اختلف المترجمون العرب، ولم يكونوا وحيدين في هذا الاختلاف، في فهم عنوان الكتاب الصيني الشهير باسم "تاو تي تشنج". بعضهم ترجمه بعبارة "طريق الحق والفضيلة"، واكتفى بعضهم بعبارة كتاب "التاو" أو "الطاو".
ويبدو أن عنوان هذا العمل المنسوب للناسك المتصوّف لاوتسو الذي يُعتقد أنه عاش في القرن السادس قبل الميلاد، ويُنظر إليه على أنه كتاب فلسفي - ديني نشأت بتأثيره في الصين ديانة وحركة تصوّف، وأثّر كثيراً على حياة الصينيين وعلى فكرهم وفنونهم، وخاصة فن التصوير، عنوانٌ مراوغ كما هي مراوغة الكتابة التصويرية، سواء كانت صينية أو غير صينية؛ فالصورة حمّالة أوجه، ويظل التقريب مقاربة للمعنى أكثر أماناً، بالإضافة إلى أن العثور على دليل داخلي في ما ينطوي عليه الكتاب، يعزّز - إلى حد ما - ما يمكن أن نستدلّ عليه من قراءة كلمة عمادها صورة أو تركيب من عدّة صور، وليس حروفاً أبجدية.
على هذا الأساس، وحين نطلّ على الكتابة التصويرية الصينية، نجد في شروحات أحد أشهر مترجمي هذا الكتاب إلى الإنكليزية ما يمنح النص بعداً أقرب إلى أن يكون روحياً - دينياً، وليس فكرياً أو فلسفياً مجرّداً. صاحب هذه الترجمة، المزوّدة بشروح إضافية تجاور الكلمات الأصلية، هو الأميركي رولاند برنارد بلاكني (1895 - 1970).
أوّل ما يلفت النظر هنا هو أن كلمة "تاو" تتشكّل من رمزين تصويريّين، الأول يمثّل رأس إنسان دلالةً على المعرفة، والثاني يمثّل قَدَماً دلالةً على السير. ولهذا الشكل التصويري عدد من المعاني؛ فهو طريق، وهو مسار، وهو الطريق الذي يتّخذه الناس الراحلون عادة، وهو طريق الطبيعة، وهو الطريق إلى الواقع المطلق النهائي. وتتكون كلمة "تي" من ثلاثة أجزاء هي: رمز يعني الذهاب/ الاتجاه نحو، ورمز يعني المستقيم، ورمز يعني القلب. ويستنتج محلّلو الكتابة التصويرية الصينية من هذه الكلمة عدداً من المعاني، فهي قوّة أخلاقية، وهي نفوذ، وهي فضيلة.
أمّا كلمة "تشنج" فلا خلاف عليها، فهي "كتاب" في كل الترجمات. وأرى، في ضوء قصائد هذا الكتاب (بالأبجدية الإنكليزية وبجوارها رموز الصور الصينية) ومجموع ما يدل عليه بشكل عام، أن الترجمة الأكثر دقة للعنوان هي: تاو: سواء السبيل، تي: الهدى/ تشنج: كتاب؛ فيصبح العنوان "كتاب سواء السبيل والهدى".
هذا الكتاب، كأي كتاب مغرق في القدم، تختلط الحقائق بالأساطير في رواية أصله وأصل كاتبه، إلّا أن المتداولَ أن صاحبه هو الناسك المتصوّف لاوتسو الذي عاش في العصر نفسه الذي عاش فيه الفيلسوف الحكيم الدنيوي كونفوشيوس. ويقول بعضهم أنه سابق على الكونفوشيوسية.
ويرتب كتّابُ التاريخ لقاءً بين هذين الاثنين عبّر بعده كونفوشيوس عن إعجابه بهذا الناسك فقال لتلاميذه: "أعرف أنّ الطيور تطير في السماء، وفي الماء يسبح السمك، والوحوش تجري على الأرض، وأعرف أن المصائد تصلح للوحوش، والشباك للسمك، والسهام للطيور، أمّا التنانين فلا أعرف طريقة لاصطيادها، ولا أعرف كيف تركب الرياح والغيوم؛ في هذا اليوم رأيتُ لاوتسو، فأيّ تنّين هائل هو".
وتقول الأسطورة إنَّ حكيم "سواء السبيل" هذا، الذي كان يعلّم كيف أن الوداعة تغلب القوّة، وكيف أن الماء يثقب الصخور، سئم الحياة وتكاليفها، فقرّر اعتزال الناس. وفي طريقه إلى الجبل مع تلميذه، التقى به حارس الحدود، وحين علم بمهنته رغب إليه في أن يميل بالثور الذي كان يركبه ويكتب له هذه التعاليم. فترجّل الناسك قائلاً: "من يٍسأل لا بدّ أن يُجاب"، واعتكف طوال سبعة أيام في كوخ الحارس يُملي على تلميذه مجموعة من النصوص بلغت واحداً وثمانين نصاً، ثم ارتحل حيث لا يعلم أحد. ومن هذه النصوص تكوّن كتاب "سواء السبيل".
وفي العصور اللاحقة خضع الكتاب لتفسيرات شتّى، ونشأت بتأثيره تجمّعات. فهو مرّةً دعوةٌ إلى البساطة والعودة إلى الطبيعة، ومرّةً دعوةٌ إلى الإيمان بقوّة عليا منظّمة تُسيّر الكون، كون الأحياء والجماد، على هداها، ومرّةً هو دعوة إلى السيطرة على الرغبات والنزوات الذاتية التي تشوّش صفاء الرؤية، وتمنع الإنسان من الوصول إلى الحقيقة، ومرّةً هو دعوة إلى لامبالاة مطلقة بما يحدث في العالم، وتمجيد للسلبية تحت زعم أنها الإيجاب المطلق، وأخيراً هو دعوة إلى الاعتزال بحجّة أن النور لا يأتي إلّا من الداخل، داخل الإنسان.
ويظهر أثر تمجيد العودة إلى الطبيعة والإيمان بقانونها، قانون تلازم حركة الين واليانج (الأبيض والأسود، والحار والبارد، والذكر والأنثى... إلخ) في الفكر الصيني على كل المستويات، وخاصة في الفنون الصينية التي اتّخذت لها غاية واضحة هي المواءمة بين الروح البشرية وروح الطبيعة. وعن أثر هذه الفلسفة في سلوك الإنسان الصيني، يُقال إنه يتحوّل إلى كونفوشيوسي النزعة في حالة الانتصار والزهو، ويتحوّل إلى تاوي النزعة باحثاً عن سواء السبيل في حالات الإحباط والخيبة.