عدلت الثلاثينية الأردنية سلمى صالح عن توكيل موظف في وزارة الأوقاف بالحج بدلاً عن والدتها المتوفاة، لعدم امتلاكها المبلغ الذي طلبه للقيام بالمهمة، فعلى الرغم من تكفل الوزارة بسفره وإقامته في مكة المكرمة خلال موسم الحج كمرافق للحملة الرسمية، لكنه أصر على دفع 1200 دينار (1700 دولار أميركي) "كمقابل لخدماته"، كما تروي سلمى لـ"العربي الجديد"، قائلة أنه "بدا لي أنه يقتنص الفرصة للتكسّب".
لجأت سلمى للبحث عن وسيلة أخرى لإيجاد حاج بديل، في ظل عدم تنظيم الأمر بشكل رسمي، لكن العاملين في مكاتب الحج والعمرة عرضوا خدماتهم أيضاً بمبالغ مرتفعة تراوحت ما بين 1000 دينار (1413 دولاراً أميركياً) وحتى 1200 دينار، فاضطرت للبحث من خلال أحد أقاربها عن أحد المقيمين في مكة المكرمة والذي وكل أحد طلاب علوم الشريعة هناك، لأداء الحجة البديلة مقابل 3500 ريال سعودي أي ما يوازي 665 ديناراً، وبالفعل حولت سلمى المبلغ المطلوب له.
التكسّب عبر حج البدل
يجوز أداء شعيرة الحج نيابة عن الموكل في حالتين هما: "إذا تُوفي إنسان مسلم قادر قد وجب عليه الحج ولم يحجّ، فيجب على ورثته أن يستأجروا من تركته من يحجّ عنه، ولو حج عنه مسلم متبرّعًا جاز، سواء كان من ورثته أم لا، وأما الثانية، إذا كان المسلم مريضاً مرضاً لا يُرجَى شفاؤه، أو هرِماً لا يستطيع السفر وله مال، وجب عليه أن يوكّل من يحجّ عنه ولو بأجرة" وفق ما جاء في الفتوى رقم (376) الصادرة عن دائرة الإفتاء الأردنية، وهو ما يشرحه مفتي محافظة الكرك وليد ذنيبات، قائلاً أن "التوكيل في الحج يجوز في الحالتين المذكورتين، بعد التحقق من أن الحاج البديل قد أدى الحج عن نفسه، إذ يتوجب عليه أن ينوي الحج عن الغير في الإحرام"، مؤكداً أن الأَوْلى أن يحجّ الأولياء عن ميتهم أو مريضهم، لكن لصعوبة إيفاد الشخص إلى الحج مرتين من الأردن، لجأ الناس للبحث عن أشخاص أو شركات تتكفل بذلك، ولا ضرر في ذلك دون استغلال حاجات الناس وأداء الفرض بالشكل الصحيح، كما يقول ذنيبات.
بيد أن سماسرة ومكاتب وشركات جعلت الحج بالإنابة باباً للتكسب والتجارة، في ظل غياب آلية تنظيمية لحج البدل وعدم شموله ضمن اختصاصات وزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية الأردنية، بحسب ما يوثقه هذا التحقيق.
خداع الموكلين
عمليات الاستغلال من قبل سماسرة، وعاملين في مكاتب سياحية أو موظفين رسميين مرافقين لحملة الحج، ظاهرة آخذة بالتمدد عاماً تلو الآخر، بحسب ابراهيم أمين، مالك شركة الفجاج للسياحة والسفر والحج والعمرة (مكتب معتمد)، الذي يكشف لـ "العربي الجديد " أن "مخادعين يحصّلون مبالغ مالية عالية من خلال الاتفاق مع عدد من الأشخاص للحجّ عن ذويهم دفعة واحدة، رغم تعارض ذلك مع أحكام الشريعة الإسلامية وشروط الحج، ونصادف مثل هؤلاء في كل موسم"، ويضيف أن الحاج البديل قد يلتزم بأداء الفرض عن الشخص الموكل عنه، لكن بمقابل كبير، فيكون مقصده اكتساب المال والربح وليس العمل الصالح.
ويوضح أمين الذي يشهد موسم الحج كل عام بحكم عمله، أن هؤلاء الأشخاص يدّعون أنهم يؤدون الحج لكن لا ضمانات فعلية لذلك، قائلاً إن الأصل في حجة البدل أن يوكل الشخص الموثوق به، ويبتغي الأجر والثواب من ذلك وليس الترزّق.
