لم تكن استقالة الوزير التونسي الأزهر العكرمي، المكلف بالعلاقات مع مجلس النواب، قبل أيام، مجرد استقالة عادية لوزير في حكومة الحبيب الصيد، بدليل ما أثارته من ردود فعل على الصعيدين الحكومي والحزبي، على الرغم من أن مقربين من رئيس الحكومة كانوا قد أكدوا لـ"العربي الجديد" مباشرة بعيد الاستقالة، أن الصيد سيقبلها وأنه يعتبر الأمر عادياً جداً، وهو ما أكده بنفسه في اليوم التالي، مضيفاً في تصريح للإذاعة الرسمية أن هذه الاستقالة لن تؤثر في العمل الحكومي، ولا في علاقة الحكومة بحزب "نداء تونس".
وعلى الرغم من أن الوزارة ليست بالفعل مؤثرة جداً في الساحة السياسية أو في الحكومة نفسها، الا أن محتوى رسالة الاستقالة وجملة التصريحات الصحفية التي تلتها، عبّرت عن حالة من القلق الواضح داخل الحكومة وفي صلب الحزب الأول "نداء تونس".
ولم يكتف العكرمي بانتقاد الفساد المستشري الذي عجز عن مقاومته بحسب تعبيره، وإنما تجاوزه إلى نقد الصيد بالذات "الذي لم يعد ينصت لوزرائه"، مشدداً على أنه لن يسكت عن الفاسدين وأنه سيذكر أسماءهم في الوقت والمكان المناسب، مؤكداً أنه يملك ما يكفي من الشجاعة لفعل ذلك. غير أن الوزير المستقيل لم يتوقف عند نقد العمل الحكومي وإنما تجاوزه ليعبّر عن تململ جزء من قيادات حزبه "نداء تونس"، معتبراً أنه "مضروب على يده"، مضيفاً: "يُقال إننا الحزب الحاكم ولكن الحقيقة نحن الحزب الفائز في الانتخابات".
العكرمي لم يكن وحيداً في صراعه الأخير، بل جاءه الدعم من زميله في "نداء تونس" النائب منذر بلحاج، الذي رأى في استقالة العكرمي "قدرة داخل نداء تونس على الاستقالة من أي منصب". وهو بذلك رد على منتقدي الاستقالة الذين قالوا إن العكرمي استبق الإقالة بالاستقالة، في إشارة إلى التغيير الحكومي الذي كان يُفترض أن يشمل سبع حقائب وزارية من بينها حقيبة العكرمي، ولكن يبدو أن هذه الاستقالة قد تؤجلها مرة أخرى.
غير أن الصيد نفى أن يكون هناك تغيير حكومي مطروح في الوقت الحالي، وهو ما يتضارب مع تصريح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في القاهرة لوسائل إعلام تونسية من أن التغيير قد يرى النور قريباً.
وانتقد بلحاج تصريح رئيس الحكومة حين اعتبر أن هذه الاستقالة لن تؤثر على العلاقة مع حزب "نداء تونس" والحكومة، مخاطباً الصيد بالقول: "احترمنا لنحترمك". كما قدّم بلحاج أيضاً اعتذاره للناخبين لعدم تحقيق ما وعد به الحزب قبل الانتخابات، وشدد على أن "ما وعدنا به في الانتخابات سنحققه وسنغيّر ما يجب تغييره"، مطالباً بضرورة "أن تمسك حكومة إصلاحات بزمام الأمور وتصارح التونسيين بالحقيقة وتتمتع بالجرأة والكفاءة السياسية العالية".
اقرأ أيضاً: العكرمي لـ"العربي الجديد":لا يمكن محاربة الفساد بتونس بمسؤولين فاسدين
هذه الدعوة تلقفها زعيم "الجبهة الشعبية" اليسارية المعارضة حمة الهمامي، الذي قال في تصريح صحفي "بدأنا اليوم نسمع ونرى ما كنا نبهنا إليه من قبل، وقد ثبت صواب رأينا"، معتبراً أن "على الجبهة الاستعداد والعمل على الوصول إلى الحكم، لأنه لم تتم تجربة الجبهة في الحكم بعد فشل التجارب السابقة".
أما زعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي فقد اكتفى بالتأكيد على دعم حركته لحكومة الصيد، غير أنه رد في المقابل على اتهامات من قيادات في "نداء تونس" لـ"النهضة" بالتدخّل في شؤون حزبها عبر مناصرة الشق الدستوري على اليساري، معتبراً ذلك "كلاماً فارغاً".
ويبدو أن استقالة العكرمي أدخلت البلاد في حالة من الارتباك وخلط الأوراق لا يُعرف مداها بعد، غير أنها لفتت إلى هشاشة العلاقة بين الحكومة والشق اليساري في حزب "نداء تونس"، إذ اعتبر الأمين العام للحزب محسن مرزوق أن نقد الحكومة ليس محرماً ولا ينبغي أن يُفهم أنه سعي لإسقاطها.
غير أنها حوّلت المعركة من جديد إلى ما يحدث داخل "النداء" من تنافس قاتل بين مرزوق وحافظ السبسي، نجل الرئيس، والذي وصل إلى ذروته في الأيام الاخيرة بما ينذر بمؤتمر متأزم للحزب، إذا تم عقده أصلاً نهاية هذا العام.
ويُفترض أن يعقد الحزب غداً الجمعة وبعد غد السبت، الأيام البرلمانية التي تأجلت أكثر من مرة، وستكون مناسبة أخرى لتصفية الحسابات، بعد أن أشار بعض نواب "النداء" إلى أنه سيتم البحث في مسألة تغيير رئيس كتلة الحزب في مجلس النواب محمد الفاضل بن عمران، وكذلك رؤساء اللجان البرلمانية المنتمين للحزب وذلك بالتصويت داخل الكتلة البرلمانية، وتطبيقاً لما يتضمنه النظام الداخلي للبرلمان، في حين أكدت أطراف أخرى لـ"العربي الجديد" أن هذا الأمر مستبعد جداً ولا سبيل لتمريره.
وبين تضارب تصريحات السبسي والصيد في خصوص التغيير الحكومي، وتضارب مواقف الأحزاب من الحكومة، بين فريق يرى أنها لا بد أن ترحل، وفريق آخر يؤكد استمرار دعمها، جاءت استقالة العكرمي لتطرح السؤال المركزي في تونس: من يمسك بالفعل بخيوط القرار في تونس اليوم؟
اقرأ أيضاً: تونس ستشارك "استخباراتياً" في "التحالف الدولي" ضد "داعش"