19 أكتوبر 2019
استعصاء بريكست حجّة للدفاع عن أوروبا
أقل من ثلاثة أشهر تفصل الأوروبيين عن موعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي قد تحقق فيها التيارات الشعوبية، واليمينية المتطرّفة، تقدّماً جديداً على حساب الأحزاب التقليدية، مثلما هو الحال في فرنسا حيث ينافس التجمع الوطني (يمين متطرّف) حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الحاكم على المرتبة الأولى حسب الاستطلاعات. ويتخوف زعماء أوروبيون من تقدّم كاسح لهذه التيارات في الانتخابات الأوروبية، خصوصاً الرئيس ماكرون الذي قدّم نفسه، منذ البداية، خصماً لتلك التيارات التي تشهد مدّاً في أوساط الأوروبيين. لذا حاول إقناع الأوروبيين بجدوى وبضرورة دعم المشروع الأوروبي وتجديده، في رسالة، بعنوان "من أجل نهضة أوروبية"، وجّهها للمواطنين الأوروبيين، نشرت في صحفٍ أوروبيةٍ وبلغات عدة.
بدأ رسالته بالقول، متوجهاً إلى المواطنين الأوروبيين، إنه يفعل ذلك ليس فقط باسم التاريخ والقيم التي تجمع الأوروبيين، وإنما لأن الأمر مستعجل أيضاً، معتبراً الانتخابات الأوروبية، إلى نهاية مايو/ أيار 2019، مصيريةً للقارّة. تستهدف رسالة ماكرون، بالأساس، التيارات الشعبوية واليمينية المتطرّفة المناوئة للاتحاد الأوروبي، التي تتغذّى من أزمات الأخير للانقضاض عليه، عاملةً بمقولة إن مصائب قوم عند قوم فوائد، والتي عمل بها ماكرون أيضاً في رسالته، لأن يتخذ من أزمة خروج بريطانيا حجة ومدخلاً للدفاع عن الاتحاد الأوروبي؛ إذ
يحذر الأوروبيين من الوضع، مؤكّداً أن أوروبا ضرورية أكثر من أي وقت مضى، لكنها في خطر أكثر من أي وقتٍ مضى، معتبراً خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رمزاً لذلك، ونتيجة لأزمة. حتى وإن لم يعف الاتحاد من مآلات الأمور، لأنه لم يستجب لتطلعات شعوبه. والواضح أن ماكرون يستغل تعثر بل واستعصاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ليحمل
دُعاته من السياسيين البريطانيين المسؤولية، قائلاً إن "الفخ ليس الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي، بل الكذب واللامسؤولية اللذان يمكنهما أن يدمراه". فهؤلاء خدعوا البريطانيين، ولم يقولوا لهم الحقيقة بشأن مستقبل بلادهم، وخسارتها السوق المشتركة، ومسألة الحدود في أيرلندا. وبالتالي، يفنّد حجج (وأقاويل) التيارات المعادية لأوروبا التي تستدل بخروج بريطانيا من الاتحاد، وتريد أن تحذو شعوبها حذو الشعب البريطاني، فهو يدعو الشعوب الأوروبية إلى عدم الانسياق وراء وعود التيارات المناوئة للاتحاد الأوروبي، والتمسّك به، معتبراً أن "مأزق بريكست درس للجميع". لم يكتف ماكرون بالدفاع عن أوروبا من خلال استعصاء الخروج البريطاني، بل أوْلى أيضاً أهمية للمسألة الأمنية، وتحديداً أمن الحدود، مقترحاً إعادة النظر في نظام شينغن، لأجل حماية أكثر فعالية للحدود الأوروبية في مواجهة الهجرة. والغرض من هذا الاقتراح
سحب البساط من تحت أقدام التيارات الشعبوية واليمينية المتطرّفة.
واضحٌ أن الزعماء الأوروبيين سيوظفون استعصاء "بريكست" ليس فقط للدفاع عن المشروع الأوروبي، بل لضرب مصداقية الحجة الأساسية التي تقول بها القوى المناوئة للاتحاد الأوروبي، فمأزق "بريكست" يعتبر ضربة قوية لهذه التيارات التي كانت تتمنّى أن يمر بسلام، وأن يتم في موعده، حتى تستغله لتحقّق دخولاً كاسحاً للبرلمان الأوروبي. ولكن اتضح أنها
أخطأت في حساباتها، وأخذت رغباتها على محمل الجد، فهي لم تبرهن على أن الانسحاب من الاتحاد هو الحل، لأن هذه التجربة الأولى متعثّرة، وبريطانيا في مأزق. في المقابل، لا يعني استعصاء الخروج البريطاني أن الاتحاد الأوروبي وجد حلاً لبعض أسباب هذا الخروج. لذا، فاستعصاء الأخير يمنحه مهلةً من الراحة لاسترجاع أنفاسه، لكن المعركة متواصلة مع القوى المعادية له... من هنا تأتي الحاجة لدفعةٍ جديدةٍ وقوية للمشروع الأوروبي.