تجاوزات مكاتب الحجّ المعتمدة
اختارت معدة التحقيق عينة عشوائية مؤلفة من عشرة مكاتب مدرجة على القائمة المعتمدة لدى وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية للعمل في موسم الحج لهذا العام، تنتشر في عمّان والزرقاء وإربد، وقد استجابت تسعة منها لطلب معدة التحقيق لتوكيل حاج بديل من موظفي المكتب المرافقين للحملة أو السائقين، واشترطت خمسة مكاتب أن يجري الاتفاق مع الشخص الذي سيتم توكيله والدفع من خلالها، وذلك قبل الثامن من أغسطس/آب الحالي، وتراوحت المبالغ المطلوبة ما بين 700 دينار (990 دولاراً) وحتى 1200 دينار.
هذه المكاتب والشركات السياحية التي جرى اعتمادها من الأوقاف مكلّفة بنقل الحجيج ضمن البعثة الأساسية وإسكانهم وتقديم الخدمات لهم فقط، كما يوضح رئيس اللجنة الدينية في إدارة جمعية وكلاء السياحة والسفر الأردنية (اتحاد للعاملين في القطاع) فيصل مرزي، مشيراً إلى أن هناك 200 مكتب سياحة وسفر مصرح لها بنشاط الحج والعمرة في محافظات المملكة، وهي ليست مخولة بالإعلان عن حج البدل أو الاشتغال به.
ويحظر على المكتب أو العاملين في نشاط الحج والعمرة الإعلان عن أي برامج للحجاج إلا بعد أخذ الموافقة الخطية المسبقة عليها من الوزارة، استناداً إلى المادة (42) من تعليمات شؤون الحج الصادرة عن وزارة الأوقاف، ولا يندرج التوكيل في الحج ضمن البرامج التي تنظمها الوزارة للحجاج وتوافق عليها بالتنسيق مع الجمعية التي تمثل المكاتب، وفقاً لمرزي.
لكن ما يحدث فعلياً، أن أصحاب مكاتب سياحية وشركات قد يستغلون تراخيصهم ويقومون بتنظيم الحج بالإنابة دون الإفصاح عن ذلك، كما يقول رئيس اللجنة الدينية في إدارة جمعية وكلاء السياحة والسفر الأردنية، واصفاً الأمر بالتجاوز القانوني والمفترض أنهم يحاسبون عليه بإنذارهم إن ثبت ذلك.
شركات متخصصة بحجّ البدل
"باقي 10 أيام وينتهي التسجيل لحج البدل..سارع بالتسجيل واهدي أحبابك المتوفين أو العاجزين حج بيت الله الحرام"، الإعلان السابق جزء من الحملة التسويقية لشركات متخصصة بـ "خدمة حج البدل"، كما تطلق عليه في إعلاناتها التي انتشرت بكثافة عبر الفضائيات وعلى موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أثناء التحضير لموسم الحج هذا العام، وتلعب هذه الشركات دور الوسيط بين الموكَّل بالحج ووكيل الشخص المتوفى أو العاجز، ويقوم مبدأ عملها على توقيع عقد يلزم الطرف الأول بدفع مبلغ مالي مقابل ترتيب حجة عن الغير، وذلك بتوكيل الشركة لأحد المقيمين في مكة المكرمة لأداء المناسك، كما وثقت معدة التحقيق في زيارتين ميدانيتين لشركتي "تآلف الخير"، و"البشائر" لحجّ البدل في عمّان.
لا يختلف نهج الشركتين في عرض خدماتهما وتقديمها، إذ يبين مدير مشروع حج البدل في شركة تآلف الخير عمار الحاج علي أنهم يعتمدون على الطلاب الدارسين للعلوم الشرعية والمقيمين في مكة المكرمة، أو المرشدين الذين يؤمون الحرم برفقة حملات الحج لتوكيلهم بإسقاط الفريضة عن الشخص المراد، ويأتي ذلك عقب دفع الوكيل مبلغ (1150 ديناراً) للشركة لدى توقيع العقد في عمّان، تشمل الحج دون هدي.
بينما يقول مدير شركة البشائر لحج البدل "حجي بشير" كما عرّف عن نفسه، إن اعتمادهم بالكامل على طلبة العلوم الشرعية المقيمين في الحرم المكي، الذين لا يحتاجون تصاريح حج، إذ تتقاضى الشركة 550 ديناراً (777 دولاراً) من الوكيل، مقابل أن تكلف طالب العلم بأداء حج البدل.
وتمنح الشركتان الوكيل بعد استكمال الحج شهادة وقرصاً مدمجاً يوثق إحرام الحاج البديل وأداءه مناسك الحج عن الشخص المتوفى أو العاجز، وتصدر هذه الشهادة عن الشركة مقدمة الخدمة وليس من جهة رسمية مخولة، إذ يعلق حجي بشير على ذلك قائلاً "ليس للأوقاف علاقة بنشاطنا".
