على مدار سنوات الحرب الست، لم يكف النظام السوري عن محاولاته الزج بالفلسطينيين، الذين كان عددهم يزيد عن نصف مليون، في المعارك التي يخوضها على العديد من الجبهات، مستخدماً غالباً وسائل الإكراه، ومستغلاً الظروف الصعبة التي يعيشونها جراء الحرب، وهو ما دفع بنحو نصفهم إلى مغادرة البلاد، والتوجه إلى شتى أصقاع العالم، خصوصاً الدول الأوروبية. ومنذ الشهور الأولى للحرب، لعبت الفصائل الفلسطينية، المعروفة بقربها من النظام، مثل "الجبهة الشعبية- القيادة العامة"، بقيادة أحمد جبريل، و"فتح الانتفاضة"، المنشق عن حركة "فتح" منذ العام 1983، و"قوات الصاعقة"، وهي الذراع العسكري لحزب "البعث" الفلسطيني/الفرع السوري، و"جبهة النضال الشعبي الفلسطيني"، بقيادة خالد عبد المجيد، دوراً متنامياً في إسناد النظام السوري داخل التجمعات الفلسطينية، خصوصاً مخيم اليرموك جنوبي دمشق. واصطدمت، في هذا السياق، مع فصائل المعارضة السورية القادمة من منطقة الحجر الأسود المجاورة، التي استطاعت السيطرة على المخيم نهاية 2012، فلجأ النظام بعدها إلى محاصرة المخيم تدريجياً، وصولاً إلى محاصرته بشكل تام منتصف العام 2013، وهو حصار تساهم في فرضه، حتى الآن، الفصائل الفلسطينية المذكورة، قبل أن ينضم إليها أخيراً "جيش التحرير الفلسطيني".
وخلال المواجهات مع فصائل المعارضة في حلب شمال سورية، لجأ النظام السوري وإيران إلى تشكيل ما يعرف بـ"لواء القدس"، الذي كان يتكون في بداياته من أغلبية فلسطينية. وشارك هذا اللواء في العديد من المعارك على خطوط جبهات مدينة حلب وريفها، ما تسبب بمقتل المئات من أفراده، الذين يقدر عددهم الإجمالي بـ1800 مقاتل، بينهم نحو 500 فلسطيني. ويقول ناشطون، من أبناء مخيم النيرب، إن "لواء القدس" يستغل تردي الأوضاع الاقتصادية وانعدام الموارد المالية للعائلات الفلسطينية وانتشار البطالة، ليغري الشباب برواتب مالية منتظمة. وتشكل "لواء القدس" في أكتوبر/تشرين الأول 2013 من دون إعلان رسمي، وهو يتكون من ثلاث كتائب، ويتوزع عناصره في محيط مخيم النيرب وقرب مطار النيرب العسكري والمدني، وكذلك في قرى العزيزة والشيخ لطفي وحيلان وغرب سجن حلب المركزي ومحيط مخيم حندرات، وفي محيط مبنى الاستخبارات الجوية، ويقوده المدعو محمد السعيد، وهو فلسطيني سوري، مرتبط بالاستخبارات السورية والإيرانية. وقام عناصر هذا اللواء بنصب الحواجز في مخيم النيرب، واعتقال الشباب الفلسطينيين، بالإضافة إلى افتتاح سجون في المخيم لاعتقال الشبان المناهضين للنظام، أو المعترضين على سلوك عناصر اللواء.
أما الجسم العسكري الفلسطيني الأكثر أهمية مما سبق، والذي يعمل النظام على زجه في معاركه بشكل مضطرد، فهو "جيش التحرير الفلسطيني" الموجود في سورية، والذي يتبع نظرياً إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وعملياً لقيادة أركان الجيش النظامي السوري. وينتشر "جيش التحرير الفلسطيني" في العديد من الدول العربية، مثل الأردن (لواء بدر) ومصر. وكان تأسس أولاً في العراق، على يد عبد الكريم قاسم، في العام 1961. وفي سورية، يتكون "الجيش" من ثلاثة ألوية مشاة وصاعقة، وهي "قوات حطين" ومقرها في قطنا قرب دمشق، و"قوات أجنادين" ومقرها في جبل الشيخ على الحدود مع فلسطين المحتلة، و"قوات القادسية" وتتمركز قرب محافظة السويداء جنوبي البلاد، بالإضافة إلى بعض الكتائب المستقلة المساندة. ومنذ السنة الثانية للحرب السورية، زاد الضغط على ضباط وأفراد "جيش التحرير الفلسطيني" بغية زجهم في معارك النظام، ما تسبب في حدوث انشقاقات واعتقالات وإعدامات في صفوفهم.
