسعة ونشاطات تجارية مع دول عديدة حول العالم، إلى التبادل التجاري مع بلد منهار، ويحتاج قبل أي بلد آخر للمساعدة؟!".