لم تقف أي وسيلة إعلامية بريطانية على الحياد في موضوع التصويت على استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، حتى من ادّعى ذلك منها. فكمّ الحوارات والصور ومقاطع الفيديو ونتائج الاستفتاءات الخاصة بكل مؤسّسة أو بمؤسّسات أخرى، تقود الأمور عفوياً أو بصورة مقصودة، الى ترجيح "نعم" أو "كلا" لاستقلال اسكتلندا عن بقية المملكة المتحدة.
واتضحت المواقف أكثر في الإعلام البريطاني، منذ الخميس الماضي، أي قبل أسبوع تماماً من التصويت. لكنّ صحف يوم الأحد الماضي، كانت الأكثر أهميّة، فقد باتت المواقف أكثر وضوحاً قبل أيام قليلة على التصويت.
صحيفة "فايننشال تايمز"، اتخذت موقفاً واضحاً ضد الانفصال، وقالت في افتتاحيتها إنّ "الدول ليست بمنأى عن التفكّك، لكن لا توجد سوابق في الدول الديمقراطية الحديثة المستقرة، تدلّ على صحة قرار التقسيم في وقت السلم، ووسط الانتعاش الاقتصادي". وتابعت: "إنّ مسار الانفصال هو فكرة حمقاء، محفوفة بالمخاطر وعدم اليقين".
وركزت "فايننشال تايمز" في موقفها، على المصالح لا العواطف، مستندة الى التكلفة العالية التي ستتحمّلها اسكتلندا والمملكة المتحدة، في حال استقلال الأولى. واستشهدت بحجم تحويل الودائع والأموال من اسكتلندا هذا الأسبوع، قائلة إن ذلك "قد يكون نذيراً". وقالت صحف الأحد الماضي، في غالبيتها تقريباً، "كلا" سواء بصورة واضحة مباشرة، أو بصورة ضمنيّة.
وحثّت الصحف المدعومة من "حزب المحافظين"، مثل "صنداي اكسبرس"، و"تلغراف" و"ميل أون صنداي"، الشعب الإسكتلندي على البقاء مع الاتحاد، وكذلك فعلت الصحف المدعومة من "حزب العمال"، مثل "صنداي ميرور" وصحيفة "صنداي بيبول".
أما "أوبزيرفر"، الصحيفة الأسبوعيّة الشقيقة لصحيفة "غارديان"، فصدرت مع عنوان كبير على صفحتها الأولى يقول: "الاتحاد كُسر... بعد الخميس، بريطانيا لن تعود كما كانت".
وأضافت انه أياً كان القرار، بنعم أو كلا، فإن تغييرات دستوريّة آتية، وستتغير كل بريطانيا بعد هذا الحدث.
من جهتها، أصدرت صحيفة "تايمز أون صنداي" ملحقاً من ثماني صفحات، خُصّص لعرض نتائج الاستفتاء الذي أجرته الصحيفة بين قرائها، مع عنوان كبير في الصفحة الأولى: "معركة من أجل بريطانيا". وتوصّلت الصحيفة الى أنّ معسكري "نعم" و"كلا" متقاربان جداً، مع ميل أحد المعلقين الى أنّه لـ"نعم"، ربّما، النصيب الأوفر.
من جهتها، أصدرت صحيفة "صنداي تلغراف"، "طبعة خاصة بالاستفتاء"، من ست صفحات، إضافة إلى عنوان رئيس في الصفحة الأولى، يعكس وقوف الصحيفة ضد استقلال اسكتلندا عن بريطانيا.
أما في اسكتلندا، حيث تحتدم معركة الاستقلال، فكانت "صنداي هيرالد" الصحيفة الأولى التي تعلن دعمها العلني للتصويت بـ"نعم" في الاستفتاء الإسكتلندي، منذ مايو/أيار الماضي، فيما أعلنت صحيفة "ذا سكوتسمان" دعمها للتصويت بـ"كلا" على الاستفتاء، قبل أسبوع فقط.
وحملت الصفحة الأولى من "ذا سكوتسمان" عنوان: "قرار اسكتلندا". وتابعت في الخبر "نحن أفضل معاً"، وهو شعار حملة المناهضون لانفصال اسكتلندا. أما الحجج التي ساقتها في افتتاحيتها، فهي وضع العملة، وعضويّة الاتحاد الأوروبي والدفاع.
وصدر غلاف المجلة السياسية "ذا سبكتاتر"، هذا الأسبوع، بعنوان: "اسكتلندا، يُرجى البقاء".
أما هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي"، فلم تكن مجرّد مؤسسة إعلامية يمكن متابعة موقفها من التصويت على الاستقلال، وهي التي شدّدت على موظفيها عدم التورّط في الانحياز لموقف ما، والتزام الحياديّة. تُصرّ هذه الهيئة العريقة، التي كانت نموذجاً مبكراً في العالم لمؤسسة إعلاميّة تابعة للدولة، (لا للحكومة)، منذ تأسيسها في خريف عام 1922، على الوقوف حتّى في هذه اللحظة، على قدم المساواة من جميع الأطراف. من هنا طُرح سؤال: ماذا سيحدث للهيئة ومؤسّساتها ونشاطها في حالة استقلال اسكتلندا؟
نحو بي بي سي اسكتلندية
يقول الكتاب الأبيض، الذي أصدرته الحكومة الإسكتلندية المتحمّسة للاستقلال، إنّ خدمة بثّ إسكتلندي، مموّلة من القطاع العام، ستنشأ لتوفير قنوات تلفزيونية وإذاعة ومواقع إلكترونيّة، على نسق "بي بي سي".
ويقترح الكتاب أن تكون رسوم رخصة التلفزيون التي تُستقطع من كل بيت في بريطانيا، وتبلغ 145.50 جنيهاً استرلينياً سنوياً، هي نفسها كما في بقية المملكة المتحدة.
في المقابل، يرى المعسكر المؤيّد لبقاء بريطانيا موحّدة، أنّه من دون هيئة الإذاعة البريطانية، ستضيع البرامج الحالية وتزيد تكلفة الانتاج.
وتعتقد الحملة المؤيدة لبقاء الاتحاد، أنّ من شأن الاستقلال أن يؤدّي إلى خسارة برامج "بي بي سي" الرائجة، وأنه سيترتّب على كل بيت دفع مبالغ أكثر لمشاهدة الأحداث الرياضية الكبرى والأعمال الدرامية، في وقت يحصل فيه المشاهدون في اسكتلندا حالياً، على برامج بمستوى عالمي وخدمة مميّزة من "بي بي سي".