تحولت مواقع التواصل إلى محرك أساسي للمسيرات والتظاهرات ووسيلة لنشر مختلف الآراء السياسية، وكان لموقعيْ "فيسبوك" و"تويتر" في تونس دور هام في تأجيج الاحتجاجات التي أسقطت نظام بن علي وغيرت المسار السياسي والاقتصادي والأمني في العالم. وفي زمن عزت فيه الكلمة الحرة، استطاعت هذه المواقع أن تكون منبراً للتّعبير عن الظلم والقهر على الرغم من الرقابة الشديدة التي كان نظام بن علي يفرضها على الناشطين فيها آنذاك.
أما خلال الاحتجاجات التي عرفتها مدينة القصرين بالشمال التونسي أخيراً، والتي تأججت بعد انتحار أحد الشبان المعطلين عن العمل، عادت الذاكرة بالجميع إلى أيام الاحتجاجات الأولى، واعتمد بعض التونسيين على مواقع التواصل للتعبير عن دعمهم لهذه التحركات، في حين دعا آخرون من خلالها للتهدئة والتريّث تخوفاً من اندساس المجموعات الإرهابية داخل المجموعات المحتجة.
اختلاف الآراء حول الاحتجاج خلق حالة من النقاش العام على أعمدة المواقع الاجتماعية بين مختلف الأطياف السياسية في تونس. وقد غذت التعليقات والاستطرادات هذا النقاش الذي وصلت حدّته في بعض الأحيان إلى تبادل الشتائم والتراشق بالاتهامات، غير أنه بقيَ حتى اللحظة متنفساً للتعبير بكل حرية على الرغم من الرقابة الذاتية والعامة.
اقرأ أيضاً: تضارب التصريحات الصحافية يقلق التونسيين
انقسم التفاعل التونسي على المواقع الاجتماعية مع الاحتجاجات الأخيرة إلى أربعة أنواع، بالإضافة إلى التفاعل مع أو ضد الاحتجاج بتقديم المبررات ومحاولة التأثير، اختار البعض النقل الصامت للأخبار الصادرة عن المواقع الإخبارية الالكترونية في حين اكتفى آخرون بنشر الأغاني الوطنية والحكم والأمثال الشعبية الداعية للتعقل والصبر. ولئن اختلفت التعبيرات فقد اشترك الجميع في التعامل بحساسية مع الوضع والخروج من منطق السلبية الأمر الذي يحسب لهم جميعاً في طريق البناء الحقيقي والواعي.
بين الدعم الغاضب للمحتجين والسخرية السوداء من أداء وتفاعل الحكومة مع الأحداث كتب مساندو المحتجين، وأغلبهم من المدونين والمنتمين للاتحاد العام التونسي للشغل وأحزاب الجبهة الشعبية، على "فيسبوك" وبنسبة أقل على "تويتر"، تدوينات تدعم الحراك الشبابي وتعترف بشرعيته وتحذر السلطات من المس بسلامة المحتجين الجسدية.
المدونة لينا بن مهني حولت صفحتها على "فيسبوك" إلى مصدر لنقل المعلومات الآنية الخاصة بتطور الاحتجاجات فإثر تعبيرها عن حق الأبناء جهة القصرين في الثورة على الأوضاع تحولت بن مهني إلى شاهد من مكان الحدث قامت بتصوير فيديوهات توثق شهادات لعائلات الشاب المنتحر وزملائه من العاطلين ونشرتها، فلاقت بدورها انتشاراً واسعاً لتعتمدها بعض وسائل الإعلام كفيديوهات رسمية. وتنقّلت بن مهني بين محافظة القصرين البعيدة عن العاصمة التونسية 300 كيلومتر وقامت بنقل صور الاحتجاجات ونشرها على صفحتها "بنية تونسية".
وتعرّضت لينا إلى حملة من قبل الرافضين لهذه التحركات وتمّ وصفها بالعميلة وقد ردت على هذه الاتهامات بالقول "أحاول فهم منطق بعض من يتهمونني بالعمالة و يقولون بأنّ هناك من يقف ورائي والغاية هي تدمير البلاد فأفشل في ذلك، هل في حمل آلة تصوير وتوثيق ما يحدث في مكان ما عمالة؟ " وأضافت: "أمس كنت في القصرين وقمت بتسجيل ما يحدث وتنزيله على فيسبوك مباشرة. لم أقم بأيّ تعديلات على الفيديوهات فلا الوقت ولا الظروف تسمح بذلك، نقلت شهادات عائلة المرحوم رضا اليحياوي وبعض الشباب المتواجد في المكان كما سجلتها تماماً، فأين العمالة في ذلك؟".
