منذ ست سنوات عصفت احتجاجات "الحركة الخضراء" بإيران غداة إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية. لم تؤدِّ الاحتجاجات لتغييرات كبرى في الشارع، بقدر ما أدت إلى تبدّلات واضحة في المشهد الفكري والسياسي الإيراني. استولدت الاحتجاجات اصطفافات سياسية جديدة، انقسم على أثرها المحافظون إلى جبهات عدة، كما انقسم الإصلاحيون الذين غابوا عن المشهد السياسي، ولم يستطيعوا المشاركة بقوة فيه طيلة السنوات الماضية.
وباتت مشاركتهم خجولة في صنع القرار في المؤسسات السياسية، بسبب تغييبهم عن الساحة، بعد أحداث عام 2009، فضلاً عن انقسامهم واختلافهم فيما بينهم حول ما جرى.
وقد اتخذ بعض الإصلاحيين موقفاً متشدداً وموالياً لـ "الحركة الخضراء"، وابتعدوا عن الحياة السياسية، لكن بعضهم انتقد إعطاء الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية والتشكيك بنزاهة فرز الأصوات، بعداً آخر. حتى إنهم رفضوا استمرار توجيه المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي دعوات متكررة لمناصريه للتظاهر وللخروج إلى الشوارع، على الرغم من رفع البعض شعارات تنتقد الجمهورية الإسلامية، واعتبروا أنه "يُشجّع الانقسام في الشارع".
وبدت نتائج كل هذا واضحة خلال الانتخابات التشريعية في إيران العام 2012، فلم يتقدم الإصلاحيون في قوائم عدة كما جرت العادة، ومنهم من رفض أساساً الترشح ليترك انطباعاً بأنه "معترض سياسياً على ما حدث في العام 2009"، ولينقل تشكيك بعض الإصلاحيين بنزاهة وشفافية الانتخابات.
في المقابل، رفض بعض الإصلاحيين التخلّي عن تياره وانتمائه، بل طالبوا حتى بمشاركة جميع الإصلاحيين على الرغم من الانقسام داخل التيار، وتقدم بعضهم للترشح وحصلوا بالفعل على أصوات بعض الناخبين. غير أنهم ولسبب كونهم أقلية، لم يتمكنوا من تجاوز حاجز الـ6.5 في المائة من مقاعد مجلس الشورى الإسلامي، التي يصل عددها إلى 290 مقعداً.
اقرأ أيضاً: علاقات نووية وصاروخية بين إيران وكوريا الشمالية
ولم يكن الانقسام بين الإصلاحيين لمصلحتهم، بعد تعرّضهم لخضّة قوية بعد سيطرة المحافظين الواضحة على غالبية مراكز صنع القرار الإيرانية منذ العام 2009، لكن بعضهم كان مضطراً لأخذ موقف علني واضح وغير داعم لـ "الحركة الخضراء"، التي تحوّلت شعاراتها لشعارات منتقدة للنظام في الجمهورية الإسلامية.
مع العلم أن بعض الشخصيات قررت التزام الصمت، إلى حين توفر ظروف سياسية ملائمة للعودة إلى ساحة العمل السياسي، وهؤلاء يؤيدون الدستور والنظام السياسي في إيران، لكنهم فضّلوا الابتعاد قليلاً بعد الذي حصل في العام 2009. وبالفعل عاد بعض الصامتين إلى الواجهة، ومنهم الإصلاحي محمد رضا عارف، الذي حظي بنسبة مؤيدين عالية في سباق الانتخابات الرئاسية الأخيرة في العام 2013، لكنه انسحب لصالح الرئيس المعتدل الحالي حسن روحاني.
وكان عارف ومن يؤيده من الإصلاحيين، يعلمون تماماً أن استمراره في السباق حتى النهاية، يعني توزّع الأصوات بين المرشحين وعدم حصوله على الرئاسة، لكنه فضّل إعطاء أصواته لروحاني الذي سينعش وصوله التيار الإصلاحي. وهو ما حدث بالفعل.
بالتالي شكّلت انتخابات العام 2013، محطة جديدة في تجربة التيار الإصلاحي، في وقت ما زال فيه زعماء "الحركة الخضراء" يخضعون للإقامة الجبرية، وما زال أنصار الحركة يُعدّون "تياراً متطرفاً" لا يستطيع العودة لساحة العمل السياسي في الوقت الفعلي.
بالنسبة للمحافظين، قد يكون الوضع أسهل وقد تكون خسارتهم أقل وطأة، لكن رفض بعض الشخصيات المحافظة لقرار الإقامة الجبرية المفروض على رموز "الحركة الخضراء" كمير حسين موسوي وزوجته، والمرشح الرئاسي الآخر مهدي كروبي، ومطالبتهم بمحاكمة قانونية لهم، جعلهم أسرى انتقادات حادة. وكان هذا الموقف هو أحد مسببات الاصطفافات الجديدة بين المحافظين، لكن تعالي الانتقادات الموجهة للرئيس المحافظ السابق، محمود أحمدي نجاد، ساهم بخلق جبهات محافظة جديدة.