ويؤكد الناشط الفلسطيني، المحامي أيمن فهمي أبو هاشم، أنه منذ بداية اندلاع الحراك الثوري عمل النظام السوري على مسارين متلازمين بما يتعلق بـ"جيش التحرير الفلسطيني"، الأول "تصفية أي صوت من داخل هذه المؤسسة يدعو إلى تحييد ألوية وكتائب جيش التحرير عن الصراع الناشب بين السلطة وقوى الثورة. وهذا ما ظهر في عمليات اغتيال طاولت العديد من الضباط، في الفترة الأولى من الثورة، بهدف منع تشكل أي تمرد داخل صفوف جيش التحرير الفلسطيني على سياسات النظام في توريط جيش التحرير في معركته ضد الشعب السوري، لا سيما أن استهداف تجمعات اللاجئين الفلسطينيين من قبل قوات النظام كان عاملاً هاماً لتحفيز قادة كتائب في جيش التحرير على الانشقاق والانضمام إلى صفوف الثورة. وهذا ما حدث بالفعل، حين انشق العقيدان قحطان طباشة وخالد الحسن، مع عناصرهما، بعد هجوم النظام على مخيمي درعا واليرموك"، وقاما بتشكيل "جيش التحرير الفلسطيني الحر".
ويضيف أبو هاشم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن المسار الثاني "كان استثمار النظام في جيش التحرير الفلسطيني، بعد عدة سنوات من تغيير عقيدة هذا الجيش، من ذراع عسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وله دور وطني في مواجهة العدو الإسرائيلي وتحرير الأرض الفلسطينية، إلى أداة عسكرية يسيطر النظام عليها من كافة الجوانب، المالية واللوجستية والتنظيمية والتدريبية. وبعد أن أحكم النظام سيطرته على هذه المؤسسة في العقود السابقة، قام في زمن الثورة باستخدامها كإحدى أدواته في المواجهات العسكرية في العديد من الجبهات السورية، لا سيما في جبهات ريف دمشق والسويداء، وقضى أكثر من 250 ضابطاً ومجنداً على تلك الجبهات". وأوضح أنه في كثير من الأحيان كان يتم الدفع بعناصر "جيش التحرير" إلى المقدمة للتضحية بهم، ونقلهم إلى الجبهات المشتعلة، وكان ذلك يتم بتواطؤ من قيادة "جيش التحرير" وموافقتها، على أن يكون ضباطها وجنودها وقوداً في محارق رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
وفي هذا السياق، أشارت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية" إلى وجود حالة من السخط بين اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سورية وخارجها، بعد سقوط ضحايا جدد بين الشباب الفلسطينيين من عناصر "جيش التحرير الفلسطيني" في سورية. وارتفعت حصيلة ضحايا عناصر "جيش التحرير الفلسطيني" منذ بدء أحداث الحرب في سورية إلى 201 لاجئ بحسب إحصائيات المجموعة. ويتهم أهالي المجندين والضحايا الفلسطينيين قيادة "جيش التحرير الفلسطيني"، وعلى رأسهم رئيس أركانه طارق الخضراء، بزجِّ أبنائهم في الصراع الدائر في سورية، وإراقة دماء الشباب الفلسطيني في معركة ليست معركتهم، وإرسالهم بعيداً عن المخيمات الفلسطينية وعن حمايتها.
وتفرض الخدمة العسكرية على اللاجئين الفلسطينيين في سورية منذ عقود، وهي مماثلة في مدتها لما يفرض على المواطن السوري، أي لمدة عامين، لكن مع الظروف الحالية، توقفت عمليات التسريح تقريباً. وبسبب رفضهم الالتحاق بهذه الخدمة خلال الحرب الدائرة في سورية، عمد الكثير من الشبان الفلسطينيين إلى مغادرة البلاد، والسفر إلى البلدان المجاورة، في حين انشق العديد من هذا عناصر "الجيش" وانضموا إلى مجموعات المعارضة لقتال النظام السوري. وتشير المعطيات إلى أنه بات يزج بعناصر "جيش التحرير" في العديد من الجبهات المشتعلة، من الغوطة في ريف دمشق إلى درعا في الجنوب وصولاً إلى القلمون الشرقي والبادية السورية. وأشارت مصادر عدة إلى أن النظام بدأ أخيراً بزجّ عناصر مجموعة "لواء القدس"، الموالية له، في معاركه ضد تنظيم "داعش" في مناطق دير الزور وتدمر. وأعلن القيادي في "جيش الإسلام"، محمد علوش، في تغريدة له أول من أمس، أن "جيش التحرير الفلسطيني" يشارك في معارك تل دكوة وبير القصب شرق دمشق. وكان رئيس هيئة أركان "جيش التحرير الفلسطيني"، اللواء طارق الخضراء، أكد أن "جيش التحرير" يقاتل إلى جانب جيش النظام السوري منذ انطلاق أحداث الحرب في سورية، و"قاتل في أكثر من 15 موقعاً في أرياف درعا والسويداء ودمشق، منها الزبداني وعدرا والمليحة وجوبر والمعضمية وداريا وتل كردي". يذكر أن "جيش التحرير" كان له دور عسكري رائد في مسار المقاومة ومنظمة التحرير الفلسطينية في الأردن ولبنان، خصوصاً خلال حرب تشرين في العام 1973 وحصار بيروت في العام 1982.