وعلى "فيسبوك" أيضاً كتبت الناشطة الشابة بالاتحاد العام التونسي للشغل وبحزب العمال فاتن حمدي تدوينة حذرت من خلالها ممن يريدون استغلال التحركات الاحتجاجية لتشويهها ودعت إلى الاحتجاج السلمي والمحافظة على مكاسب البلاد.
من جهة أخرى، سارع قياديون وناشطون بحزب نداء تونس الحاكم إلى نشر مقالات ورسائل ترهيب تؤكد جميعها وجود أطراف مندسة تعبث بعقول الشبان المحتجين وتستغلهم لنشر الفوضى من أجل مساعدة المجموعات الإرهابية في التسلل إلى داخل المدن التونسية. ولم يتمكن عدد من الناشطين في الحزب الحاكم من كبح جماح غضبهم ضد المحتجين فانهال بعضهم عليهم باتهامات التخوين والتشكيك في أهليتهم العلمية وفي جدارتهم بتحمل المسؤولية في حماية البلاد من التهديدات الخارجية. وقد نشر القيادي بحزب النداء رشاد الخياري على صفحته على "فيسبوك" خبراً عن وجود سيارات خلف المحتجين بالقصرين تقوم بتوزيع الأموال على المتظاهرين وتحرضهم على التخريب والنهب والسرقة، دون أن تثبت صحة هذا الخبر لاحقاً.
وفي خضم هذا الحراك على المواقع الاجتماعية بقي مساندو حركة النهضة حليف نداء تونس في الحكم في حيرة بين مساندة المحتجين أو تشويههم، فاختار بعض قيادييهم الصمت في حين عبر بعضهم عن اهتمامهم بكلمات خجولة عكست التردد والخوف من المحاسبة. وقد نشر موقع "الصدى" المعروف بانتماء مسيريه لحزب حركة النهضة مقالاً على "فيسبوك" يؤكد دعم ممثلة الحركة في البرلمان يمينة الزغلامي لفرضية توظيف الاحتجاجات الاجتماعية من طرف جهات سياسية تسعى لزعزعة استقرار البلاد.
وفي خضم انشغال شبكات التواصل بتداول الانقسامات، عادت الذاكرة بكُثر إلى ثورة يناير/كانون الثاني 2011 حيث أخذ المدونون والناشطون الإلكترونيون على عاتقهم واجب توثيق الأحداث من خلال التصوير والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي. الإعلامي والمدون أمان الله المنصوري تنقل هو الآخر إلى القصرين وقام بنقل شهادات وصور لما يحدث في المنطقة وقد تعرض ما نشره على صفحته إلى هجومات من قبل بعض الزائرين لصفحته متهمين إياه بتنفيذ أجندات سياسية معينة ، لكنه أجاب مؤكداً بأنه يقوم بدوره، بل قال أيضاً إنه سيعرض الكثير من الشهادات تباعاً على قناة "الزيتونة" في برنامج إخباري إيماناً منه بحق هؤلاء الشباب في التشغيل والخروج من مناطق التهميش المظلمة.
إلى جانب لينا بن مهني وأمان الله المنصوري عبّر العديد من المدونين منهم هيثم المكي وياسين العياري عن مساندتهم لهذه التحركات، هم يؤمنون حتى اليوم بأن الكلمة سلاح في مواجهة المتربصين بالبلاد. ويتعايش مدونو ثورة تونس مع الوضع الجديد المتجدد بكثير من الصبر والثبات، ولكن ببعض الخيبة أيضاً.