بغض النظر عن صدى رسالة ماكرون في دول الاتحاد الأوروبي، وتأثيرها من عدمه على المواطنين الأوروبيين، فإنها دلالة، في حد ذاتها، على نجاح سياسي للمشروع الأوروبي، لأنه لولا الأخير لما تمكّن رئيس دولة أوروبية من التوجه بمثل هذه الرسالة إلى شعوب دول أخرى، وإن فعل فسيعتبر ذلك تدخلاً في شؤونها الداخلية، وتعدّياً على سيادتها، فهذه الرسالة، برمزيّتها دلالةٌ على نجاح أوروبي، وهذا أمر لا يمكن نكرانه، على الرغم من أزمة الاتحاد الأوروبي، وتصلب عود القوى المناوئة له. فعلى الرغم من "الداء والأعداء" يبقى الاتحاد الأوروبي مكسباً لشعوبه. وربما هذا هو مغزى رسالة ماكرون، والمضمون الذي أراد إيصاله إلى الأوروبيين، فأخذه القلم، والتوجه إليهم مباشرة، عبر صحفهم الوطنية في هذا الظرف العسير محاولةٌ لتذكيرهم بأهمية المشروع الأوروبي، وبضرورة "ابتكاره مجدّداً"، مؤكداً أن أوروبا "ليست سوقاً فقط، بل مشروع أيضاً".
دُعاته من السياسيين البريطانيين المسؤولية، قائلاً إن "الفخ ليس الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي، بل الكذب واللامسؤولية اللذان يمكنهما أن يدمراه". فهؤلاء خدعوا البريطانيين، ولم يقولوا لهم الحقيقة بشأن مستقبل بلادهم، وخسارتها السوق المشتركة، ومسألة الحدود في أيرلندا. وبالتالي، يفنّد حجج (وأقاويل) التيارات المعادية لأوروبا التي تستدل بخروج بريطانيا من الاتحاد، وتريد أن تحذو شعوبها حذو الشعب البريطاني، فهو يدعو الشعوب الأوروبية إلى عدم الانسياق وراء وعود التيارات المناوئة للاتحاد الأوروبي، والتمسّك به، معتبراً أن "مأزق بريكست درس للجميع". لم يكتف ماكرون بالدفاع عن أوروبا من خلال استعصاء الخروج البريطاني، بل أوْلى أيضاً أهمية للمسألة الأمنية، وتحديداً أمن الحدود، مقترحاً إعادة النظر في نظام شينغن، لأجل حماية أكثر فعالية للحدود الأوروبية في مواجهة الهجرة. والغرض من هذا الاقتراح
سحب البساط من تحت أقدام التيارات الشعبوية واليمينية المتطرّفة.
واضحٌ أن الزعماء الأوروبيين سيوظفون استعصاء "بريكست" ليس فقط للدفاع عن المشروع الأوروبي، بل لضرب مصداقية الحجة الأساسية التي تقول بها القوى المناوئة للاتحاد الأوروبي، فمأزق "بريكست" يعتبر ضربة قوية لهذه التيارات التي كانت تتمنّى أن يمر بسلام، وأن يتم في موعده، حتى تستغله لتحقّق دخولاً كاسحاً للبرلمان الأوروبي. ولكن اتضح أنها
بغض النظر عن صدى رسالة ماكرون في دول الاتحاد الأوروبي، وتأثيرها من عدمه على المواطنين الأوروبيين، فإنها دلالة، في حد ذاتها، على نجاح سياسي للمشروع الأوروبي، لأنه لولا الأخير لما تمكّن رئيس دولة أوروبية من التوجه بمثل هذه الرسالة إلى شعوب دول أخرى، وإن فعل فسيعتبر ذلك تدخلاً في شؤونها الداخلية، وتعدّياً على سيادتها، فهذه الرسالة، برمزيّتها دلالةٌ على نجاح أوروبي، وهذا أمر لا يمكن نكرانه، على الرغم من أزمة الاتحاد الأوروبي، وتصلب عود القوى المناوئة له. فعلى الرغم من "الداء والأعداء" يبقى الاتحاد الأوروبي مكسباً لشعوبه. وربما هذا هو مغزى رسالة ماكرون، والمضمون الذي أراد إيصاله إلى الأوروبيين، فأخذه القلم، والتوجه إليهم مباشرة، عبر صحفهم الوطنية في هذا الظرف العسير محاولةٌ لتذكيرهم بأهمية المشروع الأوروبي، وبضرورة "ابتكاره مجدّداً"، مؤكداً أن أوروبا "ليست سوقاً فقط، بل مشروع أيضاً".