اقرأ أيضاً: منظمة التحرير الفلسطينية أمام مقامرة
فقد كشف نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، تيسير قبعة، من عمّان، لـ"العربي الجديد"، في اتصال هاتفي، عن رفض هيئة رئاسة المجلس الوطني لاستقالات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي قدّمها رئيس المنظمة محمود عباس وعشرة آخرون من الأعضاء.
وقال قبعة "بما أن الاستقالات الإحدى عشرة رُفضت، إذاً ليس هناك داع لجلسة طارئة، واللوائح تقول إنه يحق للجنة التنفيذية دعوة المجلس الوطني بجلسة عادية، أو جلسة طارئة، إذا كان أكثر من الثلث مستقيل أو متوفٍ، وبما أن الاستقالات رفضت، سيُصار إلى عقد جلسة عادية".
تأتي تصريحات قبعة الأولى من نوعها، بعد يومين على تصريحات لرئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون، الذي أعلن صراحة عن توصله لتسوية (compromise حرفياً)، أو حلاً وسطاً، بعد محادثاته مع عضو اللجنة المركزية عزام الأحمد الذي كلّفه الرئيس الفلسطيني بمتابعة ملف عقد دورة طارئة للمجلس الوطني، وبعض الفصائل.
ويبدو مصطلح "تسوية" هو الأكثر شيوعاً وتردّداً من قبل طيف واسع من أعضاء اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني، الذين يجمعون على أنّ الهدف من دعوة (أبو مازن) للمجلس الوطني للانعقاد بعد نحو عشرين عاماً على آخر انعقاد له عام 1996 بعد إجراء انتخابات وتعيينات، رغم كل المنعطفات الحادة التي مرت بها القضية الفلسطينية، هو التخلّص من بعض الأشخاص في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وفي مقدّمتهم ياسر عبد ربه.
اقرأ أيضاً: عبد ربه يحذر من تغيير دور المجلس الوطني الفلسطيني
لكن قبعة شدّد على رفضه لأي "تسوية"، قائلاً "أنا كنائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، لن أقبل بأي تسوية على اللوائح وقانون المجلس الوطني الفلسطيني".
وكانت مصادر عليمة قد أكّدت لـ"العربي الجديد"، أنّ "التسوية التي توصل إليها أبو مازن مع الزعنون، تقضي بأن يوافق الأخير على إعادة انتخاب وتعيين أعضاء اللجنة التنفيذية الـ18 مقابل بقاء الزعنون في منصبه رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني".
وأضافت المصادر، التي طلبت عدم نشر اسمها، أنّه "كان هناك تحرك يقوده الأحمد بين الفصائل الفلسطينية للقيام بتسوية تضمن له الترشح والفوز بمنصب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، لكن عباس لن يضحي بموازين القوى التي يمثلها الزعنون في هذه المرحلة الحرجة، لذلك سانده في البقاء بمنصبه، على أن تتم إعادة هندسة اللجنة التنفيذية بحسب ما يريد عباس".
ويستحوذ موضوع إقالة أعضاء اللجنة التنفيذية الذين لم يستقيلوا على جزء كبير من حوار السياسيين الفلسطينيين، وفيما يبدو الدفاع حتى الآن ناعماً، ومتسلحاً فقط ببنود قانون المجلس الوطني الفلسطيني الذي كررت المادة 14 منه "كلمة ملء الشواغر" أكثر من مرّة، لدرجة أن عضو اللجنة التنفيذية عن "الجبهة الديمقراطية" تيسير خالد، الذي رفض الاستقالة نزولاً عند رغبة عباس، قد نشر نص المادة 14 على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في دلالة على أن ما يروج عن إقالة من لم يستقِل من اللجنة التنفيذية أمر غير قانوني.
وفي هذ السياق، يقول قبعة "هناك بند تشكيل لجنة تنفيذية جديدة في الجلسة العادية، أي انتخاب لجنة من 18 عضواً، وهي تنتخب الرئيس، أي أن الأعضاء استقالوا أم لم يستقيلوا تنتهي مدتهم حسب هذا البند"، ولم يوضح قبعة لـ"العربي الجديد"، رقم البند القانوني الذي اعتمد عليه. وقال "أما في الجلسة الاستثنائية فقط، فيتم استبدال المستقيلين. وبما أن المجلس رفض استقالة المستقيلين لم يعد هناك مبرر لعقد جلسة طارئة".