غير أن مواصلة المشوار في اعتماد التطور التكنولوجي في التعبير عن القهر والرفض يبدو أمراً محتوماً، على الرغم من الملاحقات والتضييقات التي تطاول معظمهم حتى اليوم. أما تحرّكات الأيام القليلة الماضية، فهي بالنسبة للمدوّنين صرخة في وادي النسيان، هم يأملون ألا يتناسى المسؤولون المطالب التي قامت عليها ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011، لأنها بحسب الناشطين مطالب مستمرة، حيث كان الشعار ولا يزال حتى اليوم: "شغل حرية كرامة وطنية"، فهل تحققت هذه المطالب؟
اقرأ أيضاً: أفغانستان: الاعتداءات على الصحافيين تهدد الحريات
أما خلال الاحتجاجات التي عرفتها مدينة القصرين بالشمال التونسي أخيراً، والتي تأججت بعد انتحار أحد الشبان المعطلين عن العمل، عادت الذاكرة بالجميع إلى أيام الاحتجاجات الأولى، واعتمد بعض التونسيين على مواقع التواصل للتعبير عن دعمهم لهذه التحركات، في حين دعا آخرون من خلالها للتهدئة والتريّث تخوفاً من اندساس المجموعات الإرهابية داخل المجموعات المحتجة.
اختلاف الآراء حول الاحتجاج خلق حالة من النقاش العام على أعمدة المواقع الاجتماعية بين مختلف الأطياف السياسية في تونس. وقد غذت التعليقات والاستطرادات هذا النقاش الذي وصلت حدّته في بعض الأحيان إلى تبادل الشتائم والتراشق بالاتهامات، غير أنه بقيَ حتى اللحظة متنفساً للتعبير بكل حرية على الرغم من الرقابة الذاتية والعامة.
اقرأ أيضاً: تضارب التصريحات الصحافية يقلق التونسيين
انقسم التفاعل التونسي على المواقع الاجتماعية مع الاحتجاجات الأخيرة إلى أربعة أنواع، بالإضافة إلى التفاعل مع أو ضد الاحتجاج بتقديم المبررات ومحاولة التأثير، اختار البعض النقل الصامت للأخبار الصادرة عن المواقع الإخبارية الالكترونية في حين اكتفى آخرون بنشر الأغاني الوطنية والحكم والأمثال الشعبية الداعية للتعقل والصبر. ولئن اختلفت التعبيرات فقد اشترك الجميع في التعامل بحساسية مع الوضع والخروج من منطق السلبية الأمر الذي يحسب لهم جميعاً في طريق البناء الحقيقي والواعي.
بين الدعم الغاضب للمحتجين والسخرية السوداء من أداء وتفاعل الحكومة مع الأحداث كتب مساندو المحتجين، وأغلبهم من المدونين والمنتمين للاتحاد العام التونسي للشغل وأحزاب الجبهة الشعبية، على "فيسبوك" وبنسبة أقل على "تويتر"، تدوينات تدعم الحراك الشبابي وتعترف بشرعيته وتحذر السلطات من المس بسلامة المحتجين الجسدية.
المدونة لينا بن مهني حولت صفحتها على "فيسبوك" إلى مصدر لنقل المعلومات الآنية الخاصة بتطور الاحتجاجات فإثر تعبيرها عن حق الأبناء جهة القصرين في الثورة على الأوضاع تحولت بن مهني إلى شاهد من مكان الحدث قامت بتصوير فيديوهات توثق شهادات لعائلات الشاب المنتحر وزملائه من العاطلين ونشرتها، فلاقت بدورها انتشاراً واسعاً لتعتمدها بعض وسائل الإعلام كفيديوهات رسمية. وتنقّلت بن مهني بين محافظة القصرين البعيدة عن العاصمة التونسية 300 كيلومتر وقامت بنقل صور الاحتجاجات ونشرها على صفحتها "بنية تونسية".
وتعرّضت لينا إلى حملة من قبل الرافضين لهذه التحركات وتمّ وصفها بالعميلة وقد ردت على هذه الاتهامات بالقول "أحاول فهم منطق بعض من يتهمونني بالعمالة و يقولون بأنّ هناك من يقف ورائي والغاية هي تدمير البلاد فأفشل في ذلك، هل في حمل آلة تصوير وتوثيق ما يحدث في مكان ما عمالة؟ " وأضافت: "أمس كنت في القصرين وقمت بتسجيل ما يحدث وتنزيله على فيسبوك مباشرة. لم أقم بأيّ تعديلات على الفيديوهات فلا الوقت ولا الظروف تسمح بذلك، نقلت شهادات عائلة المرحوم رضا اليحياوي وبعض الشباب المتواجد في المكان كما سجلتها تماماً، فأين العمالة في ذلك؟".