تعمل تلك الشركات دون الحصول على موافقة من وزارة الأوقاف الأردنية التي أعلنت عدم مسؤوليتها عن حج البدل على لسان الناطق الإعلامي باسم الوزارة حسام الحياري، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن الوزارة معنية فقط بتنظيم حملة الحج الرسمية وتسيير شؤونها والإشراف على الخدمات المقدمة لهم من قبل مكاتب الحج والعمرة المعتمدة، ولا يقع حج البدل ضمن مسؤولياتها، ولا تعمل هذه الشركات تحت مظلتها، موضحاً أن اعتماد أي مكتب سياحي أو شركة للعمل في موسم الحج من قبل الأوقاف يستلزم تقديم شهادة ترخيص صادرة عن وزارة السياحة والآثار، ورخصة مزاولة مهنة سارية المفعول تتضمن تقديم خدمات السياحة والسفر، ولا يسمح لهم بمزاولة أي مهنة أخرى.
وبالتدقيق في قائمة مكاتب السياحة والسفر المصرح لها بنشاط الحج والعمرة المنشورة على الموقع الإلكتروني لجمعية وكلاء السياحة والسفر، لم تجد معدّة التحقيق اسماً لهاتين الشركتين العاملتين في حجّ البدل ضمن القائمة، ويعتبر مرزي أن نشاط هذه الشركات مخالف جملة وتفصيلاً، لأنه يحظر على أي جهة لم تحصل على موافقة الأوقاف أن تعمل في قطاع خدمات الحج، وقد تسجل تلك الشركات كمؤسسات فردية لدى وزارة الصناعة والتجارة الأردنية، وتمارس نشاطات مختلفة من ضمنها توكيل أشخاص لأداء الحج، بينما ينفي الناطق الإعلامي باسم وزارة الصناعة والتجارة ينال برماوي أن تكون الوزارة قد رخصت أي مؤسسة تتمثل غاياتها بحج البدل، معتبراً أن "حج البدل" مفهوم ديني اجتماعي يجري ترتيبه بين الناس، لكن لا مؤسسات يجري ترخيصها لهذه الغاية، كما يؤكد مراقب الشركات رمزي نزهة أن "حجّ البدل" ليس من ضمن قائمة غايات تسجيل الشركات.
ويثير العمل بالطريقة المخالفة هذه أو التعامل مع جهات غير مسجلة بشكل قانوني المخاوف بأن لا يؤتى بالحج على الوجه الصحيح، أو يحدث تلاعب، ويخسر الناس أموالهم هباء، بحسب مرزي.
العشوائية تفتح باب الاستغلال
يؤكد المتخصص في علوم الفقه وأصوله عميد كلية الشريعة في جامعة الزرقاء الأهلية أنس الخلايلة أن ترك أمر حج البدل بلا آلية تنظيمية يفتح باب الاستغلال على مصراعيه، فما يحدث من ممارسات تقوم بها مكاتب الحج وشركات أخرى غير معتمدة يعد استغلالاً مبنياً على الاستمالة العاطفية لأشخاص يرغبون بأداء الفريضة عن ميتهم أو قريبهم الذي أقعده المرض.
والأصل أن تتولى الجهات المعنية في الأردن ممثلة بوزارة الأوقاف ودائرة الإفتاء تنظيم الحج بالإنابة، وجعله تحت رقابتها منعاً للتجاوزات الحاصلة حالياً نتيجة غياب الغطاء الرقابي والتنظيمي للحج بالوكالة، وفقاً للخلايلة، موضحاً أن ضبط الأمر من قبل الأوقاف يجب أن يشمل آلية تنفيذية، وتحديد الكلفة المناسبة بناءً على تقديراتها، حتى لا يبقى الأمر خاضعاً للأهواء الشخصية سعياً لتحقيق المكاسب والتربح.
ويرى الخلايلة أن على الشركات العاملة بأي شأن ديني عرض نظام عملها على دائرة الإفتاء للتأكد من مشروعية عملها، وبناء على ذلك يجري اعتمادها وترخيصها، ويقاس على ذلك أمر حج البدل.
ويتفق حسان أبو عرقوب، مدير العلاقات العامة في دائرة الإفتاء الأردنية مع الرأي السابق إذ يؤكد لـ"العربي الجديد" أن "لا علم للدائرة بما تفعله تلك الشركات العاملة في حج البدل"، علماً أن التوكيل في الحج جائز في الحالات التي فصلتها الفتوى الصادرة عن الإفتاء في هذا الشأن، وفقاً لقوله، محيلاً المسؤولية إلى وزارة الأوقاف المسؤولة عن المتعهدين بخدمة الحجاج.