نجاد كان المسبب الأول لاحتجاجات "الحركة الخضراء"، بسبب تشكيك مناصري الحركة بشعبيته بسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تسببت بها حكومته. وعُزل تدريجياً بين المحافظين لأسباب عدة، كما عزل بدوره بعض الوزراء في حكومته، ومنهم وزير الاستخبارات حيدر مصلحي، الذي عُدّ قرار عزله كالقشة التي قصمت ظهر البعير، خصوصاً بفعل اعتراض المرشد علي خامنئي على هذا القرار، ليؤيده المحافظون بغالبيتهم.
ولم يتوقف العزل عند المناصب الحكومية، بل طال عدداً كبيراً من الأساتذة الجامعيين، وفُصل العديد من الطلاب، وكل هذا بسبب تأييدهم لاحتجاجات العام 2009. وهذا كان سبباً لتوجيه الانتقادات من قبل بعض المحافظين لمحافظين آخرين مؤيدين لسياسة العزل.
وعن سبب تأييد هؤلاء لنجاد في الانتخابات التي سبقت وسببت هذه الاحتجاجات، يعود السبب إلى أنه كان خيارهم الوحيد، المدعوم كذلك من قبل المرشد، لكن بعض سياسات حكومته، ومنها الاقتصادية، وحتى السياسات المتعلقة برموز الحركة، كانت سبباً لخلافات سياسية، يصفها أبناء التيار الإصلاحي بـ "الطبيعية"، في وقت وقفوا فيه جميعهم ضد تصرفات "تيار الفتنة" بزعامة موسوي.
وصبّ كل ذلك لصالح تيار واحد، وهو تيار المعتدلين، الذي يتموضع في الوسط بين المحافظين المتشددين والإصلاحيين المتطرفين الداعمين لـ "الحركة الخضراء"، وهو جناح مقرّب من التيار الإصلاحي، ومن أبرز رموزه رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، هاشمي رفسنجاني الداعم لروحاني.
واستطاع هذا التيار إخراج البلاد بالفعل من الانقسام، وتمكن روحاني بفوزه بكرسي الرئاسة في العام 2013، تهدئة روع الجميع وإعادة الناخبين الإيرانيين بكثافة للصناديق. كما استطاع إعادة الإصلاحيين لساحة العمل السياسي، عبر تعيينهم في وزارات عدة وإعادتهم لصحفهم ولجامعاتهم، ولكل المراكز التي تواجدوا فيها سابقاً. ويدرك الإصلاحيون هذا الأمر جيداً، إذ سيعمل هؤلاء خلال الانتخابات التشريعية المقبلة في ربيع العام 2016 على العودة بقوة، بعد إلغاء أسباب الغياب الذي تسببت به "الحركة الخضراء"، والتي يبدو أن رموزها لن يكونوا قادرين على العودة للساحة في القريب العاجل، بسبب عدم محاكمتهم حتى اللحظة، وبسبب سيطرة المحافظين على معظم مراكز صنع القرار.
اقرأ أيضاً: تمهيداً للاتفاق النووي
وباتت مشاركتهم خجولة في صنع القرار في المؤسسات السياسية، بسبب تغييبهم عن الساحة، بعد أحداث عام 2009، فضلاً عن انقسامهم واختلافهم فيما بينهم حول ما جرى.
وقد اتخذ بعض الإصلاحيين موقفاً متشدداً وموالياً لـ "الحركة الخضراء"، وابتعدوا عن الحياة السياسية، لكن بعضهم انتقد إعطاء الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية والتشكيك بنزاهة فرز الأصوات، بعداً آخر. حتى إنهم رفضوا استمرار توجيه المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي دعوات متكررة لمناصريه للتظاهر وللخروج إلى الشوارع، على الرغم من رفع البعض شعارات تنتقد الجمهورية الإسلامية، واعتبروا أنه "يُشجّع الانقسام في الشارع".
وبدت نتائج كل هذا واضحة خلال الانتخابات التشريعية في إيران العام 2012، فلم يتقدم الإصلاحيون في قوائم عدة كما جرت العادة، ومنهم من رفض أساساً الترشح ليترك انطباعاً بأنه "معترض سياسياً على ما حدث في العام 2009"، ولينقل تشكيك بعض الإصلاحيين بنزاهة وشفافية الانتخابات.
اقرأ أيضاً: علاقات نووية وصاروخية بين إيران وكوريا الشمالية
ولم يكن الانقسام بين الإصلاحيين لمصلحتهم، بعد تعرّضهم لخضّة قوية بعد سيطرة المحافظين الواضحة على غالبية مراكز صنع القرار الإيرانية منذ العام 2009، لكن بعضهم كان مضطراً لأخذ موقف علني واضح وغير داعم لـ "الحركة الخضراء"، التي تحوّلت شعاراتها لشعارات منتقدة للنظام في الجمهورية الإسلامية.