وعلى "فيسبوك" أيضاً كتبت الناشطة الشابة بالاتحاد العام التونسي للشغل وبحزب العمال فاتن حمدي تدوينة حذرت من خلالها ممن يريدون استغلال التحركات الاحتجاجية لتشويهها ودعت إلى الاحتجاج السلمي والمحافظة على مكاسب البلاد.
من جهة أخرى، سارع قياديون وناشطون بحزب نداء تونس الحاكم إلى نشر مقالات ورسائل ترهيب تؤكد جميعها وجود أطراف مندسة تعبث بعقول الشبان المحتجين وتستغلهم لنشر الفوضى من أجل مساعدة المجموعات الإرهابية في التسلل إلى داخل المدن التونسية. ولم يتمكن عدد من الناشطين في الحزب الحاكم من كبح جماح غضبهم ضد المحتجين فانهال بعضهم عليهم باتهامات التخوين والتشكيك في أهليتهم العلمية وفي جدارتهم بتحمل المسؤولية في حماية البلاد من التهديدات الخارجية. وقد نشر القيادي بحزب النداء رشاد الخياري على صفحته على "فيسبوك" خبراً عن وجود سيارات خلف المحتجين بالقصرين تقوم بتوزيع الأموال على المتظاهرين وتحرضهم على التخريب والنهب والسرقة، دون أن تثبت صحة هذا الخبر لاحقاً.
وفي خضم هذا الحراك على المواقع الاجتماعية بقي مساندو حركة النهضة حليف نداء تونس في الحكم في حيرة بين مساندة المحتجين أو تشويههم، فاختار بعض قيادييهم الصمت في حين عبر بعضهم عن اهتمامهم بكلمات خجولة عكست التردد والخوف من المحاسبة. وقد نشر موقع "الصدى" المعروف بانتماء مسيريه لحزب حركة النهضة مقالاً على "فيسبوك" يؤكد دعم ممثلة الحركة في البرلمان يمينة الزغلامي لفرضية توظيف الاحتجاجات الاجتماعية من طرف جهات سياسية تسعى لزعزعة استقرار البلاد.
وفي خضم انشغال شبكات التواصل بتداول الانقسامات، عادت الذاكرة بكُثر إلى ثورة يناير/كانون الثاني 2011 حيث أخذ المدونون والناشطون الإلكترونيون على عاتقهم واجب توثيق الأحداث من خلال التصوير والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي. الإعلامي والمدون أمان الله المنصوري تنقل هو الآخر إلى القصرين وقام بنقل شهادات وصور لما يحدث في المنطقة وقد تعرض ما نشره على صفحته إلى هجومات من قبل بعض الزائرين لصفحته متهمين إياه بتنفيذ أجندات سياسية معينة ، لكنه أجاب مؤكداً بأنه يقوم بدوره، بل قال أيضاً إنه سيعرض الكثير من الشهادات تباعاً على قناة "الزيتونة" في برنامج إخباري إيماناً منه بحق هؤلاء الشباب في التشغيل والخروج من مناطق التهميش المظلمة.
إلى جانب لينا بن مهني وأمان الله المنصوري عبّر العديد من المدونين منهم هيثم المكي وياسين العياري عن مساندتهم لهذه التحركات، هم يؤمنون حتى اليوم بأن الكلمة سلاح في مواجهة المتربصين بالبلاد. ويتعايش مدونو ثورة تونس مع الوضع الجديد المتجدد بكثير من الصبر والثبات، ولكن ببعض الخيبة أيضاً.
غير أن مواصلة المشوار في اعتماد التطور التكنولوجي في التعبير عن القهر والرفض يبدو أمراً محتوماً، على الرغم من الملاحقات والتضييقات التي تطاول معظمهم حتى اليوم. أما تحرّكات الأيام القليلة الماضية، فهي بالنسبة للمدوّنين صرخة في وادي النسيان، هم يأملون ألا يتناسى المسؤولون المطالب التي قامت عليها ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011، لأنها بحسب الناشطين مطالب مستمرة، حيث كان الشعار ولا يزال حتى اليوم: "شغل حرية كرامة وطنية"، فهل تحققت هذه المطالب؟
اقرأ أيضاً: أفغانستان: الاعتداءات على الصحافيين تهدد الحريات