بعد سنوات على تصاعد الحرب في اليمن، تأتي جهود سلطنة عُمان الدبلوماسية، لتحقق اختراقاً في أحد أكثر الملفات تعقيداً، متمثلا بالتوسط للإفراج عن معتقلين لدى جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بعد إبداء الجماعة موقفاً مرحباً بالتعاون في هذا الملف، لكنها في المقابل، تواصل حملة الاعتقالات لمعارضيها في المناطق الخاضعة لسيطرتها وتفرض إجراءات مشددة، كان أحدثها توقيف الجماعة لنحو 20 صحافياً، يوم الخميس الماضي، قبل إطلاق سراحهم في وقتٍ لاحقٍ من اليوم نفسه.
في وقتٍ أعلنت سلطنة عُمان يوم الخميس الماضي، أن جهوداً بذلتها نجحت بالتوصل إلى اتفاق مع الحوثيين على السماح لوزير الدفاع اليمني، اللواء محمود الصبيحي، بالتواصل مع ذويه، أكد أفراد عائلته بالتزامن، في تصريحات صحافية، تلقيهم اتصالاً هاتفياً منه هو الأول من نوعه، منذ أسره على أيدي الحوثيين وحلفائهم، في مارس/آذار 2015، في ظل أنباء عن تواصل الجهود العُمانية التي لا تتوقف عند السماح له بالتواصل مع أقاربه، بقدر ما تسعى مسقط، إلى الإفراج عنه، إلى جانب معتقلين آخرين.
والصبيحي، على رأس المعتقلين السياسيين في سجون الحوثيين، إذ تمكن مسلحو الجماعة، من أسره في محافظة لحج أثناء تقدمهم باتجاه مدينة عدن في 25 مارس/آذار 2015، وتحديداً قبل يوم واحد من انطلاق العمليات العسكرية للتحالف السعودي تحت مسمى "عاصفة الحزم". وقد أُسر الصبيحي، إلى جانب رئيس فرع جهاز الاستخبارات بعدن ومحيطها، اللواء ناصر منصور هادي (شقيق الرئيس عبدربه منصور هادي)، وقائد اللواء 119 مشاة، العميد فيصل رجب، والثلاثة (الصبيحي وهادي ورجب)، إلى جانب القيادي في حزب الإصلاح محمد قحطان، هم أبرز أربعة معتقلين، حمل وفد الحكومة الشرعية، أسماءهم إلى طاولة المفاوضات، في محطات سابقة انتهت دون التوصل إلى اتفاق.
ويأتي إعلان مسقط عن الوصول إلى اتفاق حول الصبيحي، بعد أسابيع، من نجاح الجهود التي قادتها، بالإفراج عن نجلي الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، المعتقلين في سجون الحوثيين، وهما صلاح ومدين، إذ جرى الإفراج عنهما ونقلهما على متن طائرة خاصة من مطار صنعاء الدولي إلى الأردن، ومن ثم انتقلا إلى الإقامة مع شقيقهما الأكبر أحمد علي عبدالله صالح، في العاصمة الإماراتية أبوظبي. وأكدت مصادر قيادية في حزب المؤتمر متواجدة في مسقط لـ"العربي الجديد"، أن "الجهود العُمانية تتواصل للإفراج عن معتقلين آخرين، بمن فيهم نجل طارق صالح الذي انضم مع المقاتلين الموالين له، إلى القوات المناوئة للحوثيين والمدعومة إماراتياً في الساحل الغربي، وشقيقه محمد عبدالله صالح، والذي كان يشغل قائداً لإحدى الكتائب الأمنية".
إلى ذلك، أعلنت عُمان أخيراً، عن نجاح جهود بذلتها، للإفراج عن بحار فرنسي، يُدعى آلان غوما، الذي تعرّض قاربه لخلل فني في البحر الأحمر في يونيو/حزيران الماضي، واضطر إلى التوجه إلى ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين، لكن الجماعة قامت باعتقاله ونقله إلى صنعاء، وذكرت أنه كان يقود زورقاً حربياً. وفي يوليو/تموز الماضي، زار سفير فرنسا لدى اليمن، كريستيان تيستو، صنعاء، للمرة الأولى منذ تصاعد الحرب في البلاد، وكان ملف المعتقل الفرنسي أحد مواضيع النقاشات مع الحوثيين، إلا أنه عاد من دون أن ينجح بالموافقة على إطلاق سراحه، لكنه وصل منتصف الشهر الحالي، إلى مسقط، بناءً على الوساطة العُمانية.
الجدير بالذكر، أن التقدم المحدود، بالإفراج عن معتقلين من قبل الحوثيين، أتى بعد إبداء قيادات في الجماعة، في أكثر من تصريح وخلال اللقاءات مع المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث، تعاوناً في قضية الإفراج عن المعتقلين، والذين يتصدر ملفهم ما يُعرف بإجراءات "بناء الثقة" التي يعمل على إنجاحها المبعوث الدولي، كخطوة تسبق الإجراءات المتعلقة بالتسوية السياسية.
وعلى الرغم من الإشارات المحدودة من قبل الحوثيين، بإطلاق سراح بعض المعتقلين، تجاوباً مع مسقط، التي تقوم بدور الوسيط منذ تصاعد الحرب في اليمن عام 2015، إلا أن الجماعة واصلت حملة الاعتقالات والقمع للأصوات المعارضة، وخصوصاً في محافظة الحديدة، حيث تحدثت مصادر محلية عن رصد العديد من الاعتقالات طاولت نشطاء وإعلاميين.
وأقدم الحوثيون يوم الخميس الماضي، على خطوة أثارت غضباً واسعاً، إذ اقتحمت أجهزة الأمن التابعة لهم في صنعاء، فعالية نظمتها إحدى منظمات المجتمع المدني، بحضور نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، عبدالباري طاهر، واعتقلت ما يقرب من 20 صحافياً وإعلامياً، أطلقت سراح 18 منهم، بعد ساعة من الاعتقال، فيما بقي اثنان وهما الصحافيان أشرف الريفي وعادل عبدالغني، حتى مساء الخميس، وجاء الإفراج عنهما، عقب ردود الفعل المستنكرة، وطرح البعض أسئلة حول ما إذا كانت الدبلوماسية العُمانية ستقود إلى مزيد من النجاحات بالإفراج عن المعتقلين، الذين طال أمد معاناتهم في السجون في ظروف نفسية وصحية صعبة، بالنسبة لهم ولعائلاتهم.