وحول إن كانت الدورة العادية تتضمن انتخاب هيئة مكتب جديد لرئاسة المجلس الوطني، قال "عندما يجتمع المجلس يكون سيد نفسه، ينتخب أم لا، هو سيد نفسه".
وإلى جانب السجال القانوني المحتدم، حول التحايل على قانون المجلس الوطني، ورغبة أبو مازن بإخضاع ولَيّ رقبة القانون كي يتخلّص ممّن لا يريد من اللجنة التنفيذية، وهو ما تسبب بموجة سخرية، إذ قال أحد أعضاء المجلس الوطني ساخراً "سنطلق على دورة المجلس الوطني دورة الشهيد ياسر عبد ربه". وظهر سجال آخر لا يقل سخونة، تمحور حول الاهتراء الكبير الذي أصاب المجلس الوطني، الذي لم يعد قادراً بتركيبته الحالية على القيام بواجبه كبرلمان للشعب الفلسطيني، أي الجهة المسؤولة عن انتخاب وتعيين حكومة الشعب الفلسطيني أي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
ويرى مراقبون أنّ مسألة ضخ دماء جديدة وصيانة شرعية منظمة التحرير هي مجرد "كليشهات"، إذ يقوم أبو مازن حالياً بمحاولة لصيانة شرعية آيلة للسقوط بسبب ترهّلها وقِدمها، أي منظمة التحرير، عبر الاستعانة بشرعيات لمؤسسات متهالكة مثل المجلس الوطني، الذي عقد آخر اجتماعاته وتم رفده بالأعضاء عام 1996، وكانت الانتخابات والتعيينات أقرب إلى المجاملات و"تسوية" الحسابات، كما أرادها في حينه الرئيس الراحل ياسر عرفات.
واليوم تعاد السيناريوهات نفسها، وبهدف "إنقاذ اللجنة التنفيذية"، كما قال الزعنون، سيعاد انتخاب أعضاء في عقدهم الثامن مثل أبو مازن، فيما يبلغ أصغر الأعضاء سنّاً (60 عاماً)، مثل صائب عريقات.
وأكد قبعة "نعلم أن تركيبة المجلس فيها خلل كبير، لذلك سندعو خلال الدورة القادمة في منتصف سبتمبر/ أيلول، إلى انتخاب مجلس وطني جديد على أسس جديدة، يكون مكوّناً من 350 عضواً، يتم انتخابهم من الشعب مباشرة، عبر قوائم التمثيل النسبي".
وقد يبدو أن المجلس الوطني مكوّن من طيف سياسي وشعبي واسع من الشعب الفلسطيني عن بُعد، لكن عن قُرب تتبدّد الصورة لتكون الغالبية لحركة "فتح"، ولبعض الفصائل السياسية المعروفة بوزنها "الصفري" في الشارع الفلسطيني، فضلاً عن المؤسسات والاتحادات والتنظيمات الشعبية والنقابات، التي تسيطر "فتح"على مفاصلها بشكل قاطع. بل إنّ هناك لجاناً مختصة تقوم بحصر أسماء أعضاء النقابات الذين لا ينتخبون "فتح" أو يقاطعون الانتخابات النقابية في نقاباتهم، لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم لاحقاً ما بين ترهيب وترغيب.
وتقول القيادية في "الجبهة الديمقراطية" وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، ماجدة المصري، "يتكوّن المجلس الوطني من كوتة من الفصائل الفلسطينية، وكوتة للاتحادات الشعبية والتنظيمات والنقابات، المنضوية تحت لواء منظمة التحرير، فضلاً عن المستقلين".
وبحسب المصري "فقد آن الأوان لإعادة ترتيب لمجلس الوطني وعضويته السابقة". وتضيف "لقد طرحت (الجبهة الديمقراطية) وعدد من فصائل اليسار اقتراحات لإعادة تطوير بنيته كمجلس وطني جامع لكل المكون الفلسطيني، وعلى هذا الأساسي يجب تشكيل الإطار القيادي المكوّن من الأمناء العامين للفصائل بمن فيهم حركتا "حماس" و"الجهاد" واللجنة التنفيذية، ورئاسة المجلس الوطني، وتكون مهمتهم الرئيسية إعادة بناء المجلس الوطني والتحضير للانتخابات، وحينما لا توجد إمكانية لعقد انتخابات يكون هناك توافق لمعالجة الموضوع".