30 أكتوبر 2024
استعادة من الانتفاضة الثانية
كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي اندلعت في أواخر سبتمبر/ أيلول 2000، بمثابة محطة مهمة في سياق الصراع مع دولة الاحتلال، والذي كان، حتى ذلك الوقت، متمحورًا أكثر شيء حول "معركة التسوية"، إن صحّ التعبير. ويعود أحد أسباب ذلك إلى أنها امتدت إلى أراضي 1948، في ما باتت تعرف باسم "هبة أكتوبر 2000". وما أمكن ملاحظته في حينه، على مستوى الساحة الإسرائيلية:
أولًا، انبجست مثل سيل جارف مقاربات تستهدف "ردّ الاعتبار" إلى مُسلّماتٍ صهيونيةٍ صنميّة، كان يُفترض بـ"عملية السلام"، من باب الاحتمالية، أن تفضي إلى أفولها. وتمثلّت غاية هذه المقاربات، من ضمن أخرى، في دحض أفكارٍ طرحتها تياراتٌ بدأت تنتقد طريق الصهيونية. وبينما كانت محاربة هذه الأفكار تتم، في السابق، على طريقة "القتل بالإهمال"، فإن جوهر التعاطي معها بعد 2000 أمسى يستثمر أسلوبًا تحايليًا يحاول تضخيم التأثيرات التقويضية المترتبة على أداء تلك التيارات، لا لأن تلك التأثيرات نفذت فعلًا إلى الواقع الإسرائيلي، وإنما أساسًا في سبيل تزيين طريق التمسك بالمفاهيم القديمة.
في إحدى هذه المقاربات، جرى مثلًا وصف تلك الأفكار التي تُروّج السلام والديمقراطية وسلطة القانون، وكذلك لنجاح الفرد خارج إطار الجماعة، بأنها أساطير جديدة، بموازاة التشديد على أنه حان الوقت لإعادة الألق إلى الأساطير القديمة، بمعنى الأساطير المؤسّسة لإسرائيل، والتي كان من تحصيلاتها مُسلّمة تقول إن جعل السلام قيمة عليا إنما يعرّض الديمقراطية والدولة الديمقراطية إلى الخطر، لأن "العالم الذي تريد إسرائيل الانتماء إليه لم يصل إلى وضعه عن طريق السجود لآلهة السلام"! وبوضع هذه الأقوال في سياقها الخاص، فإن الاستنتاج المطلوب أن التغيير في وجه المجتمع الإسرائيلي الذي ينحو صاحب هذه المقاربة إلى محوه، هو ذاك الذي يفضي إلى الانكفاء عن طريق "عملية السلام"، كما لو أن هذا المجتمع قطع شوطًا بعيدًا فيه.
ثانيًا، تواترت الاجتهادات الأكاديمية المنكبّة على بحث ما سميت "مظاهر التطرّف القومي" لدى الفلسطينيين في أراضي 1948، ولدى قياداتهم المنتخبة. وكان في مقدمها مقالات بحثية تعتبر المواطن العربي، في إطلاقيةٍ تامة، مُتهمًا بانتمائه الفلسطيني حتى يُثبت براءته منه، وذلك من خلال تتبع أداء بعض أعضاء الكنيست العرب ومواقفهم إزاء موضوعي المواطنة والهوية القومية. ومن غير الصعب ملاحظة أن ما أثار كتبة هذه المقالات هو الاعتراض على مبدأ أن إسرائيل دولة يهودية، من دون أن يروا فيه عائقًا أمام "معالجة مسألة المساواة المدنية بصورة ملائمة". والعائق أمام ذلك، في قراءتهم، أن "المسألة القومية تحتل الصدارة، والزعامة الوطنية العربية والجمهور الذي انتخبها يتبنيّان مطالب قومية راديكالية لا تستطيع الأغلبية اليهودية الاستجابة لها!". وكانت الحركة الوطنية في أراضي 1948، بقيادة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ومؤسسه عزمي بشارة، قد خطت ورسّخت عدة خطوات ذات دلالة في تحدّي هذا المبدأ. ووجدت المؤسسة الإسرائيلية في مثل هذه المداخلات مزيدًا من القرائن الدالّة على ردكلة الفلسطينيين في الداخل، ومن شأنها أن تسعف جهودها المنصرفة إلى الحفاظ على الطابع اليهودي لدولة الاحتلال، من خلال تصعيد الهوس الديمغرافي وفوبيا العرب إلى حافّة الإيديولوجيا.
ثالثًا، بدأ التعبير عن مواقف ترتبط بنظام الحكم المرغوب (صارت إلى تفاقم لاحقًا). ولعل أبرزها الهجوم على الجهاز القضائي المنطلق من أن لهذا الجهاز "سلطة زائدة" أو "صلاحيات مفرطة". ومن هذه المواقف الموقف الداعي إلى أن تحلّ "السلطة بواسطة القانون" مكان "سلطة القانون"، وأنه "مع كل الاحترام والتقدير للقانون والساهرين عليه، ولدورهم الحيوي الجليل في أي مجتمعٍ متنوّر، فإن هؤلاء ليسوا مخوّلين، وليس في استطاعتهم تقديم إجابات أو حلول ملائمة لكل المسائل المختلف عليها". ويصل صاحب هذا الموقف إلى بيت القصيد بقوله إن "المشكلات الدينية والإيديولوجية والتاريخية والعسكرية العملانية والطبية، وحتى السياسية، ليس لها ولا يمكن، وليس بالضرورة، أن يكون لها جواب أو حلّ قضائي".
