قدّمت المعارضة السورية لوزراء خارجية في مجموعة "أصدقاء سورية"، الذين يعقدون اجتماعات في العاصمة البريطانية لندن، رؤية وضعتها للحل السياسي الدائم في البلاد، وذلك في محاولة جديدة من المعارضة، للتأكيد على أنّ الحل السياسي خيارها الاستراتيجي لصون وحدة البلاد، ولدفع المجموعة الدولية لممارسة المزيد من الضغط على النظام، لتمهيد الطريق مجدداً أمام العودة إلى تفاوض يفضي إلى اتفاق دائم.
وأوضح مصدر في الائتلاف الوطني لـ"العربي الجديد"، أنّ "المعارضة السورية تعوّل على اجتماع لندن في التسويق لرؤيتها للحل السياسي في البلاد التي تتعرض لعمليات استباحة ممنهجة من قبل النظام وحلفائه الروس والإيرانيين".
كما اعتبر أنّ "أمام المجتمع الدولي الفرصة ربما الأخيرة للمساعدة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سورية، وذلك عبر الدفع مجدداً نحو عقد جولة جديدة من المفاوضات على أساس القرارات التي اصدرها هذا المجتمع، ومنها القرار 2254 الداعي إلى تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات من دون الرئيس السوري بشار الأسد".
وأقرّت الهيئة العليا للمفاوضات وثيقة "الإطار التنفيذي للعملية السياسية"، إثر اجتماعات عقدتها الجمعة والسبت الماضيين، في مقرها بالعاصمة السعودية الرياض، وتتضمن رؤيتها للحل، وستقدمها لاجتماع مجموعة "أصدقاء سورية" في لندن.
وأكّدت الوثيقة أنّ الحل السياسي "هو الخيار الاستراتيجي الأول" الذي تعتمده المعارضة السورية، على أن "يحقق تطلعات شعبنا الطامح لنيل حريته وصون كرامته، ووفق بيان جنيف واحد والقرارات 2118 و2254، القاضية بإنشاء هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، لا وجود ولا دور للأسد، ومن اقترف الجرائم بحق الشعب السوري بدءا من المرحلة الانتقالية".
كما شددت الوثيقة على ضرورة "التمسك بوحدة الأرض والشعب في سورية، وضمان حقوق جميع الأقليات الدينية والعرقية في البلاد"، متناولةً "بنوداً تفصيلية لمرحلة انتقالية"، من المفترض أن "تبدأ بإنشاء هيئة حكم انتقالية تستمر ثمانية عشر شهراً، لا وجود للأسد وأركان حكمه فيها، تحمي وحدة البلاد، وتصون الدولة ومؤسساتها، وتعزز مبادئ الحرية والمساواة والمواطنة، وتتضمن مجلساً عسكرياً يضم ممثلين من المعارضة وجيش النظام ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء".
وبحسب الوثيقة فإنّ "هيئة الحكم الانتقالية سيكون بإمكانها أن تطلب من المجتمع الدولي المساعدة في محاربة المجموعات الطائفية والإرهابية على الأرض السورية"، على أن "يرافق الإعلان عن بدء المرحلة الانتقالية، تبني مجلس الأمن لقرار ملزمٍ بوقف الأنشطة العسكرية في البلاد، يُستثنى منه قتال المجموعات التي يحددها القرار".
وفي هذا السياق، لفتت مصادر في المعارضة السورية إلى أنّ "الوثيقة تتناول جملة من القضايا التي تمهد الطريق أمام تحقيق حياة سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية سليمة، إذ اهتمت بقضايا النازحين واللاجئين والمفصولين تعسفياً من أعمالهم". وأضافت أنّ "الوثيقة تدعو إلى إطلاق حوار وطني، تطبيق مبادئ المحاسبة، معالجة الأزمة الاقتصادية، صياغة دستور للبلاد ينص على حرية الإعلام، الفصل بين السلطات، وتحييد الجيش عن الحياة السياسية.
من جهته، أبدى المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، تفاؤلاً حذراً إزاء اجتماعات لندن، وقبول مجموعة أصدقاء سورية بالوثيقة التي ستقدمها المعارضة، قائلاً "لا بد من أن نجد من يهتم من أصدقائنا".
