ارتفاع الدولار الأميركي... صداع جديد يؤرق الاقتصادات

18 مارس 2020
ارتفاع الدولار يزيد من حجم الديون (Getty)
+ الخط -
يسبب الدولار الأميركي صداعاً جديداً للاقتصادات المنهارة أمام فيروس كورونا الجديد على مستوى العالم، مع تعرّض الأسواق الناشئة بشكل خاص للخطر، حيث تحاول التعامل مع انهيار عملاتها وانخفاض الطلب.

ويشرح تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية اليوم الأربعاء، أن المستثمرين يهربون من الأسواق الناشئة بأعداد قياسية، ويتزاحمون على الدولار كملاذ آمن، مع خفض البنك الفيدرالي سعر الفائدة مرتين هذا الشهر، من دون حصول أي تأثيرات تقلل من جاذبية الدولار.

مع اندماج الدولار في الاقتصاد العالمي أكثر من أي وقت مضى، تشكل مكاسبه ضغطاً إضافياً على الشركات والحكومات، لأنها تستعد لارتفاع تكاليف ديونها بالدولار. وتكمن معضلة البنوك المركزية في الأسواق الناشئة، في أنها عندما تخفض أسعار الفائدة لدعم النمو، تخاطر بزعزعة استقرار عملاتها أيضاً.
وقال ميتول كوتيشا، كبير المحللين الاستراتيجيين للأسواق الناشئة لدى "تي دي سيكيوريتي" في سنغافورة: "إن ارتفاع الدولار يمثل ضربة أخرى للأسواق الناشئة. سيتجنب المستثمرون الأصول الخطرة نسبياً، ويحافظون على انحيازهم للملاذات الآمنة".


وكان البنك المركزي التركي آخر الأسواق الناشئة التي خفضت سعر الفائدة بشكل طارئ. وخفضت كوريا الجنوبية وشيلي وفيتنام وسريلانكا وباكستان فوائدها بالفعل هذا الأسبوع بعد تحركات الاحتياطي الفيدرالي يوم الأحد، ومن المتوقع أن تخفض جنوب أفريقيا وإندونيسيا والبرازيل أسعارها الرئيسية في الأيام المقبلة.

وأظهر بحث جديد صادر عن بنك التسويات الدولية أنه منذ الأزمة المالية العالمية، أدى الارتفاع غير المتوقع للدولار إلى انخفاض نمو التجارة العالمية. قد يكون سبب ذلك تشديد الأوضاع المالية مع تباطؤ إقراض الدولار للأسواق الناشئة، وفقاً للبحث.

وبحسب معهد التمويل الدولي، بلغت التدفقات الخارجة من الأسواق الناشئة مستويات قياسية، حيث وصلت إلى 30 مليار دولار في 45 يوماً وسط تفشي الفيروس. وضعفت جميع عملات الأسواق الناشئة الرئيسية التي تتبعها بلومبيرغ مقابل الدولار منذ 20 يناير/كانون الثاني، مع بداية المخاوف من Covid-19 في آسيا، مع انخفاض الروبل الروسي والبيزو المكسيكي بنسبة 20% تقريباً.


الألم محسوس أيضاً في سوق آسيا الناشئة، حيث أعاد تراجع السوق ذكريات الأزمة المالية الآسيوية منذ أكثر من عقدين من الزمن. الروبية الإندونيسية هي الأسوأ أداءً في آسيا هذا العام، بانخفاض 8.9%، ويُتداوَل الوون الكوري الجنوبي بالقرب من أضعف سعر له منذ عام 2010، وانخفضت الروبية الهندية إلى مستوى قياسي الأسبوع الماضي. رأى خون جوه، رئيس قسم الأبحاث الآسيوية في مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية، ومقره سنغافورة، أن الأسواق الناشئة في آسيا تحاول بعناية تطبيق تخفيضات أسعار الفائدة في ذات الوقت مع إدارة سعر عملاتها.

وقال جوه: "سيستمرون في استخدام احتياطاتهم من العملات الأجنبية لتسهيل تقلبات العملة، لكنهم لن يسعوا لوقف الاتجاه أو الدفاع عن أي مستويات معينة. في البيئة الحالية عندما يكون الطلب الخارجي ضعيفاً للغاية، فإن السماح ببعض ضعف العملة إلى جانب خفض أسعار الفائدة هو أفضل طريقة لمحاولة تخفيف الظروف المالية العامة".