مع العلم أن بعض الشخصيات قررت التزام الصمت، إلى حين توفر ظروف سياسية ملائمة للعودة إلى ساحة العمل السياسي، وهؤلاء يؤيدون الدستور والنظام السياسي في إيران، لكنهم فضّلوا الابتعاد قليلاً بعد الذي حصل في العام 2009. وبالفعل عاد بعض الصامتين إلى الواجهة، ومنهم الإصلاحي محمد رضا عارف، الذي حظي بنسبة مؤيدين عالية في سباق الانتخابات الرئاسية الأخيرة في العام 2013، لكنه انسحب لصالح الرئيس المعتدل الحالي حسن روحاني.
وكان عارف ومن يؤيده من الإصلاحيين، يعلمون تماماً أن استمراره في السباق حتى النهاية، يعني توزّع الأصوات بين المرشحين وعدم حصوله على الرئاسة، لكنه فضّل إعطاء أصواته لروحاني الذي سينعش وصوله التيار الإصلاحي. وهو ما حدث بالفعل.
بالتالي شكّلت انتخابات العام 2013، محطة جديدة في تجربة التيار الإصلاحي، في وقت ما زال فيه زعماء "الحركة الخضراء" يخضعون للإقامة الجبرية، وما زال أنصار الحركة يُعدّون "تياراً متطرفاً" لا يستطيع العودة لساحة العمل السياسي في الوقت الفعلي.
بالنسبة للمحافظين، قد يكون الوضع أسهل وقد تكون خسارتهم أقل وطأة، لكن رفض بعض الشخصيات المحافظة لقرار الإقامة الجبرية المفروض على رموز "الحركة الخضراء" كمير حسين موسوي وزوجته، والمرشح الرئاسي الآخر مهدي كروبي، ومطالبتهم بمحاكمة قانونية لهم، جعلهم أسرى انتقادات حادة. وكان هذا الموقف هو أحد مسببات الاصطفافات الجديدة بين المحافظين، لكن تعالي الانتقادات الموجهة للرئيس المحافظ السابق، محمود أحمدي نجاد، ساهم بخلق جبهات محافظة جديدة.
ولم يتوقف العزل عند المناصب الحكومية، بل طال عدداً كبيراً من الأساتذة الجامعيين، وفُصل العديد من الطلاب، وكل هذا بسبب تأييدهم لاحتجاجات العام 2009. وهذا كان سبباً لتوجيه الانتقادات من قبل بعض المحافظين لمحافظين آخرين مؤيدين لسياسة العزل.
وعن سبب تأييد هؤلاء لنجاد في الانتخابات التي سبقت وسببت هذه الاحتجاجات، يعود السبب إلى أنه كان خيارهم الوحيد، المدعوم كذلك من قبل المرشد، لكن بعض سياسات حكومته، ومنها الاقتصادية، وحتى السياسات المتعلقة برموز الحركة، كانت سبباً لخلافات سياسية، يصفها أبناء التيار الإصلاحي بـ "الطبيعية"، في وقت وقفوا فيه جميعهم ضد تصرفات "تيار الفتنة" بزعامة موسوي.
وصبّ كل ذلك لصالح تيار واحد، وهو تيار المعتدلين، الذي يتموضع في الوسط بين المحافظين المتشددين والإصلاحيين المتطرفين الداعمين لـ "الحركة الخضراء"، وهو جناح مقرّب من التيار الإصلاحي، ومن أبرز رموزه رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، هاشمي رفسنجاني الداعم لروحاني.
واستطاع هذا التيار إخراج البلاد بالفعل من الانقسام، وتمكن روحاني بفوزه بكرسي الرئاسة في العام 2013، تهدئة روع الجميع وإعادة الناخبين الإيرانيين بكثافة للصناديق. كما استطاع إعادة الإصلاحيين لساحة العمل السياسي، عبر تعيينهم في وزارات عدة وإعادتهم لصحفهم ولجامعاتهم، ولكل المراكز التي تواجدوا فيها سابقاً. ويدرك الإصلاحيون هذا الأمر جيداً، إذ سيعمل هؤلاء خلال الانتخابات التشريعية المقبلة في ربيع العام 2016 على العودة بقوة، بعد إلغاء أسباب الغياب الذي تسببت به "الحركة الخضراء"، والتي يبدو أن رموزها لن يكونوا قادرين على العودة للساحة في القريب العاجل، بسبب عدم محاكمتهم حتى اللحظة، وبسبب سيطرة المحافظين على معظم مراكز صنع القرار.
اقرأ أيضاً: تمهيداً للاتفاق النووي