أولًا، انبجست مثل سيل جارف مقاربات تستهدف "ردّ الاعتبار" إلى مُسلّماتٍ صهيونيةٍ صنميّة، كان يُفترض بـ"عملية السلام"، من باب الاحتمالية، أن تفضي إلى أفولها. وتمثلّت غاية هذه المقاربات، من ضمن أخرى، في دحض أفكارٍ طرحتها تياراتٌ بدأت تنتقد طريق الصهيونية. وبينما كانت محاربة هذه الأفكار تتم، في السابق، على طريقة "القتل بالإهمال"، فإن جوهر التعاطي معها بعد 2000 أمسى يستثمر أسلوبًا تحايليًا يحاول تضخيم التأثيرات التقويضية المترتبة على أداء تلك التيارات، لا لأن تلك التأثيرات نفذت فعلًا إلى الواقع الإسرائيلي، وإنما أساسًا في سبيل تزيين طريق التمسك بالمفاهيم القديمة.
في إحدى هذه المقاربات، جرى مثلًا وصف تلك الأفكار التي تُروّج السلام والديمقراطية وسلطة القانون، وكذلك لنجاح الفرد خارج إطار الجماعة، بأنها أساطير جديدة، بموازاة التشديد على أنه حان الوقت لإعادة الألق إلى الأساطير القديمة، بمعنى الأساطير المؤسّسة لإسرائيل، والتي كان من تحصيلاتها مُسلّمة تقول إن جعل السلام قيمة عليا إنما يعرّض الديمقراطية والدولة الديمقراطية إلى الخطر، لأن "العالم الذي تريد إسرائيل الانتماء إليه لم يصل إلى وضعه عن طريق السجود لآلهة السلام"! وبوضع هذه الأقوال في سياقها الخاص، فإن الاستنتاج المطلوب أن التغيير في وجه المجتمع الإسرائيلي الذي ينحو صاحب هذه المقاربة إلى محوه، هو ذاك الذي يفضي إلى الانكفاء عن طريق "عملية السلام"، كما لو أن هذا المجتمع قطع شوطًا بعيدًا فيه.
ثانيًا، تواترت الاجتهادات الأكاديمية المنكبّة على بحث ما سميت "مظاهر التطرّف القومي" لدى الفلسطينيين في أراضي 1948، ولدى قياداتهم المنتخبة. وكان في مقدمها مقالات بحثية تعتبر المواطن العربي، في إطلاقيةٍ تامة، مُتهمًا بانتمائه الفلسطيني حتى يُثبت براءته منه، وذلك من خلال تتبع أداء بعض أعضاء الكنيست العرب ومواقفهم إزاء موضوعي المواطنة والهوية القومية. ومن غير الصعب ملاحظة أن ما أثار كتبة هذه المقالات هو الاعتراض على مبدأ أن إسرائيل دولة يهودية، من دون أن يروا فيه عائقًا أمام "معالجة مسألة المساواة المدنية بصورة ملائمة". والعائق أمام ذلك، في قراءتهم، أن "المسألة القومية تحتل الصدارة، والزعامة الوطنية العربية والجمهور الذي انتخبها يتبنيّان مطالب قومية راديكالية لا تستطيع الأغلبية اليهودية الاستجابة لها!". وكانت الحركة الوطنية في أراضي 1948، بقيادة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ومؤسسه عزمي بشارة، قد خطت ورسّخت عدة خطوات ذات دلالة في تحدّي هذا المبدأ. ووجدت المؤسسة الإسرائيلية في مثل هذه المداخلات مزيدًا من القرائن الدالّة على ردكلة الفلسطينيين في الداخل، ومن شأنها أن تسعف جهودها المنصرفة إلى الحفاظ على الطابع اليهودي لدولة الاحتلال، من خلال تصعيد الهوس الديمغرافي وفوبيا العرب إلى حافّة الإيديولوجيا.
ثالثًا، بدأ التعبير عن مواقف ترتبط بنظام الحكم المرغوب (صارت إلى تفاقم لاحقًا). ولعل أبرزها الهجوم على الجهاز القضائي المنطلق من أن لهذا الجهاز "سلطة زائدة" أو "صلاحيات مفرطة". ومن هذه المواقف الموقف الداعي إلى أن تحلّ "السلطة بواسطة القانون" مكان "سلطة القانون"، وأنه "مع كل الاحترام والتقدير للقانون والساهرين عليه، ولدورهم الحيوي الجليل في أي مجتمعٍ متنوّر، فإن هؤلاء ليسوا مخوّلين، وليس في استطاعتهم تقديم إجابات أو حلول ملائمة لكل المسائل المختلف عليها". ويصل صاحب هذا الموقف إلى بيت القصيد بقوله إن "المشكلات الدينية والإيديولوجية والتاريخية والعسكرية العملانية والطبية، وحتى السياسية، ليس لها ولا يمكن، وليس بالضرورة، أن يكون لها جواب أو حلّ قضائي".