ومن المقرر أن تخفض كل من إندونيسيا والفيليبين أسعار الفائدة يوم الخميس، حيث من المتوقع أن تتراجع الأخيرة بفارق 50 نقطة أساس عن المعتاد.


ليست الأسواق الناشئة وحدها هي التي عانت بسبب ارتفاع الدولار. تراجعت العملة الأسترالية إلى أضعف مستوى لها منذ عام 2003، وهو مدعاة للقلق، نظراً لأنّ من المحتمل أن تزيد تكاليف الاستيراد دون أي تعويض في مجالات مثل السياحة الداخلية والتعليم، نظراً لأن فيروس كورونا يغلق الحدود. وانخفضت الكرونة النرويجية بأكثر من 16% هذا العام، وتراجعت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق مع ضعف النفط الخام.
وتقوم المصارف المركزية في العالم المتقدم بالتنسيق لضمان استمرار تدفق الدولارات. وخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي يوم الأحد أسعار الفائدة على خطوط مبادلة الدولار مع خمسة بنوك مركزية أخرى، مستفيداً من السياسات التي اتبعت خلال الأزمة المالية العالمية. وقال تود شوبرت، رئيس أبحاث الدخل الثابت في بنك سنغافورة المحدودة: "إن الدولار القوي عادة ما يكون بمثابة رياح معاكسة لعملات الأسواق الناشئة، وأكثر من ذلك، بالنسبة إلى البلدان التي تعتمد على تمويل الدولار في الاستيراد ولديها أنظمة أسعار صرف عائمة".

إليك نظرة على كيفية تعامل البنوك المركزية الأخرى في الأسواق الناشئة خارج آسيا:

أميركا اللاتينية

خفض البنك المركزي التشيلي سعر الفائدة الرئيسي وسط تهديد الركود. ومن المتوقع أن تخفض البرازيل أسعار الفائدة يوم الأربعاء. ووسّع البنك المركزي في المكسيك الحد الأقصى لحجم برنامج التحوط الآجل غير القابل للتسليم، وأطلق مزاداً بقيمة ملياري دولار من التحوط لاحتواء تداعيات الفيروس على السوق. وتتوقع غولدمان ساكس غروب أن يخفض صانعو السياسة 50 نقطة أساس على الأقل في اجتماع 26 مارس/آذار للتعامل مع التباطؤ، إن لم يكن أكثر.

أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا

في جنوب أفريقيا، دعمت مجموعة من المفاجآت السلبية التضخم، مع الدخول في الركود الثاني في غضون عامين واستمرار انقطاع التيار الكهربائي، ما ساهم بالدفع نحو تخفيض 25 نقطة أساس حتى قبل تفشي الفيروس. وهناك توقعات متزايدة لخفض البنك المركزي الفائدة بأكثر من ذلك يوم الخميس.


وخفض البنك المركزي التركي يوم الثلاثاء سعر إعادة الشراء لمدة أسبوع واحد بمقدار 100 نقطة أساس في اجتماع طارئ، وأعلن مجموعة من الإجراءات المصممة لتعزيز سيولة القطاع المصرفي وتعزيز نمو القروض. ومددت الليرة انزلاقها مقابل الدولار لليوم السابع بعد الإعلان، وانخفضت إلى أدنى مستوى في 18 شهراً.

ويبدو أن روسيا على وشك وضع استقرار العملة ومخاوف التضخم أولاً في اجتماع السياسة النقدية القادم يوم الجمعة، حيث توقع جميع الاقتصاديين الثلاثين الذين شملهم الاستطلاع بلومبيرغ، تثبيت الفائدة بعد ستة تخفيضات على التوالي. ويتعرض البنك المركزي لضغوط بعد انخفاض الروبل بنسبة 18% هذا العام.

وخفضت مصر الفائدة الأساس بمقدار 300 نقطة في اجتماع طارئ مساء الاثنين. وهذا الأمر سيضغط على الجنيه. وردت نيجيريا على الأزمة التي نجمت عن الفيروس وانهيار النفط بالطريقة نفسها التي تفاعلت بها عندما تراجع النفط الخام آخر مرة في عام 2014، من خلال تشديد ضوابط رأس المال.


ومع تراجع الاحتياطيات الأجنبية بنسبة 20% تقريباً منذ يوليو/تموز، قال غولدمان ساكس إن نيجيريا ستشهد عملة أضعف بنسبة 40% تقريباً إذا بقيت أسعار خام برنت عند 30 دولاراً للبرميل.