شهد المؤتمر العام لحزب العمال البريطاني، والذي تستضيفه مدينة برايتون، تجدد الجدل حول اتهام بعض أعضائه بمعاداة السامية، ما دفع قيادة الحزب إلى دعم مقترح لتعديل القانون الداخلي للحزب، بحيث تشدد العقوبات ضد خطاب الكراهية. في حين يرى بعضهم أن تهمة معاداة السامية محاولة لإطاحة زعيم الحزب، جيرمي كوربن، بسبب مواقفه من الاحتلال الإسرائيلي.
ورأى عدد من الشخصيات البارزة في الحزب، في الانتقادات الموجهة، مؤامرة ضد قيادته الحالية، ووسيلة للنيل من كوربن، والذي نجح خلال هذا المؤتمر في تثبيت موقعه في رئاسة الحزب وتوحيده.
واعتبر القيادي النقابي لين مكلوسكي أن المزاعم بمعاداة السامية التي تشوب المؤتمر محاولات "لإطاحة كوربن". وأضاف "لم أشهد أي اجتماع استخدمت فيه لغة معادية للسامية" خلال خمسين عاماً.
وكان مكلوسكي قد صرّح لشبكة "بي بي سي" بأن "الجميع يريدون أن يرسموا هذه الصورة أن قيادة كوربن أصبحت معادية للنساء، أو عنصرية، أو معادية للسامية، وهذا أمر غير صحيح".
أما المخرج الحائز على جوائز عالمية عدة، كين لوتش، فيشير إلى أن الهجمات ظهرت مع انتخاب كوربن لقيادة الحزب لكونه "يدعم الفلسطينيين وينتقد الظلم الذي يعيشونه".
وكان عمدة لندن السابق كين لفنغستون قد صرّح بأن الناس "تشوّه حجم معاداة السامية كلياً" في حزب العمال. وأضاف "بعض الأفراد قد تفوّهوا بتعليقات عدوانية؛ ولكن هذا لا يجعلهم معادين للسامية وكارهين لليهود، هم فقط ينتقدون إسرائيل بحماس".
وكانت اللجنة التنفيذية الوطنية لحزب العمال وكوربن قد دعما تعديلاً تقدمت به حركة العمال اليهودية. وينص التعديل على أن تقوم اللجنة التنفيذية الوطنية للحزب باتخاذ إجراءات بحق أي تمييز أو عداء قد يُبديه أحد أعضاء الحزب، ويشمل ذلك العداء للسامية، وأيضاً الإسلاموفوبيا والعنصرية وغيرها.
وجرى تمرير التعديل المقترح بدعم 96% من المصوّتين، وهو ما يمنح قيادة الحزب القدرة على مكافحة الخطاب المنادي بالكراهية بين أعضائه.
ولكن رافق التعديل لغط شديد بين قواعد الحزب، إذ يضرب وتراً حسّاساً في سمعة حزب العمال، ولطالما تعرض الحزب لانتقادات متكررة بسبب تصريحات معادية لليهود صدرت عن قياداته وناشطيه. على سبيل المثال، كان حزب العمال قد طرد اليساري المتطرف جيري داوننغ من الحزب لمطالبته بمعالجة "المسألة اليهودية". كذلك خضعّ لفنغستون لإجراءات تأديبية على خلفية تصريحات له اعتبرت معادية للسامية.
كذلك شهد المؤتمر الحالي للحزب جدلاً واسعاً بعد أن قام الكاتب الإسرائيلي الأميركي، ميكو بيليد، خلال مداخلة له في إحدى الورشات الفرعية في المؤتمر، بانتقاد دولة إسرائيل، إذ قال إن "الأمر يتعلق بحرية التعبير، حرية الانتقاد ومناقشة أي أمر كان، سواء كان الهولوكوست: نعم أم لا، فلسطين، التحرير. يجب ألا تكون هناك حدود للنقاش".
وأضاف: "يتعلق الأمر بحدود الحرية: لا نقوم باستضافة النازيين ونعطيهم ساعة ليشرحوا لماذا هم على صواب. لا نستضيف عنصريي التفريق من جنوب أفريقيا ليشرحوا لماذا كان الأبارتهايد جيداً للسود. وبنفس الطريقة لا ندعو الصهاينة – الأمر ذاته".
وفي تعليق له على الجدل القائم حول مدى معاداة السامية في صفوف الحزب، يقول البروفسور في جامعة لندن بن غيدلي، وهو عضو في حزب العمال، لـ"العربي الجديد" إن هناك درجة من معاداة السامية في صفوف الحزب، وإن عدداً من قيادات الحزب ينكرون وجودها بدلاً من معالجتها.
ويلفت إلى أن نسبة من يحملون هذه الأفكار ضئيلة جداً في صفوف حزب بحجم حزب العمال، والذي تصل عضويته إلى نحو نصف مليون شخص. ويضيف أن هذه الانتقادات تأتي إما ضد الحزب وقيادته، وإما ضد الظاهرة بحد ذاتها.
ويرى غيدلي أن هناك من يستخدم هذه الادعاءات من اليمين السياسي البريطاني، مثل صحيفة "ديلي ميل"، لتقويض شعبية حزب العمال.
كما أن التيار الوسط في حزب العمال يستخدم هذه الاتهامات كوسيلة لانتقاد قيادة الحزب الحالية ذات التوجهات اليسارية.
ويعتبر غيدلي أيضاً أن اللغط يأتي من التزام حزب العمال بتعريف لمعاداة السامية تبناه التحالف الدولي لذكرى المحرقة، والذي في بعض من تفسيراته لا يفرق بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية.
إلى ذلك، أعلن كوربين خلال المؤتمر، أن حزبه أصبح "التيار السياسي الرئيسي" وبات جاهزا لتولي السلطة، عقب التقدم غير المتوقع الذي حققه في انتخابات يونيو/حزيران.
وقال إن "حزب العمال بات على عتبة السلطة. أصبحنا حكومة في الانتظار،" مضيفا أن حزبه "جاهز لبناء علاقة جديدة وتقدمية مع أوروبا".