وأوضح لـ"العربي الجديد" أنّه "لا يستبعد أن يكون هناك لبعضهم رؤى مختلفة"، مضيفاً أنّ المعارضة تعرف ما تريد، وتملك رؤيتها الواضحة لمستقبل سورية". ورداً على سؤال حول جدوى هذه الاجتماعات في ظل تباين رؤى الروس والأميركيين بشأن الحل في سورية، قال نعسان آغا "لن نحكم على الاجتماعات بالفشل مسبقاً، علينا تقديم رؤيتنا على كل حال".
إلى ذلك، اعتبر مراقبون أنّ "اجتماع لندن لن يُحدث اختراقاً كبيراً في الجدار السميك الذي يفصل بين رؤيتين للحل في سورية. الأولى، رؤية النظام المدعوم من روسيا وإيران، والتي لا تعطي المعارضة السورية أكثر من "حكومة وحدة وطنية"، مع بقاء الأسد رئيساً بكامل صلاحياته، مع إمكانية وضع دستور جديد تجري على أساسه انتخابات نيابية ورئاسية يشارك فيها الأسد".
أما الرؤية الثانية، تتمثل بالمعارضة المدعومة دولياً من الولايات المتحدة، وإقليمياً من تركيا والسعودية وقطر، وتدعو إلى تنفيذ قرارات دولية ذات صلة تؤكد على أن الحل في سورية يقوم على تشكيل هيئة حكم مشتركة بين النظام والمعارضة كاملة الصلاحيات مع رحيل الأسد عن السلطة. إذ تتولى هذه الهيئة الصلاحيات التنفيذية، وتعمل على صون وحدة البلاد، وتهيئتها لمرحلة استقرار دائم من خلال وضع دستور جديد، وتشكيل مجلس عسكري مشترك يعمل على لملمة شتات سورية، ومحاربة التنظيمات الإرهابية التي لا تؤمن بحل سياسي، وطرد المليشيات الطائفية من البلاد".
وسُربّت مؤخراً، وثيقة حل وضعها الموفد الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، قريبة من رؤية المعارضة السورية، باستثناء بقاء الأسد بصلاحيات بروتوكولية حتى انتهاء المرحلة الانتقالية المحددة بثمانية عشر شهراً.
وأكّدت وثيقة دي ميستورا على أنّ هيئة الحكم الانتقالية يجب أن تكون على أساس "غير طائفي ولا تمييزي، وتتكون من ممثلين من الحكومة والمعارضة وممثلين للمجتمع المدني غير مرتبطين لا بالحكومة ولا بالمعارضة، وتمتلك منذ لحظة تأسيسها سلطة كاملة على جميع الشؤون العسكرية والأمنية، وتشرف على المجلس العسكري المشترك، وتضمن هيئة الحكم الانتقالي حماية جميع المواطنين، وإيصال المساعدات الإنسانية، وتدعو المجتمع الدولي للمساعدة في محاربة المنظمات الإرهابية".
كما تتضمن الوثيقة الكثير من التفاصيل المتعلقة برؤية الأمم المتحدة لحل نهائي في سورية، وإعادة بنائها اقتصادياً، مع المحافظة على مؤسسات الدولة وإصلاحها، بما في ذلك الجيش والقطاع الأمني والقضائي بما يضمن المهنية، وتعزيز التنوع، وإطلاق حوار وطني.
ويلعب مصير الأسد الدور الأهم في عرقلة التوصل إلى اتفاق دولي يُنهي المأساة السورية، إذ يرى الروس والإيرانيون أنّه الضامن لمصالحهما في البلاد، وخروجه من السلطة يعني بداية النهاية لنفوذهما في شرق المتوسط.
يذكر أنّ وفد المعارضة السورية المشارك في اجتماعات لندن، يضم المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، رئيس الائتلاف الوطني السوري، أنس العبدة، وكل من: الناطق باسم الهيئة، سالم المسلم، وعضوي وفد التفاوض سهير الأتاسي، وهند قبوات.
وأشارت مصادر في الائتلاف الوطني إلى أنّ الوفد سيجري العديد من اللقاءات على هامش لقاء وزراء خارجية دول أصدقاء سورية، منها لقاء مع وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، إذ من المفترض أن يقيم الطرفان مؤتمراً صحافياً عقب اللقاء، كما يلتقي وفد المعارضة السورية مع وزير الدولة لشؤون التنمية الدولية، ومع برلمانيين بريطانيين، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمات غير حكومية، ولقاء مع الجالية السورية في لندن.